الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ إنِّي نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أتَّبِعُ أهْواءَكم قَدْ ضَلَلْتُ إذًا وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وهو خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ .
(p-٧)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يُفَصِّلُ الآياتِ لِيَظْهَرَ الحَقُّ ولِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ، ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى نَهى عَنْ سُلُوكِ سَبِيلِهِمْ. فَقالَ: ﴿قُلْ إنِّي نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ وبَيَّنَ أنَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَها إنَّما يَعْبُدُونَها بِناءً عَلى مَحْضِ الهَوى والتَّقْلِيدِ، لا عَلى سَبِيلِ الحُجَّةِ والدَّلِيلِ؛ لِأنَّها جَماداتٌ وأجْحارٌ وهي أخَسُّ مَرْتَبَةً مِنَ الإنْسانِ بِكَثِيرٍ، وكَوْنُ الأشْرَفِ مُشْتَغِلًا بِعِبادَةِ الأخَسِّ أمْرٌ يَدْفَعُهُ صَرِيحُ العَقْلِ. وأيْضًا إنَّ القَوْمَ كانُوا يَنْحِتُونَ تِلْكَ الأصْنامَ ويُرَكِّبُونَها، ومِنَ المَعْلُومِ بِالبَدِيهَةِ أنَّهُ يَقْبُحُ مِن هَذا العامِلِ الصّانِعِ أنَّهُ يَعْبُدُ مَعْمُولَهُ ومَصْنُوعَهُ. فَثَبَتَ أنَّ عِبادَتَها مَبْنِيَّةٌ عَلى الهَوى، ومُضادَّةٌ لِلْهُدى، وهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لا أتَّبِعُ أهْواءَكُمْ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إذًا وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ أيْ إنِ اتَّبَعْتُ أهْواءَكم فَأنا ضالٌّ وما أنا مِنَ المُهْتَدِينَ في شَيْءٍ. والمَقْصُودُ كَأنَّهُ يَقُولُ لَهم أنْتُمْ كَذَلِكَ. ولَمّا نَفى أنْ يَكُونَ الهَوى مُتَّبَعًا، نَبَّهَ عَلى ما يَجِبُ اتِّباعُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ أيْ في أنَّهُ لا مَعْبُودَ سِواهُ، وكَذَّبْتُمْ أنْتُمْ حَيْثُ أشْرَكْتُمْ بِهِ غَيْرَهُ.
واعْلَمْ أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، كانَ يُخَوِّفُهم بِنُزُولِ العَذابِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ هَذا الشِّرْكِ. والقَوْمُ لِإصْرارِهِمْ عَلى الكُفْرِ كانُوا يَسْتَعْجِلُونَ نُزُولَ ذَلِكَ العَذابِ. فَقالَ تَعالى قُلْ يا مُحَمَّدُ: ﴿ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ يَعْنِي قَوْلَهم: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] والمُرادُ أنَّ ذَلِكَ العَذابَ يُنْزِلُهُ اللَّهُ في الوَقْتِ الَّذِي أرادَ إنْزالَهُ فِيهِ، ولا قُدْرَةَ لِي عَلى تَقْدِيمِهِ أوْ تَأْخِيرِهِ. ثُمَّ قالَ: ﴿إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ﴾ وهَذا مُطْلَقٌ يَتَناوَلُ الكُلُّ. والمُرادُ هَهُنا إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ فَقَطْ في تَأْخِيرِ عَذابِهِمْ ”يَقْضِي الحَقَّ“ أيِ القَضاءَ الحَقَّ في كُلِّ ما يَقْضِي مِنَ التَّأْخِيرِ والتَّعْجِيلِ ﴿وهُوَ خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ أيِ القاضِينَ، وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّ أصْحابُنا بِقَوْلِهِ: ﴿إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ﴾ عَلى أنَّهُ لا يَقْدِرُ العَبْدُ عَلى أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ إلّا إذا قَضى اللَّهُ بِهِ، فَيَمْتَنِعُ مِنهُ فِعْلُ الكُفْرِ إلّا إذا قَضى اللَّهُ بِهِ وحَكَمَ بِهِ. وكَذَلِكَ في جَمِيعِ الأفْعالِ. والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ﴾ وهَذا يُفِيدُ الحَصْرَ، بِمَعْنى أنَّهُ لا حُكْمَ إلّا لِلَّهِ. واحْتَجَّ المُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ: ”يَقْضِي الحَقَّ“ ومَعْناهُ أنَّ كُلَّ ما قَضى بِهِ فَهو الحَقُّ. وهَذا يَقْتَضِي أنْ لا يُرِيدَ الكُفْرَ مِنَ الكافِرِ. ولا المَعْصِيَةَ مِنَ العاصِي لِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ الحَقَّ. واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وعاصِمٌ (يَقُصُّ الحَقَّ) بِالصّادِ مِنَ القَصَصِ، يَعْنِي أنَّ كُلَّ ما أنْبَأ بِهِ وأمَرَ بِهِ فَهو مِن أقاصِيصِ الحَقِّ، كَقَوْلِهِ: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أحْسَنَ القَصَصِ﴾ [يوسف: ٣] وقَرَأ الباقُونَ ”يَقْضِ الحَقَّ“ والمَكْتُوبُ في المَصاحِفِ ”يَقْضِ“ بِغَيْرِ ياءٍ؛ لِأنَّها سَقَطَتْ في اللَّفْظِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ كَما كَتَبُوا ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ﴾، ﴿فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ وقَوْلُهُ: (يَقْضِ الحَقَّ) قالَ الزَّجّاجُ: فِيهِ وجْهانِ: جائِزٌ أنْ يَكُونَ ”الحَقُّ“ صِفَةَ المَصْدَرِ والتَّقْدِيرُ: يَقْضِ القَضاءَ الحَقَّ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”يَقْضِ الحَقَّ“ يَصْنَعُ الحَقَّ؛ لِأنَّ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ اللَّهُ فَهو حَقٌّ. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ ”الحَقَّ“ يَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ وقَضى بِمَعْنى صَنَعَ. قالَ الهُذَلِيُّ:
؎وعَلَيْهِما مَسْرُودَتانِ قَضاهُما داوُدُ أوْ صَنَعَ السَّوابِغَ تُبَّعُ
أيْ صَنَعَهُما داوُدُ. واحْتَجَّ أبُو عَمْرٍو عَلى هَذِهِ القِراءَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ قالَ: والفَصْلُ يَكُونُ في القَضاءِ، لا في القَصَصِ.
(p-٨)أجابَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ فَقالَ: القَصَصُ هَهُنا بِمَعْنى القَوْلِ. وقَدْ جاءَ الفَصْلُ في القَوْلِ قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطّارِقِ: ١٣] وقالَ: ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] وقالَ: ﴿نُفَصِّلُ الآياتِ﴾ [الأنعام: ٥٥] .
{"ayahs_start":56,"ayahs":["قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذࣰا وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ","قُلۡ إِنِّی عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَكَذَّبۡتُم بِهِۦۚ مَا عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦۤۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ یَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡفَـٰصِلِینَ","قُل لَّوۡ أَنَّ عِندِی مَا تَسۡتَعۡجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنِی وَبَیۡنَكُمۡۗ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ قُل لَّاۤ أَتَّبِعُ أَهۡوَاۤءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذࣰا وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق