الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ ولا تَخافُونَ أنَّكم أشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكم سُلْطانًا فَأيُّ الفَرِيقَيْنِ أحَقُّ بِالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهم مُهْتَدُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا مِن بَقِيَّةِ الجَوابِ عَنِ الكَلامِ الأوَّلِ، والتَّقْدِيرُ: وكَيْفَ أخافُ الأصْنامَ الَّتِي لا قُدْرَةَ لَها عَلى النَّفْعِ والضُّرِّ، وأنْتُمْ لا تَخافُونَ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي هو أعْظَمُ الذُّنُوبِ. وقَوْلُهُ: ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكم سُلْطانًا﴾ فِيهِ (p-٥٠)وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكم سُلْطانًا﴾ كِنايَةٌ عَنِ امْتِناعِ وُجُودِ الحُجَّةِ والسُّلْطانِ في مِثْلِ هَذِهِ القِصَّةِ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧] والمُرادُ مِنهُ امْتِناعُ حُصُولِ البُرْهانِ فِيهِ.
والثّانِي: أنَّهُ لا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أنْ يُؤْمَرَ بِاتِّخاذِ تِلْكَ التَّماثِيلِ والصُّوَرِ قِبْلَةً لِلدُّعاءِ والصَّلاةِ فَقَوْلُهُ: ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكم سُلْطانًا﴾ مَعْناهُ: عَدَمُ وُرُودِ الأمْرِ بِهِ. وحاصِلُ هَذا الكَلامِ: ما لَكم تُنْكِرُونَ عَلَيَّ الأمْنَ في مَوْضِعِ الأمْنِ، ولا تُنْكِرُونَ عَلى أنْفُسِكُمُ الأمْنَ في مَوْضِعِ الخَوْفِ ؟ ولَمْ يَقُلْ: فَأيُّنا أحَقُّ بِالأمْنِ أنا أمْ أنْتُمْ ؟ احْتِرازًا مِن تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ فَعَدَلَ عَنْهُ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَأيُّ الفَرِيقَيْنِ﴾ يَعْنِي فَرِيقَيِ المُشْرِكِينَ والمُوَحِّدِينَ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الجَوابَ عَنِ السُّؤالِ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ﴾ وهَذا مِن تَمامِ كَلامِ إبْراهِيمَ في المُحاجَّةِ، والمَعْنى: أنَّ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ الأمْنُ المُطْلَقُ هُمُ الَّذِينَ يَكُونُونَ مُسْتَجْمِعِينَ لِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ:
أوَّلُهُما: الإيمانُ وهو كَمالُ القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ.
وثانِيهِما: ﴿ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ﴾ وهو كَمالُ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وهم مُهْتَدُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وجْهٍ، والمُعْتَزِلَةَ يَتَمَسَّكُونَ بِها مِن وجْهٍ آخَرَ.
أمّا وجْهُ تَمَسُّكِ أصْحابِنا فَهو أنْ نَقُولَ: إنَّهُ تَعالى شَرَطَ في الإيمانِ المُوجِبِ لِلْأمْنِ عَدَمَ الظُّلْمِ، ولَوْ كانَ تَرْكُ الظُّلْمِ أحَدَ أجْزاءِ مُسَمّى الإيمانِ لَكانَ هَذا التَّقْيِيدُ عَبَثًا، فَثَبَتَ أنَّ الفاسِقَ مُؤْمِنٌ وبَطَلَ بِهِ قَوْلُ المُعْتَزِلَةِ، وأمّا وجْهُ تَمَسُّكِ المُعْتَزِلَةِ بِها فَهو أنَّهُ تَعالى شَرَطَ في حُصُولِ الأمْنِ حُصُولَ الأمْرَيْنِ، الإيمانِ وعَدَمِ الظُّلْمِ، فَوَجَبَ أنْ لا يَحْصُلَ الأمْنُ لِلْفاسِقِ وذَلِكَ يُوجِبُ حُصُولَ الوَعِيدِ لَهُ.
وأجابَ أصْحابُنا عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهم بِظُلْمٍ﴾ المُرادُ مِنَ الظُّلْمِ الشِّرْكُ، لِقَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ لُقْمانَ إذْ قالَ لِابْنِهِ: ﴿يابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] فالمُرادُ هَهُنا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ولَمْ يُثْبِتُوا لِلَّهِ شَرِيكًا في المَعْبُودِيَّةِ.
والدَّلِيلُ عَلى أنَّ هَذا هو المُرادُ أنَّ هَذِهِ القِصَّةَ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها إنَّما ورَدَتْ في نَفْيِ الشُّرَكاءِ والأضْدادِ والأنْدادِ، ولَيْسَ فِيها ذِكْرُ الطّاعاتِ والعِباداتِ، فَوَجَبَ حَمْلُ الظُّلْمِ هَهُنا عَلى ذَلِكَ.
الوَجْهُ الثّانِي في الجَوابِ: أنَّ وعِيدَ الفاسِقِ مِن أهْلِ الصَّلاةِ يُحْتَمَلُ أنْ يُعَذِّبَهُ اللَّهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وعَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ: فالأمْنُ زائِلٌ والخَوْفُ حاصِلٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِن عَدَمِ الأمْنِ القِطَعُ بِحُصُولِ العَذابِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":81,"ayahs":["وَكَیۡفَ أَخَافُ مَاۤ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰاۚ فَأَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ","ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یَلۡبِسُوۤا۟ إِیمَـٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ"],"ayah":"وَكَیۡفَ أَخَافُ مَاۤ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰاۚ فَأَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق