الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَعِبٌ ولَهْوٌ ولَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ المُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ والقِيامَةِ تَعْظُمُ رَغْبَتُهم في الدُّنْيا وتَحْصِيلِ لَذّاتِها، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ تَنْبِيهًا عَلى خَساسَتِها ورَكاكَتِها.
واعْلَمْ أنَّ نَفْسَ هَذِهِ الحَياةِ لا يُمْكِنُ ذَمُّها؛ لِأنَّ هَذِهِ الحَياةَ العاجِلَةَ لا يَصِحُّ اكْتِسابُ السَّعاداتِ الأُخْرَوِيَّةِ إلّا فِيها، فَلِهَذا السَّبَبِ حَصَلَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ حَياةُ الكافِرِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ حَياةَ أهْلِ الشِّرْكِ والنِّفاقِ، والسَّبَبُ في وصْفِ حَياةِ هَؤُلاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أنَّ حَياةَ المُؤْمِنِ يَحْصُلُ فِيها أعْمالٌ صالِحَةٌ فَلا تَكُونُ لَعِبًا ولَهْوًا.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ هَذا عامٌّ في حَياةِ المُؤْمِنِ والكافِرِ، والمُرادُ مِنهُ اللَّذّاتُ الحاصِلَةُ في هَذِهِ الحَياةِ والطَّيِّباتُ المَطْلُوبَةُ في هَذِهِ الحَياةِ، وإنَّما سَمّاها بِاللَّعِبِ واللَّهْوِ، لِأنَّ الإنْسانَ حالَ اشْتِغالِهِ بِاللَّعِبِ واللَّهْوِ يَلْتَذُّ بِهِ، ثُمَّ عِنْدَ انْقِراضِهِ وانْقِضائِهِ لا يَبْقى مِنهُ إلّا النَّدامَةُ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الحَياةُ لا يَبْقى عِنْدَ انْقِراضِها إلّا الحَسْرَةُ والنَّدامَةُ.
واعْلَمْ أنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الحَياةِ بِاللَّعِبِ واللَّهْوِ فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ مُدَّةَ اللَّهْوِ واللَّعِبِ قَلِيلَةٌ سَرِيعَةُ الِانْقِضاءِ والزَّوالِ، ومُدَّةَ هَذِهِ الحَياةِ كَذَلِكَ.
الثّانِي: أنَّ اللَّعِبَ واللَّهْوَ لا بُدَّ وأنْ يَنْساقا في أكْثَرِ الأمْرِ إلى شَيْءٍ مِنَ المَكارِهِ، ولَذّاتُ الدُّنْيا كَذَلِكَ.
الثّالِثُ: أنَّ اللَّعِبَ واللَّهْوَ، إنَّما يَحْصُلُ عِنْدَ الِاغْتِرارِ بِظَواهِرِ الأُمُورِ، وأمّا عِنْدَ التَّأمُّلِ التّامِّ والكَشْفِ عَنْ حَقائِقِ الأُمُورِ، لا يَبْقى اللَّعِبُ واللَّهْوُ أصْلًا، وكَذَلِكَ اللَّهْوُ واللَّعِبُ، فَإنَّهُما لا يَصْلُحانِ إلّا لِلصِّبْيانِ والجُهّالِ المُغَفَّلِينَ، أمّا العُقَلاءُ والحُصَفاءُ، فَقَلَّما يَحْصُلُ لَهم خَوْضٌ في اللَّعِبِ واللَّهْوِ، فَكَذَلِكَ الِالتِذاذُ بِطَيِّباتِ الدُّنْيا والِانْتِفاعِ بِخَيْراتِها لا يَحْصُلُ إلّا لِلْمُغَفَّلِينَ الجاهِلِينَ بِحَقائِقِ الأُمُورِ، وأمّا الحُكَماءُ المُحَقِّقُونَ، فَإنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّ كُلَّ هَذِهِ الخَيْراتِ غُرُورٌ، ولَيْسَ لَها في نَفْسِ الأمْرِ حَقِيقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ.
الرّابِعُ: أنَّ اللَّعِبَ واللَّهْوَ لَيْسَ لَهُما عاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ، فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الوُجُوهِ أنَّ اللَّذّاتِ والأحْوالَ الدُّنْيَوِيَّةَ لَعِبٌ ولَهْوٌ ولَيْسَ لَهُما حَقِيقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ. ولَمّا بَيَّنَ تَعالى ذَلِكَ قالَ بَعْدَهُ: ﴿ولَلدّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ وصَفَ الآخِرَةَ بِكَوْنِها خَيْرًا، ويَدُلُّ عَلى أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ حُصُولُ التَّفاوُتِ بَيْنَ أحْوالِ الدُّنْيا وأحْوالِ الآخِرَةِ في أُمُورٍ:
أحَدُها: أنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا خَسِيسَةٌ وخَيْراتِ الآخِرَةِ شَرِيفَةٌ.
بَيانُ أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا لَيْسَتْ إلّا قَضاءَ الشَّهْوَتَيْنِ، وهو في نِهايَةِ الخَساسَةِ، بِدَلِيلِ أنَّ الحَيَواناتِ الخَسِيسَةَ تُشارِكُ الإنْسانَ فِيهِ، بَلْ رُبَّما كانَ أمْرُ تِلْكَ الحَيَواناتِ فِيها أكْمَلَ مِن أمْرِ الإنْسانِ، فَإنَّ الجَمَلَ أكْثَرُ أكْلًا، والدِّيكَ والعُصْفُورَ أكْثَرُ وِقاعًا، والذِّئْبَ أقْوى عَلى الفَسادِ والتَّمْزِيقِ، والعَقْرَبَ أقْوى عَلى الإيلامِ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى خَساسَتِها أنَّها لَوْ كانَتْ شَرِيفَةً لَكانَ الإكْثارُ مِنها يُوجِبُ زِيادَةَ الشَّرَفِ، فَكانَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ الإنْسانُ (p-١٦٦)الَّذِي وقَّفَ كُلَّ عُمْرِهِ عَلى الأكْلِ والوِقاعِ أشْرَفَ النّاسِ، وأعْلاهم دَرَجَةً، ومَعْلُومٌ بِالبَدِيهَةِ أنَّهُ لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ بَلْ مِثْلُ هَذا الإنْسانِ يَكُونُ مَمْقُوتًا مُسْتَقْذَرًا مُسْتَحْقَرًا يُوصَفُ بِأنَّهُ بَهِيمَةٌ أوْ كَلْبٌ أوْ أخَسُّ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّ النّاسَ لا يَفْتَخِرُونَ بِهَذِهِ الأحْوالِ بَلْ يُخْفُونَها، ولِذَلِكَ كانَ العُقَلاءُ عِنْدَ الِاشْتِغالِ بِالوِقاعِ يَخْتَفُونَ ولا يُقْدِمُونَ عَلى هَذِهِ الأفْعالِ بِمَحْضَرٍ مِنَ النّاسِ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ الأفْعالَ لا تُوجِبُ الشَّرَفَ بَلِ النَّقْصَ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا أنَّ النّاسَ إذا شَتَمَ بَعْضُهم بَعْضًا لا يَذْكُرُونَ فِيهِ إلّا الألْفاظَ الدّالَّةَ عَلى الوِقاعِ، ولَوْلا أنَّ تِلْكَ اللَّذَّةَ مِن جِنْسِ النُّقْصاناتِ، وإلّا لَما كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، ومِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ هَذِهِ اللَّذّاتِ تَرْجِعُ حَقِيقَتُها إلى دَفْعِ الآلامِ، ولِذَلِكَ فَإنَّ كُلَّ مَن كانَ أشَدَّ جُوعًا وأقْوى حاجَةً كانَ التِذاذُهُ بِهَذِهِ الأشْياءِ أكْمَلَ لَهُ وأقْوى، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ ظَهَرَ أنَّهُ لا حَقِيقَةَ لِهَذِهِ اللَّذّاتِ في نَفْسِ الأمْرِ. ومِمّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا أنَّ هَذِهِ اللَّذّاتِ سَرِيعَةُ الِاسْتِحالَةِ سَرِيعَةُ الزَّوالِ سَرِيعَةُ الِانْقِضاءِ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الوُجُوهِ الكَثِيرَةِ خَساسَةُ هَذِهِ اللَّذّاتِ. وأمّا السَّعاداتُ الرُّوحانِيَّةُ فَإنَّها سَعاداتٌ شَرِيفَةٌ عالِيَةٌ باقِيَةٌ مُقَدَّسَةٌ، ولِذَلِكَ فَإنَّ جَمِيعَ الخَلْقِ إذا تَخَيَّلُوا في الإنْسانِ كَثْرَةَ العِلْمِ وشِدَّةَ الِانْقِباضِ عَنِ اللَّذّاتِ الجُسْمانِيَّةِ، فَإنَّهم بِالطَّبْعِ يُعَظِّمُونَهُ ويَخْدِمُونَهُ ويَعُدُّونَ أنْفُسَهم عَبِيدًا لِذَلِكَ الإنْسانِ وأشْقِياءَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى شَهادَةِ الفِطْرَةِ الأصْلِيَّةِ بِخَساسَةِ اللَّذّاتِ الجُسْمانِيَّةِ، وكَمالِ مَرْتَبَةِ اللَّذّاتِ الرُّوحانِيَّةِ.
الوَجْهُ الثّانِي: في بَيانِ أنَّ خَيْراتِ الآخِرَةِ أفْضَلُ مِن خَيْراتِ الدُّنْيا، وهو أنْ نَقُولَ: هَبْ أنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ تَشارَكا في الفَضْلِ والمَنقَبَةِ، إلّا أنَّ الوُصُولَ إلى الخَيْراتِ المَوْعُودَةِ في غَدِ القِيامَةِ مَعْلُومٌ قَطْعًا. وأمّا الوُصُولُ إلى الخَيْراتِ المَوْعُودَةِ في غَدِ الدُّنْيا فَغَيْرُ مَعْلُومٍ بَلْ ولا مَظْنُونٍ، فَكَمْ مِن سُلْطانٍ قاهِرٍ في بُكْرَةِ اليَوْمَ صارَ تَحْتَ التُّرابِ في آخِرِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وكَمْ مِن أمِيرٍ كَبِيرٍ أصْبَحَ في المُلْكِ والإمارَةِ، ثُمَّ أمْسى أسِيرًا حَقِيرًا، وهَذا التَّفاوُتُ أيْضًا يُوجِبُ المُبايَنَةَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: هَبْ أنَّهُ وجَدَ الإنْسانُ بَعْدَ هَذا اليَوْمِ يَوْمًا آخَرَ في الدُّنْيا، إلّا أنَّهُ لا يَدْرِي هَلْ يُمْكِنُهُ الِانْتِفاعُ بِما جَمَعَهُ مِنَ الأمْوالِ والطَّيِّباتِ واللَّذّاتِ أمْ لا ؟ أمّا كُلُّ ما جَمَعَهُ مِن مُوجِباتِ السَّعاداتِ، فَإنَّهُ يَعْلَمُ قَطْعًا أنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ في الدّارِ الآخِرَةِ.
الوَجْهُ الرّابِعُ: هَبْ أنَّهُ يَنْتَفِعُ بِها إلّا أنَّ انْتِفاعَهُ بِخَيْراتِ الدُّنْيا لا يَكُونُ خالِيًا عَنْ شَوائِبِ المَكْرُوهاتِ، ومُمازَجَةِ المُحَرَّماتِ المُخَوَّفاتِ. ولِذَلِكَ قِيلَ: «مَن طَلَبَ ما لَمْ يُخْلَقْ أتْعَبَ نَفْسَهُ ولَمْ يُرْزَقْ. فَقِيلَ: وما هو يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: ”سُرُورُ يَوْمٍ بِتَمامِهِ» “ .
الوَجْهُ الخامِسُ: هَبْ أنَّهُ يَنْتَفِعُ بِتِلْكَ الأمْوالِ والطَّيِّباتِ في الغَدِ، إلّا أنَّ تِلْكَ المَنافِعَ مُنْقَرِضَةٌ ذاهِبَةٌ باطِلَةٌ، وكُلَّما كانَتْ تِلْكَ المَنافِعُ أقْوى وألَذَّ وأكْمَلَ وأفْضَلَ كانَتِ الأحْزانُ الحاصِلَةُ عِنْدَ انْقِراضِها وانْقِضائِها أقْوى وأكْمَلَ كَما قالَ الشّاعِرُ المُتَنَبِّي:
؎أشَدُّ الغَمِّ عِنْدِي في سُرُورٍ تَيَقَّنَ عَنْهُ صاحِبُهُ انْتِقالا
(p-١٦٧)فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ سَعاداتِ الدُّنْيا وخَيْراتِها مَوْصُوفَةٌ بِهَذِهِ العُيُوبِ العَظِيمَةِ، والنُّقْصاناتِ الكامِلَةِ، وسَعاداتِ الآخِرَةِ مُبَرَّأةٌ عَنْها، فَوَجَبَ القَطْعُ بِأنَّ الآخِرَةَ أكْمَلُ وأفْضَلُ وأبْقى وأتْقى وأحْرى وأوْلى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ ابْنُ عامِرٍ: (ولَدارُ الآخِرَةِ) بِإضافَةِ الدّارِ إلى الآخِرَةِ، والباقُونَ: ﴿ولَلدّارُ الآخِرَةُ﴾ عَلى جَعْلِ الآخِرَةِ نَعْتًا لِلدّارِ. أمّا وجْهُ قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ فَهو أنَّ الصِّفَةَ في الحَقِيقَةِ مُغايِرَةٌ لِلْمَوْصُوفِ فَصَحَّتِ الإضافَةُ مِن هَذا الوَجْهِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهم بارِحَةُ الأُولى، ويَوْمُ الخَمِيسَ وحَقُّ اليَقِينِ، وعِنْدَ البَصْرِيِّينَ لا تَجُوزُ هَذِهِ الإضافَةُ، قالُوا: لِأنَّ الصِّفَةَ نَفْسُ المَوْصُوفِ، وإضافَةُ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ مُمْتَنِعَةٌ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا بِناءً عَلى أنَّ الصِّفَةَ نَفْسُ المَوْصُوفِ وهو مُشْكِلٌ؛ لِأنَّهُ يُعْقَلُ تَصَوُّرُ المَوْصُوفِ مُنْفَكًّا عَنِ الصِّفَةِ، ولَوْ كانَ المَوْصُوفُ عَيْنَ الصِّفَةِ لَكانَ ذَلِكَ مُحالًا، ولِقَوْلِهِمْ وجْهٌ دَقِيقٌ يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ، إلّا أنَّهُ لا يَلِيقُ بِهَذا المَكانِ، ثُمَّ إنَّ البَصْرِيِّينَ ذَكَرُوا في تَصْحِيحِ قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ وجْهًا آخَرَ، فَقالُوا: لَمْ يَجْعَلِ الآخِرَةَ صِفَةً لِلدّارِ، لَكِنَّهُ جَعَلَها صِفَةً لِلسّاعَةِ، فَكَأنَّهُ قالَ: ولَدارُ السّاعَةِ الآخِرَةِ.
فَإنْ قِيلَ: فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ تَكُونُ قَدْ أُقِيمَتِ الآخِرَةُ الَّتِي هي الصِّفَةُ مَقامَ المَوْصُوفِ الَّذِي هو السّاعَةُ وذَلِكَ قَبِيحٌ. قُلْنا لا يَقْبُحُ ذَلِكَ إذا كانَتِ الصِّفَةُ قَدِ اسْتُعْمِلَتِ اسْتِعْمالَ الأسْماءِ ولَفْظُ الآخِرَةِ قَدِ اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمالَ الأسْماءِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ: قَوْلُهُ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾ [الضحى: ٤] وأمّا قِراءَةُ العامَّةِ فَهي ظاهِرَةٌ؛ لِأنَّها تَقْتَضِي جَعْلَ الآخِرَةِ صِفَةً لِلدّارِ وذَلِكَ هو الحَقِيقَةُ ومَتى أمْكَنَ إجْراءُ الكَلامِ عَلى حَقِيقَتِهِ فَلا حاجَةَ إلى العُدُولِ عَنْهُ واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالدّارِ الآخِرَةِ عَلى وُجُوهٍ:
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي الجَنَّةُ، وإنَّها خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى الكُفْرَ والمَعاصِيَ.
وقالَ الحَسَنُ: المُرادُ نَفْسُ الآخِرَةِ خَيْرٌ.
وقالَ الأصَمُّ: التَّمَسُّكُ بِعَمَلِ الآخِرَةِ خَيْرٌ.
وقالَ آخَرُونَ: نَعِيمُ الآخِرَةِ مِن نَعِيمِ الدُّنْيا، مِن حَيْثُ إنَّها باقِيَةٌ دائِمَةٌ مَصُونَةٌ عَنِ الشَّوائِبِ آمِنَةٌ مِنَ الِانْقِضاءِ والِانْقِراضِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ فَبَيَّنَ أنَّ هَذِهِ الخَيْرِيَّةَ إنَّما تَحْصُلُ لِمَن كانَ مِنَ المُتَّقِينَ مِنَ المَعاصِي والكَبائِرِ. فَأمّا الكافِرُ والفاسِقُ فَلا ! لِأنَّ الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ خَيْرٌ مِنَ الآخِرَةِ عَلى ما قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: «الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجَنَّةُ الكافِرِ» .
ثُمَّ قالَ: (أفَلا تَعْقِلُونَ) قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: (أفَلا تَعْقِلُونَ) بِالتّاءِ هَهُنا وفي سُورَةِ الأعْرافِ ويُوسُفَ ويس. وقَرَأ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ في: ”يس“ بِالياءِ والباقِي بِالتّاءِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ يَحْيى في يُوسُفَ بِالتّاءِ والباقِي بِالياءِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وعاصِمٌ في رِوايَةِ الأعْشى والبُرْجُمِيِّ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالياءِ. قالَ الواحِدِيُّ: مَن قَرَأ بِالياءِ مَعْناهُ: أفَلا يَعْقِلُونَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ أنَّ الدّارَ الآخِرَةَ خَيْرٌ لَهم مِن هَذِهِ الدّارِ ؟ فَيَعْمَلُونَ لِما يَنالُونَ بِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ والنَّعِيمَ الدّائِمَ فَلا يَفْتُرُونَ في طَلَبِ ما يُوصِلُ إلى ذَلِكَ، ومَن قَرَأ بِالتّاءِ، فالمَعْنى: قُلْ لَهم أفَلا تَعْقِلُونَ أيُّها المُخاطَبُونَ أنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ ؟ واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَعِبࣱ وَلَهۡوࣱۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق