الباحث القرآني

فِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْهم في الآيَةِ الأُولى إنْكارَهم لِلْحَشْرِ والنَّشْرِ والبَعْثِ والقِيامَةِ، بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ كَيْفِيَّةَ حالِهِمْ في القِيامَةِ، فَقالَ: ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ﴾ واعْلَمْ أنَّ جَماعَةً مِنَ المُشَبِّهَةِ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ أهْلَ القِيامَةِ يَقِفُونَ عِنْدَ اللَّهِ وبِالقُرْبِ مِنهُ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ تَعالى بِحَيْثُ يَحْضُرُ في مَكانٍ تارَةً ويَغِيبُ عَنْهُ تارَةً أُخْرى. واعْلَمْ أنَّ هَذا خَطَأٌ وذَلِكَ لِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ، يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِمْ واقِفِينَ عَلى اللَّهِ تَعالى، كَما يَقِفُ أحَدُنا عَلى الأرْضِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ مُسْتَعْلِيًا عَلى ذاتِ اللَّهِ تَعالى وأنَّهُ بِالِاتِّفاقِ باطِلٌ، فَوَجَبَ المَصِيرُ إلى التَّأْوِيلِ وهو مِن وُجُوهٍ: التَّأْوِيلُ الأوَّلُ: هو أنْ يَكُونَ المُرادُ ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى﴾ ما وعَدَهم رَبُّهم مِن عَذابِ الكافِرِينَ وثَوابِ المُؤْمِنِينَ وعَلى ما أخْبَرَهم بِهِ مِن أمْرِ الآخِرَةِ. التَّأْوِيلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن هَذا الوُقُوفِ المَعْرِفَةُ، كَما يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ وقَفْتُ عَلى كَلامِكَ أيْ عَرَفْتُهُ. التَّأْوِيلُ الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهم وُقِفُوا لِأجْلِ السُّؤالِ فَخَرَجَ الكَلامُ مَخْرَجَ ما جَرَتْ بِهِ العادَةُ، (p-١٦٢)مِن وُقُوفِ العَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِ والمَقْصُودُ مِنهُ التَّعْبِيرُ عَنِ المَقْصُودِ بِالألْفاظِ الفَصِيحَةِ البَلِيغَةِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى حَكى عَنْهم في الآيَةِ الأُولى، أنَّهم يُنْكِرُونَ القِيامَةَ والبَعْثَ في الدُّنْيا، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهم في الآخِرَةِ يُقِرُّونَ بِهِ فَيَكُونُ المَعْنى أنَّ حالَهم في هَذا الإنْكارِ سَيَئُولُ إلى الإقْرارِ وذَلِكَ لِأنَّهم شاهَدُوا القِيامَةَ والثَّوابَ والعِقابَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ﴾ . فَإنْ قِيلَ: هَذا الكَلامُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى يَقُولُ لَهم ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ ؟ وهو كالمُناقِضِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٧٤] والجَوابُ أنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: ﴿ولا يُكَلِّمُهُمُ﴾ أيْ لا يُكَلِّمُهم بِالكَلامِ الطَّيِّبِ النّافِعِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَزُولُ التَّناقُضُ ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ إذا قالَ لَهم ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ ؟ قالُوا: بَلى ورَبِّنا. المَقْصُودُ أنَّهم يَعْتَرِفُونَ بِكَوْنِهِ حَقًّا مَعَ القَسَمِ واليَمِينِ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يَقُولُ لَهم: فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وخَصَّ لَفْظَ الذَّوْقِ؛ لِأنَّهم في كُلِّ حالٍ يَجِدُونَهُ وِجْدانَ الذّائِقِ في قُوَّةِ الإحْساسِ، وقَوْلُهُ: ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أيْ بِسَبَبِ كُفْرِكم. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ما ذَكَرَ هَذا الكَلامَ احْتِجاجًا عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِالحَشْرِ والنَّشْرِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في أوَّلِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن طِينٍ ثُمَّ قَضى أجَلًا﴾ [الأنعام: ٢] عَلى ما قَرَّرْناهُ وفَسَّرْناهُ، بَلِ المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ الرَّدْعُ والزَّجْرُ عَنْ هَذا المَذْهَبِ والقَوْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب