الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ فَأخَذْناهم بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهم يَتَضَرَّعُونَ﴾ ﴿فَلَوْلا إذْ جاءَهم بَأْسُنا تَضَرَّعُوا ولَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهم وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى أنَّ الكُفّارَ عِنْدَ نُزُولِ الشَّدائِدِ يَرْجِعُونَ إلى اللَّهِ تَعالى، ثُمَّ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهم لا يَرْجِعُونَ إلى اللَّهِ عِنْدَ كُلِّ ما كانَ مِن جِنْسِ الشَّدائِدِ، بَلْ قَدْ يَبْقُونَ مُصِرِّينَ عَلى الكُفْرِ مُنْجَمِدِينَ عَلَيْهِ غَيْرَ راجِعِينَ إلى اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى مَذْهَبِنا مِن أنَّ اللَّهَ تَعالى إذا لَمْ يَهْدِهِ لَمْ يَهْتَدِ، سَواءٌ شاهَدَ الآياتِ الهائِلَةَ، أوْ لَمْ يُشاهِدْها، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في الآيَةِ مَحْذُوفٌ والتَّقْدِيرُ: ولَقَدْ أرْسَلْنا إلى أُمَمٍ مِن قَبْلِكَ رُسُلًا فَخالَفُوهم فَأخَذْناهم بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ، وحَسُنَ الحَذْفُ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا مِنَ الكَلامِ المَذْكُورِ. وقالَ الحَسَنُ ”البَأْساءُ“ شِدَّةُ الفَقْرِ مِنَ البُؤْسِ ”والضَّرّاءُ“ الأمْراضُ والأوْجاعُ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿لَعَلَّهم يَتَضَرَّعُونَ﴾ والمَعْنى: إنَّما أرْسَلْنا الرُّسُلَ إلَيْهِمْ وإنَّما سَلَّطْنا البَأْساءَ والضَّرّاءَ عَلَيْهِمْ لِأجْلِ أنْ يَتَضَرَّعُوا. ومَعْنى التَّضَرُّعِ التَّخَشُّعُ وهو عِبارَةٌ عَنِ الِانْقِيادِ وتَرَكِ التَّمَرُّدِ، وأصْلُهُ مِنَ الضَّراعَةِ وهي الذِّلَّةُ، يُقالُ ضَرَعَ الرَّجُلُ يَضْرَعُ ضَراعَةً فَهو ضارِعٌ أيْ ذَلِيلٌ ضَعِيفٌ، والمَعْنى أنَّهُ تَعالى أعْلَمَ نَبِيَّهُ أنَّهُ قَدْ أرْسَلَ قَبْلَهُ إلى أقْوامٍ بَلَغُوا في القَسْوَةِ إلى أنْ أُخِذُوا بِالشِّدَّةِ في أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ فَلَمْ يَخْضَعُوا ولَمْ يَتَضَرَّعُوا، والمَقْصُودُ مِنهُ التَّسْلِيَةُ لِلنَّبِيِّ ﷺ .
فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهم تَضَرَّعُوا ؟ وهَهُنا يَقُولُ: قَسَتْ قُلُوبُهم ولَمْ يَتَضَرَّعُوا.
قُلْنا: أُولَئِكَ أقْوامٌ، وهَؤُلاءِ أقْوامٌ آخَرُونَ. أوْ نَقُولُ أُولَئِكَ تَضَرَّعُوا لِطَلَبِ إزالَةِ البَلِيَّةِ ولَمْ يَتَضَرَّعُوا عَلى سَبِيلِ الإخْلاصِ لِلَّهِ تَعالى فَلِهَذا الفَرْقِ حَسُنَ النَّفْيُ والإثْباتُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَلَوْلا إذْ جاءَهم بَأْسُنا تَضَرَّعُوا﴾ مَعْناهُ نَفْيُ التَّضَرُّعِ. والتَّقْدِيرُ فَلَمْ يَتَضَرَّعُوا إذْ جاءَهم بَأْسُنا. وذِكْرُ كَلِمَةِ ”لَوْلا“ يُفِيدُ أنَّهُ ما كانَ لَهم عُذْرٌ في تَرْكِ التَّضَرُّعِ إلّا عِنادُهم وقَسْوَتُهم وإعْجابُهم بِأعْمالِهِمُ الَّتِي زَيَّنَها الشَّيْطانُ لَهم واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ الجُبّائِيُّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهم يَتَضَرَّعُونَ﴾ فَقالَ: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى إنَّما أرْسَلَ الرُّسُلَ إلَيْهِمْ، وإنَّما سَلَّطَ البَأْساءَ والضَّرّاءَ عَلَيْهِمْ، لِإرادَةِ أنْ يَتَضَرَّعُوا ويُؤْمِنُوا، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ الإيمانَ والطّاعَةَ مِنَ الكُلِّ.
والجَوابُ: أنَّ كَلِمَةَ ”لَعَلَّ“ تُفِيدُ التَّرَجِّي والتَّمَنِّيَ؛ وذَلِكَ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ وأنْتُمْ حَمَلْتُمُوهُ عَلى (p-١٨٦)إرادَةِ هَذا المَطْلُوبِ، ونَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلى أنَّهُ تَعالى عامَلَهم مُعامَلَةً لَوْ صَدَرَتْ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى لَكانَ المَقْصُودُ مِنهُ هَذا المَعْنى، فَأمّا تَعْلِيلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ فَذَلِكَ مُحالٌ عَلى ما ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ. ثُمَّ نَقُولُ إنْ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى قَوْلِكم مِن هَذا الوَجْهِ فَإنَّها تَدُلُّ عَلى ضِدِّ قَوْلِكم مِن وجْهٍ آخَرَ، وذَلِكَ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهم لَمْ يَتَضَرَّعُوا لِقَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ ولِأجْلِ أنَّ الشَّيْطانَ زَيَّنَ لَهم أعْمالَهم.
فَنَقُولُ: تِلْكَ القَسْوَةُ إنْ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِمُ احْتاجُوا في إيجادِها إلى سَبَبٍ آخَرَ ولَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وإنْ حَصَلَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ فالقَوْلُ قَوْلُنا، وأيْضًا هَبْ أنَّ الكُفّارَ إنَّما أقْدَمُوا عَلى هَذا الفِعْلِ القَبِيحِ بِسَبَبِ تَزْيِينِ الشَّيْطانِ، إلّا أنْ نَقُولَ: ولِمَ بَقِيَ الشَّيْطانُ مُصِرًّا عَلى هَذا الفِعْلِ القَبِيحِ ؟ فَإنْ كانَ ذَلِكَ لِأجْلِ شَيْطانٍ آخَرَ تَسَلْسَلَ إلى غَيْرِ النِّهايَةِ، وإنْ بَطَلَتْ هَذِهِ المَقادِيرُ انْتَهَتْ بِالآخِرَةِ إلى أنَّ كُلَّ أحَدٍ إنَّما يُقْدِمُ تارَةً عَلى الخَيْرِ وأُخْرى عَلى الشَّرِّ، لِأجْلِ الدَّواعِي الَّتِي تَحْصُلُ في قَلْبِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أنَّ تِلْكَ الدَّواعِيَ لا تَحْصُلُ إلّا بِإيجادِ اللَّهِ تَعالى فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ قَوْلُنا ويَفْسُدُ بِالكُلِّيَّةِ قَوْلُهم، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ","فَلَوۡلَاۤ إِذۡ جَاۤءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُوا۟ وَلَـٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمَمࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ لَعَلَّهُمۡ یَتَضَرَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق