الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وذَلِكَ الفَوْزُ المُبِينُ﴾
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ قَرَأ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (يَصْرِفْ) بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الرّاءِ. وفاعِلُ الصَّرْفِ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ الضَّمِيرُ العائِدُ إلى رَبِّي مِن قَوْلِهِ: ﴿إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ والتَّقْدِيرُ: مَن يَصْرِفُ هو عَنْهُ يَوْمَئِذٍ العَذابَ.
وحُجَّةُ هَذِهِ القِراءَةِ قَوْلُهُ: (فَقَدْ رَحِمَهُ) فَلَمّا كانَ هَذا فِعْلًا مُسْنَدًا إلى ضَمِيرِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى وجَبَ أنْ يَكُونَ الأمْرُ في تِلْكَ اللَّفْظَةِ الأُخْرى عَلى هَذا الوَجْهِ لِيَتَّفِقَ الفِعْلانِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ صَرْفُ العَذابِ مُسْنَدًا إلى اللَّهِ تَعالى، وتَكُونُ الرَّحْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْنَدَةً إلى اللَّهِ تَعالى، وأمّا الباقُونَ فَإنَّهم قَرَأُوا: ﴿مَن يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ عَلى فِعْلِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، والتَّقْدِيرُ: مَن يُصْرَفُ عَنْهُ عَذابُ يَوْمِئِذٍ، وإنَّما حَسُنَ ذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى أضافَ العَذابَ إلى اليَوْمِ في قَوْلِهِ: ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ فَلِذَلِكَ أضافَ الصَّرْفَ إلَيْهِ. والتَّقْدِيرُ: مَن يُصْرَفُ عَنْهُ عَذابُ ذَلِكَ اليَوْمِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي كَوْنَ ذَلِكَ اليَوْمِ مَصْرُوفًا وذَلِكَ مُحالٌ، بَلِ المُرادُ عَذابُ ذَلِكَ اليَوْمِ، وحَسُنَ هَذا الحَذْفُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الطّاعَةَ لا تُوجِبُ الثَّوابَ، والمَعْصِيَةَ لا تُوجِبُ العِقابَ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿مَن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ أيْ كُلُّ مَن صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ العَذابَ في ذَلِكَ اليَوْمِ فَقَدْ رَحِمَهُ. وهَذا إنَّما يَحْسُنُ لَوْ كانَ ذَلِكَ الصَّرْفُ واقِعًا عَلى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ، أمّا لَوْ كانَ واجِبًا مُسْتَحَقًّا لَمْ يَحْسُنْ أنْ يُقالَ فِيهِ: إنَّهُ رَحِمَهُ، ألا تَرى أنَّ الَّذِي يَقْبُحُ مِنهُ أنْ يَضْرِبَ العَبْدَ، فَإذا لَمْ يَضْرِبْهُ لا يُقالُ إنَّهُ رَحِمَهُ. أمّا إذا حَسُنَ مِنهُ أنْ (p-١٤٢)يَضْرِبَهُ ولَمْ يَضْرِبْهُ فَإنَّهُ يُقالُ إنَّهُ رَحِمَهُ، فَهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ عِقابٍ انْصَرَفَ وكُلَّ ثَوابٍ حَصَلَ، فَهو ابْتِداءً فَضْلٌ وإحْسانٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى وهو مُوافِقٌ لِما يُرْوى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ما مِنَ النّاسِ أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، قالُوا: ولا أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: ولا أنا إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ. ووَضَعَ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وطَوَّلَ بِها صَوْتَهُ»
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ القاضِي: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَن لَمْ يُعاقَبْ في الآخِرَةِ مِمَّنْ يُصْرَفُ عَنْهُ العِقابُ، فَلا بُدَّ مِن أنْ يُثابَ وذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ مَن يَقُولُ: إنَّ فِيمَن يُصْرَفُ عَنْهُ العِقابُ مِنَ المُكَلَّفِينَ مَن لا يُثابُ، لَكِنَّهُ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ.
فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ مَن لَمْ يُعاقِبْهُ اللَّهُ تَعالى ويَتَفَضَّلْ عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الفَوْزُ المُبِينُ وذَلِكَ يُبْطِلُ دَلالَةَ الآيَةِ عَلى قَوْلِكم ؟
قُلْنا: هَذا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مَدْفُوعٌ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ التَّفَضُّلَ يَكُونُ كالِابْتِداءِ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى، ولَيْسَ يَكُونُ ذَلِكَ مَطْلُوبًا مِنَ الفِعْلِ، والفَوْزُ هو الظَّفَرُ بِالمَطْلُوبِ، فَلا بُدَّ وأنْ يُفِيدَ أمْرًا مَطْلُوبًا.
والثّانِي: أنَّ الفَوْزَ المُبِينَ لا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى التَّفَضُّلِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلى ما يَقْتَضِي مُبالَغَةً في عِظَمِ النِّعْمَةِ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا ثَوابًا.
والثّالِثُ: أنَّ الآيَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ والمُقابِلُ لِلْعَذابِ هو الثَّوابُ، فَيَجِبُ حَمْلُ هَذِهِ الرَّحْمَةِ عَلى الثَّوابِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا الِاسْتِدْلالَ ضَعِيفٌ جِدًّا وضَعْفُهُ ظاهِرٌ فَلا حاجَةَ فِيهِ إلى الِاسْتِقْصاءِ واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"مَّن یُصۡرَفۡ عَنۡهُ یَوۡمَىِٕذࣲ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق