الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هو وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ هَذا دَلِيلٌ آخَرُ في بَيانِ أنَّهُ لا يَجُوزُ لِلْعاقِلِ أنْ يَتَّخِذَ غَيْرَ اللَّهِ ولِيًّا، وتَقْرِيرُهُ أنَّ الضُّرَّ: اسْمٌ لِلْألَمِ والحُزْنِ والخَوْفِ وما يُفْضِي إلَيْها أوْ إلى أحَدِها. والنَّفْعُ: اسْمٌ لِلَّذَّةِ والسُّرُورِ وما يُفْضِي إلَيْهِما أوْ إلى أحَدِهِما. والخَيْرُ: اسْمٌ لِلْقَدْرِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ دَفْعِ الضُّرِّ وبَيْنَ حُصُولِ النَّفْعِ، فَإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ الحَصْرُ في أنَّ الإنْسانَ إمّا أنْ يَكُونَ في الضُّرِّ أوْ في الخَيْرِ؛ لِأنَّ زَوالَ الضُّرِّ خَيْرٌ، سَواءٌ حَصَلَ فِيهِ اللَّذَّةُ أوْ لَمْ تَحْصُلْ. وإذا ثَبَتَ هَذا الحَصْرُ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّ المَضارَّ قَلِيلَها وكَثِيرَها لا يَنْدَفِعُ إلّا بِاللَّهِ، والخَيْراتُ لا يَحْصُلُ قَلِيلُها وكَثِيرُها إلّا بِاللَّهِ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ، أنَّ المَوْجُودَ إمّا واجِبٌ لِذاتِهِ وإمّا مُمْكِنٌ لِذاتِهِ، أمّا الواجِبُ لِذاتِهِ فَواحِدٌ فَيَكُونُ كُلُّ ما سِواهُ مُمْكِنًا لِذاتِهِ والمُمْكِنُ لِذاتِهِ لا يُوجَدُ إلّا بِإيجادِ الواجِبِ (p-١٤٣)لِذاتِهِ، وكُلُّ ما سِوى الحَقِّ فَهو إنَّما حَصَلَ بِإيجادِ الحَقِّ وتَكْوِينِهِ فَثَبَتَ أنَّ انْدِفاعَ جَمِيعِ المَضارِّ لا يَحْصُلُ إلّا بِهِ، وحُصُولَ جَمِيعِ الخَيِّراتِ والمَنافِعِ لا يَكُونُ إلّا بِهِ، فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ العَقْلِيِّ البَيِّنِ صِحَّةُ ما دَلَّتِ الآيَةُ عَلَيْهِ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ نَرى أنَّ الإنْسانَ يَدْفَعُ المَضارَّ عَنْ نَفْسِهِ بِمالِهِ وبِأعْوانِهِ وأنْصارِهِ، وقَدْ يَحْصُلُ الخَيْرُ لَهُ بِكَسْبِ نَفْسِهِ وبِإعانَةِ غَيْرِهِ، وذَلِكَ يَقْدَحُ في عُمُومِ الآيَةِ. وأيْضًا فَرَأْسُ المَضارِّ هو الكُفْرُ فَوَجَبَ أنْ يُقالَ إنَّهُ لَمْ يَنْدَفِعْ إلّا بِإعانَةِ اللَّهِ تَعالى. ورَأْسُ الخَيْراتِ هو الإيمانُ، فَوَجَبَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ إلّا بِإيجادِ اللَّهِ تَعالى، ولَوْ كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أنْ لا يَسْتَحِقَّ الإنْسانُ بِفِعْلِ الكُفْرِ عِقابًا ولا بِفِعْلِ الإيمانِ ثَوابًا. وأيْضًا فَإنّا نَرى أنَّ الإنْسانَ يَنْتَفِعُ بِأكْلِ الدَّواءِ ويَتَضَرَّرُ بِتَناوُلِ السُّمُومِ، وكُلُّ ذَلِكَ يَقْدَحُ في ظاهِرِ الآيَةِ.
والجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: أنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَصْدُرُ عَنِ الإنْسانِ فَإنَّما يَصْدُرُ عَنْهُ إذا دَعاهُ الدّاعِي إلَيْهِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ بِدُونِ الدّاعِي مُحالٌ، وحُصُولُ تِلْكَ الدّاعِيَةِ لَيْسَ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَيَكُونُ الكُلُّ مِنَ اللَّهِ تَعالى وهَكَذا القَوْلُ في كُلِّ ما ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ السُّؤالاتِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ إمْساسَ الضُّرِّ وإمْساسَ الخَيْرِ، إلّا أنَّهُ مَيَّزَ الأوَّلَ عَنِ الثّانِي بِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى قَدَّمَ ذِكْرَ إمْساسِ الضُّرِّ عَلى ذِكْرِ إمْساسِ الخَيْرِ، وذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ جَمِيعَ المَضارِّ لا بُدَّ وأنْ يَحْصُلَ عَقِيبَها الخَيْرُ والسَّلامَةُ.
والثّانِي: أنَّهُ قالَ في إمْساسِ الضُّرِّ ﴿فَلا كاشِفَ لَهُ إلّا هُوَ﴾ وذَكَرَ في إمْساسِ الخَيْرِ ﴿فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَذَكَرَ في الخَيْرِ كَوْنَهُ قادِرًا عَلى جَمِيعِ الأشْياءِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ إرادَةَ اللَّهِ تَعالى لِإيصالِ الخَيْراتِ غالِبَةٌ عَلى إرادَتِهِ لِإيصالِ المَضارِّ. وهَذِهِ الشُّبُهاتُ بِأسْرِها دالَّةٌ عَلى أنَّ إرادَةَ اللَّهِ تَعالى جانِبَ الرَّحْمَةِ غالِبٌ، كَما قالَ: ”«سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» “ .
{"ayah":"وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یَمۡسَسۡكَ بِخَیۡرࣲ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق