الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَكم خَلائِفَ الأرْضِ ورَفَعَ بَعْضَكم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكم في ما آتاكم إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ اعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَكم خَلائِفَ الأرْضِ﴾ وُجُوهًا: أحَدُها: جَعَلَهم خَلائِفَ الأرْضِ؛ لِأنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَخَلَفَتْ أُمَّتُهُ سائِرَ الأُمَمِ. وثانِيها: جَعَلَهم يَخْلُفُ بَعْضُهم بَعْضًا. وثالِثُها: أنَّهم خُلَفاءُ اللَّهِ في أرْضِهِ يَمْلِكُونَها ويَتَصَرَّفُونَ فِيها. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿ورَفَعَ بَعْضَكم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ﴾ في الشَّرَفِ، والعَقْلِ، والمالِ، والجاهِ، والرِّزْقِ، وإظْهارُ هَذا التَّفاوُتِ لَيْسَ لِأجْلِ العَجْزِ والجَهْلِ والبُخْلِ، فَإنَّهُ تَعالى مُتَعالٍ عَنْ هَذِهِ الصِّفاتِ، وإنَّما هو لِأجْلِ الِابْتِلاءِ والِامْتِحانِ وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لِيَبْلُوَكم في ما آتاكُمْ﴾ وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ حَقِيقَةَ الِابْتِلاءِ والِامْتِحانِ عَلى اللَّهِ مُحالٌ، إلّا أنَّ المُرادَ هو التَّكْلِيفُ وهو عَمَلٌ لَوْ صَدَرَ مِنَ الواحِدِ مِنّا لَكانَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالِابْتِلاءِ والِامْتِحانِ، فَسُمِّيَ بِهَذا الِاسْمِ لِأجْلِ هَذِهِ المُشابَهَةِ، ثُمَّ إنَّ هَذا المُكَلَّفَ إمّا أنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِيما كُلِّفَ بِهِ، وإمّا أنْ يَكُونَ مُوَفِّرًا فِيهِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ كانَ نَصِيبُهُ مِنَ التَّخْوِيفِ والتَّرْهِيبِ، هو قَوْلَهُ: ﴿إنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ﴾ ووَصَفَ العِقابَ بِالسُّرْعَةِ؛ لِأنَّ ما هو آتٍ قَرِيبٌ، وإنْ كانَ الثّانِيَ، وهو أنْ يَكُونَ مُوَفِّرًا في تِلْكَ الطّاعاتِ كانَ نَصِيبُهُ مِنَ التَّشْرِيفِ والتَّرْغِيبِ هو قَوْلَهُ: ﴿وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ ويَسْتُرُ العُيُوبَ في الدُّنْيا بِسَتْرِ فَضْلِهِ وكَرَمِهِ ورَحْمَتِهِ، وفي الآخِرَةِ بِأنْ يُفِيضَ عَلَيْهِ أنْواعَ نِعَمِهِ، وهَذا الكَلامُ بَلَغَ في شَرْحِ الإعْذارِ والإنْذارِ والتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ إلى حَيْثُ لا يُمْكِنُ الزِّيادَةُ عَلَيْهِ، وهَذا آخِرُ الكَلامِ في تَفْسِيرِ سُورَةِ الأنْعامِ، والحَمْدُ لِلَّهِ المَلِكِ العَلّامِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب