الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ والمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ السَّبَبَ في كَوْنِهِمْ بِحَيْثُ لا يَقْبَلُونَ الإيمانَ ولا يَتْرُكُونَ الكُفْرَ فَقالَ: ﴿إنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ يَعْنِي أنَّ الَّذِينَ تَحْرِصُ عَلى أنْ يُصَدِّقُوكَ بِمَنزِلَةِ المَوْتى الَّذِينَ لا يَسْمَعُونَ، وإنَّما يَسْتَجِيبُ مَن يَسْمَعُ، كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [النمل: ٨٠] قالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: الفَرْقُ بَيْنَ يَسْتَجِيبُ ويُجِيبُ، أنَّ ”يَسْتَجِيبُ“ في قَبُولِهِ لِما دُعِيَ إلَيْهِ، ولَيْسَ كَذَلِكَ يُجِيبُ لِأنَّهُ قَدْ يُجِيبُ بِالمُخالَفَةِ كَقَوْلِ القائِلِ: أتُوافِقُ في هَذا المَذْهَبِ أمْ تُخالِفُ ؟ فَيَقُولُ المُجِيبُ: أُخالِفُ. * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿والمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ مَثَلٌ لِقُدْرَتِهِ عَلى إلْجائِهِمْ إلى الِاسْتِجابَةِ والمُرادُ: أنَّهُ تَعالى هو القادِرُ عَلى أنْ يَبْعَثَ المَوْتى مِنَ القُبُورِ يَوْمَ القِيامَةِ ثُمَّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ لِلْجَزاءِ، فَكَذَلِكَ هَهُنا أنَّهُ تَعالى هو القادِرُ عَلى إحْياءِ قُلُوبِ هَؤُلاءِ الكُفّارِ بِحَياةِ الإيمانِ وأنْتَ لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المَعْنى: وهَؤُلاءِ المَوْتى يَعْنِي الكَفَرَةَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ، فَحِينَئِذٍ يَسْمَعُونَ، وأمّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلا سَبِيلَ إلى اسْتِماعِهِمْ، وقُرِئَ ”يَرْجِعُونَ“ بِفَتْحِ الياءِ. وأقُولُ: لا شَكَّ أنَّ الجَسَدَ الخالِيَ عَنِ الرُّوحِ يَظْهَرُ مِنهُ النَّتَنُ والصَّدِيدُ والقَيْحُ وأنْواعُ العُفُوناتِ، وأصْلَحُ أحْوالِهِ أنْ يُدْفَنَ تَحْتَ التُّرابِ، وأيْضًا الرُّوحُ الخالِيَةُ عَنِ العَقْلِ يَكُونُ صاحِبُها مَجْنُونًا يَسْتَوْجِبُ القَيْدَ والحَبْسَ، والعَقْلُ بِالنِّسْبَةِ إلى الرُّوحِ كالرُّوحِ بِالنِّسْبَةِ إلى الجَسَدِ، وأيْضًا العَقْلُ بِدُونِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ وطاعَتِهِ كالضّائِعِ الباطِلِ، فَنِسْبَةُ التَّوْحِيدِ والمَعْرِفَةِ إلى العَقْلِ كَنِسْبَةِ العَقْلِ إلى الرُّوحِ، ونِسْبَةِ الرَّوْحِ إلى الجَسَدِ فَمَعْرِفَةُ اللَّهِ ومَحَبَّتُهُ رُوحُ رُوحِ الرُّوحِ فالنَّفْسُ الخالِيَةُ عَنْ هَذِهِ المَعْرِفَةِ تَكُونُ بِصِفَةِ الأمْواتِ، فَلِهَذا السَّبَبِ وصَفَ اللَّهُ أُولَئِكَ الكُفّارَ المُصِرِّينَ بِأنَّهُمُ المَوْتى. واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب