الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (يَأْتِيَهم) بِالياءِ وفي النَّحْلِ مِثْلَهُ، والباقُونَ (تَأْتِيَهم) بِالتّاءِ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ إنَّما أنْزَلَ الكِتابَ إزالَةً لِلْعُذْرِ، وإزاحَةً لِلْعِلَّةِ، وبَيَّنَ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ ألْبَتَّةَ وشَرَحَ أحْوالًا تُوجِبُ اليَأْسَ عَنْ دُخُولِهِمْ في الإيمانِ فَقالَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ﴾ ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢١٠] ومَعْنى يَنْظُرُونَ يَنْتَظِرُونَ، و(هَلِ) اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ النَّفْيُ، وتَقْدِيرُ الآيَةِ: أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِكَ إلّا إذا جاءَهم أحَدُ هَذِهِ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ، (p-٧)وهِيَ مَجِيءُ المَلائِكَةِ، أوْ مَجِيءُ الرَّبِّ، أوْ مَجِيءُ الآياتِ القاهِرَةِ مِنَ الرَّبِّ. فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ هَلْ يَدُلُّ عَلى جَوازِ المَجِيءِ والغَيْبَةِ عَلى اللَّهِ. قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: إنَّ هَذا حِكايَةً عَنْهم، وهم كانُوا كُفّارًا، واعْتِقادُ الكافِرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. والثّانِي: إنَّ هَذا مَجازٌ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ﴾ [النَّحْلِ: ٢٦] وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحْزابِ: ٥٧] . والثّالِثُ: قِيامُ الدَّلائِلِ القاطِعَةِ عَلى أنَّ المَجِيءَ والغَيْبَةَ عَلى اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، وأقْرَبُها قَوْلُ الخَلِيلِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في الرَّدِّ عَلى عَبَدَةِ الكَواكِبِ ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ . فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى إثْباتِ أثَرٍ مِن آثارِ قُدْرَتِهِ، لِأنَّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ: يَصِيرُ هَذا عَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ﴾ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلى أنَّ المُرادَ مِنهُ إتْيانُ الرَّبِّ. قُلْنا: الجَوابُ المُعْتَمَدُ أنَّ هَذا حِكايَةُ مَذْهَبِ الكُفّارِ، فَلا يَكُونُ حُجَّةً، وقِيلَ: يَأْتِي رَبُّكَ بِالعَذابِ، أوْ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ، وهو المُعْجِزاتُ القاهِرَةُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ وأجْمَعُوا عَلى أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآياتِ عَلاماتُ القِيامَةِ، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: «كُنّا نَتَذاكَرُ أمْرَ السّاعَةِ؛ إذْ أشْرَفَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقالَ: ما تَتَذاكَرُونَ ؟ قُلْنا: نَتَذاكَرُ السّاعَةَ قالَ: إنَّها لا تَقُومُ حَتّى تَرَوْا قَبْلَها عَشْرَ آياتٍ: الدُّخانَ، ودابَّةَ الأرْضِ، وخَسْفًا بِالمَشْرِقِ، وخَسْفًا بِالمَغْرِبِ، وخَسْفًا بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، والدَّجّالَ، وطُلُوعَ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ونُزُولَ عِيسى، ونارًا تَخْرُجُ مِن عَدَنَ» وقَوْلُهُ: ﴿لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: (نَفْسًا) وقَوْلُهُ: ﴿أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا﴾ صِفَةٌ ثانِيَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلى الصِّفَةِ الأُولى، والمَعْنى: إنَّ أشْراطَ السّاعَةِ إذا ظَهَرَتْ ذَهَبَ أوانُ التَّكْلِيفِ عِنْدَها، فَلَمْ يَنْفَعِ الإيمانُ نَفْسًا ما آمَنَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وما كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا قَبْلَ ذَلِكَ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قُلِ انْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ﴾ وعِيدٌ وتَهْدِيدٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب