الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَذا كِتابٌ أنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ واتَّقُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ ﴿أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا وإنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ﴾ ﴿أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدى مِنهم فَقَدْ جاءَكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم وهُدًى ورَحْمَةٌ فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وهَذا كِتابٌ﴾ لا شَكَّ أنَّ المُرادَ هو القُرْآنُ، وفائِدَةُ وصْفِهِ بِأنَّهُ مُبارَكٌ أنَّهُ ثابِتٌ لا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ النَّسْخُ كَما في الكِتابَيْنِ، أوِ المُرادُ أنَّهُ كَثِيرُ الخَيْرِ والنَّفْعِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فاتَّبِعُوهُ﴾ والمُرادُ ظاهِرٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واتَّقُوا لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ أيْ لِكَيْ تُرْحَمُوا. وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: قِيلَ: اتَّقُوا مُخالَفَتَهُ عَلى رَجاءِ الرَّحْمَةِ، وقِيلَ: اتَّقُوا لِتُرْحَمُوا، أيْ لِيَكُونَ الغَرَضُ بِالتَّقْوى رَحْمَةَ اللَّهِ، وقِيلَ: اتَّقُوا لِتُرْحَمُوا جَزاءً عَلى التَّقْوى.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: قالَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ، والتَّقْدِيرُ: أنْزَلْناهُ لِئَلّا تَقُولُوا، ثُمَّ حَذَفَ الجارَّ وحَرْفَ النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم أنْ تَضِلُّوا﴾ [النِّساءِ: ١٧٦] وقَوْلِهِ: ﴿رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النَّحْلِ: ١٥] أيْ: لِئَلّا.
والوَجْهُ الثّانِي: وهو قَوْلُ البَصْرِيِّينَ مَعْناهُ: أنْزَلْناهُ كَراهَةَ أنْ تَقُولُوا، ولا يُجِيزُونَ إضْمارَ ”لا“ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: جِئْتُ أنْ أُكْرِمَكَ بِمَعْنى أنْ لا أُكْرِمَكَ، وقَدْ ذَكَرْنا تَحْقِيقَ هَذِهِ المَسْألَةِ في آخِرِ سُورَةِ النِّساءِ.
(p-٦)والوَجْهُ الثّالِثُ: قالَ الفَرّاءُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”أنْ“ مُتَعَلِّقَةً بِاتَّقُوا، والتَّأْوِيلُ: واتَّقُوا أنْ تَقُولُوا إنَّما أُنْزِلَ الكِتابُ.
البَحْثُ الثّانِي: قَوْلُهُ: (أنْ تَقُولُوا) خِطابٌ لِأهْلِ مَكَّةَ، والمَعْنى: كَراهَةَ أنْ يَقُولَ أهْلُ مَكَّةَ أُنْزِلَ الكِتابُ، وهو التَّوْراةُ والإنْجِيلُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا، وهُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، وإنْ كُنّا ”إنْ“ هي المُحَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واللّامُ هي الفارِقَةُ بَيْنَها وبَيْنَ النّافِيَةِ، والأصْلُ وأنَّهُ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ، والمُرادُ بِهَذِهِ الآياتِ إثْباتُ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِإنْزالِ القُرْآنِ عَلى مُحَمَّدٍ كَيْ لا يَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنَّ التَّوْراةَ والإنْجِيلَ أُنْزِلا عَلى طائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنا وكُنّا غافِلِينَ عَمّا فِيهِما، فَقَطَعَ اللَّهُ عُذْرَهم بِإنْزالِ القُرْآنِ عَلَيْهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿وإنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ﴾ أيْ لا نَعْلَمُ ما هي؛ لِأنَّ كِتابَهم ما كانَ بِلُغَتِنا، ومَعْنى ﴿أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدى مِنهُمْ﴾، مُفَسِّرٌ لِلْأوَّلِ في أنَّ مَعْناهُ لِئَلّا يَقُولُوا ويَحْتَجُّوا بِذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى قَطْعَ احْتِجاجِهِمْ بِهَذا، وقالَ: ﴿فَقَدْ جاءَكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ وهو القُرْآنُ وما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﴿وهُدًى ورَحْمَةٌ﴾ .
فَإنْ قِيلَ: البَيِّنَةُ والهُدى واحِدٌ، فَما الفائِدَةُ في التَّكْرِيرِ ؟
قُلْنا: القُرْآنُ بَيِّنَةٌ فِيما يُعْلَمُ سَمْعًا وهو هُدًى فِيما يُعْلَمُ سَمْعًا وعَقْلًا، فَلَمّا اخْتَلَفَتِ الفائِدَةُ صَحَّ هَذا العَطْفُ، وقَدْ بَيَّنّا أنَّ مَعْنى (رَحْمَةٌ) أيْ إنَّهُ نِعْمَةٌ في الدِّينِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ والمُرادُ تَعْظِيمُ كُفْرِ مَن كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ، وصَدَفَ عَنْها، أيْ مَنَعَ عَنْها، لِأنَّ الأوَّلَ ضَلالٌ، والثّانِيَ مَنعٌ عَنِ الحَقِّ وإضْلالٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ العَذابِ﴾ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ﴾ [النَّحْلِ: ٨٨] .
{"ayahs_start":155,"ayahs":["وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكࣱ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ","أَن تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أُنزِلَ ٱلۡكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَاۤىِٕفَتَیۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَـٰفِلِینَ","أَوۡ تَقُولُوا۟ لَوۡ أَنَّاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا ٱلۡكِتَـٰبُ لَكُنَّاۤ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِی ٱلَّذِینَ یَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡدِفُونَ"],"ayah":"وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ مُبَارَكࣱ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق