الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهم ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ فَسادَ ما يَقُولُ الكُفّارُ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْنا كَذا وكَذا، أرْدَفَهُ تَعالى بِبَيانِ الأشْياءِ الَّتِي حَرَّمَها عَلَيْهِمْ، وهي الأشْياءُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ، وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ”تَعالَ“ مِنَ الخاصِّ الَّذِي صارَ عامًّا، وأصْلُهُ أنْ يَقُولَهُ مَن كانَ في مَكانٍ لِمَن هو أسْفَلُ مِنهُ، ثُمَّ كَثُرَ وعَمَّ، وما في قَوْلِهِ: ﴿ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ مَنصُوبٌ، وفي ناصِبِهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ مَنصُوبٌ بِقَوْلِهِ: ”أتْلُ“ والتَّقْدِيرُ: أتْلُ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَيْكم. والثّانِي: أنَّهُ مَنصُوبٌ بِحَرَّمَ، والتَّقْدِيرُ: أتْلُ الأشْياءَ الَّتِي حَرَّمَ عَلَيْكم. فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ كالتَّفْصِيلِ لِما أجْمَلَهُ في قَوْلِهِ: ﴿ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ وهَذا باطِلٌ؛ لِأنَّ تَرْكَ الشِّرْكِ والإحْسانِ بِالوالِدَيْنِ واجِبٌ، لا مُحَرَّمٌ. والجَوابُ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنَ التَّحْرِيمِ أنْ يَجْعَلَ لَهُ حَرِيمًا مُعَيَّنًا، وذَلِكَ بِأنْ بَيَّنَهُ بَيانًا مَضْبُوطًا مُعَيَّنًا، فَقَوْلُهُ: ﴿أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ مَعْناهُ: أتْلُ عَلَيْكم ما بَيَّنَهُ بَيانًا شافِيًا بِحَيْثُ يَجْعَلُ لَهُ حَرِيمًا (p-١٩٠)مُعَيَّنًا، وعَلى هَذا التَّقْرِيرِ فالسُّؤالُ زائِلٌ، والثّانِي: أنَّ الكَلامَ تَمَّ وانْقَطَعَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿عَلَيْكم ألّا تُشْرِكُوا﴾ كَما يُقالُ: عَلَيْكُمُ السَّلامُ، أوْ أنَّ الكَلامَ تَمَّ وانْقَطَعَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ بِمَعْنى لِئَلّا تُشْرِكُوا، والتَّقْدِيرُ: أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم لِئَلّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. الثّالِثُ: أنْ تَكُونَ ”أنْ“ في قَوْلِهِ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا﴾ مُفَسِّرَةً بِمَعْنى: أيْ، وتَقْدِيرُ الآيَةِ: أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكم، أيْ لا تُشْرِكُوا، أيْ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ هو قَوْلُهُ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ . فَإنْ قِيلَ: فَقَوْلُهُ: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ: ﴿أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكم عَلَيْكُمْ﴾ فَيَلْزَمُ أنْ يَكُونَ الإحْسانُ بِالوالِدَيْنِ حَرامًا، وهو باطِلٌ. قُلْنا: لَمّا أوْجَبَ الإحْسانَ إلَيْهِما، فَقَدْ حَرَّمَ الإساءَةَ إلَيْهِما. * * * المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى أوْجَبَ في هَذِهِ الآيَةِ أُمُورًا خَمْسَةً: أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ . واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى قَدْ شَرَحَ فِرَقَ المُشْرِكِينَ في هَذِهِ السُّورَةِ عَلى أحْسَنِ الوُجُوهِ، وذَلِكَ لِأنَّ طائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ يَجْعَلُونَ الأصْنامَ شُرَكاءَ لِلَّهِ تَعالى، وإلَيْهِمُ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ حِكايَةً عَنْ إبْراهِيمَ ﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ لِأبِيهِ آزَرَ أتَتَّخِذُ أصْنامًا آلِهَةً إنِّي أراكَ وقَوْمَكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٧٤] . والطّائِفَةُ الثّانِيَةُ: مِنَ المُشْرِكِينَ عَبَدَةُ الكَواكِبِ، وهُمُ الَّذِينَ حَكى اللَّهُ عَنْهم، أنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أبْطَلَ قَوْلَهم بِقَوْلِهِ: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ . والطّائِفَةُ الثّالِثَةُ: الَّذِينَ حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم: ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] وهُمُ القائِلُونَ بِيَزْدانَ وأهْرِمَن. والطّائِفَةُ الرّابِعَةُ: الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ بَنِينَ وبَناتٍ، وأقامَ الدَّلائِلَ عَلى فَسادِ أقْوالِ هَؤُلاءِ الطَّوائِفِ والفِرَقِ، فَلَمّا بَيَّنَ بِالدَّلِيلِ فَسادَ قَوْلِ هَؤُلاءِ الطَّوائِفِ. قالَ هاهُنا: ﴿ألّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ . النَّوْعُ الثّانِي مِنَ الأشْياءِ الَّتِي أوْجَبَها هاهُنا قَوْلُهُ: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ وإنَّما ثَنّى بِهَذا التَّكْلِيفِ؛ لِأنَّ أعْظَمَ أنْواعِ النِّعَمِ عَلى الإنْسانِ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعالى، ويَتْلُوها نِعْمَةُ الوالِدَيْنِ؛ لِأنَّ المُؤَثِّرَ الحَقِيقِيَّ في وُجُودِ الإنْسانِ هو اللَّهُ سُبْحانَهُ وفي الظّاهِرِ هو الأبَوانِ، ثُمَّ نِعَمُهُما عَلى الإنْسانِ عَظِيمَةٌ وهي نِعْمَةُ التَّرْبِيَةِ والشَّفَقَةِ والحِفْظِ عَنِ الضَّياعِ والهَلاكِ في وقْتِ الصِّغَرِ. النَّوْعُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهُمْ﴾ فَأوْجَبَ بَعْدَ رِعايَةِ حُقُوقِ الأبَوَيْنِ رِعايَةَ حُقُوقِ الأوْلادِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم مِن إمْلاقٍ﴾ أيْ مِن خَوْفِ الفَقْرِ وقَدْ صَرَّحَ بِذِكْرِ الخَوْفِ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] والمُرادُ مِنهُ النَّهْيُ عَنِ الوَأْدِ، إذْ كانُوا يَدْفِنُونَ البَناتِ أحْياءً، بَعْضُهم لِلْغَيْرَةِ، وبَعْضُهم خَوْفَ الفَقْرِ، وهو السَّبَبُ الغالِبُ، فَبَيَّنَ تَعالى فَسادَ هَذِهِ العِلَّةِ بِقَوْلِهِ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيّاهُمْ﴾؛ لِأنَّهُ تَعالى إذا كانَ مُتَكَفِّلًا بِرِزْقِ الوالِدِ والوَلَدِ، فَكَما وجَبَ عَلى الوالِدَيْنِ تَبْقِيَةُ النَّفْسِ والِاتِّكالُ في رِزْقِها عَلى اللَّهِ، فَكَذَلِكَ القَوْلُ في حالِ الوَلَدِ، قالَ شِمْرٌ: أمْلَقَ لازِمٌ ومُتَعَدٍّ. يُقالُ: أمْلَقَ الرَّجُلُ، فَهو مُمْلِقٌ، إذا افْتَقَرَ، فَهَذا لازِمٌ، وأمْلَقَ الدَّهْرُ ما عِنْدَهُ، إذا أفْسَدَهُ، والإمْلاقُ الفَسادُ. (p-١٩١)والنَّوْعُ الرّابِعُ: قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانُوا يَكْرَهُونَ الزِّنا عَلانِيَةً، ويَفْعَلُونَ ذَلِكَ سِرًّا، فَنَهاهُمُ اللَّهُ عَنِ الزِّنا عَلانِيَةً وسِرًّا، والأوْلى أنْ لا يُخَصَّصَ هَذا النَّهْيُ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ يَجْرِي عَلى عُمُومِهِ في جَمِيعِ الفَواحِشِ ظاهِرِها وباطِنِها لِأنَّ اللَّفْظَ عامٌّ. والمَعْنى المُوجِبُ لِهَذا النَّهْيِ وهو كَوْنُهُ فاحِشَةً عامٌّ أيْضًا ومَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ والمَعْنى يَكُونُ التَّخْصِيصُ عَلى خِلافِ الدَّلِيلِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ﴾ دَقِيقَةٌ، وهي: أنَّ الإنْسانَ إذا احْتَرَزَ عَنِ المَعْصِيَةِ في الظّاهِرِ ولَمْ يَحْتَرِزْ عَنْها في الباطِنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ احْتِرازَهُ عَنْها لَيْسَ لِأجْلِ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ وطاعَتِهِ، ولَكِنْ لِأجْلِ الخَوْفِ مِن مَذَمَّةِ النّاسِ، وذَلِكَ باطِلٌ؛ لِأنَّ مَن كانَ مَذَمَّةُ النّاسِ عِنْدَهُ أعْظَمَ وقْعًا مِن عِقابِ اللَّهِ ونَحْوِهِ، فَإنَّهُ يُخْشى عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ، ومَن تَرَكَ المَعْصِيَةَ ظاهِرًا وباطِنًا، دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ إنَّما تَرَكَها تَعْظِيمًا لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى وخَوْفًا مِن عَذابِهِ ورَغْبَةً في عُبُودِيَّتِهِ. والنَّوْعُ الخامِسُ: قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ﴾ . واعْلَمْ أنَّ هَذا داخِلٌ في جُمْلَةِ الفَواحِشِ إلّا أنَّهُ تَعالى أفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِفائِدَتَيْنِ: إحْداهُما: أنَّ الإفْرادَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلى التَّعْظِيمِ والتَّفْخِيمِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ والثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى أرادَ أنْ يَسْتَثْنِيَ مِنهُ، ولا يَتَأتّى هَذا الِاسْتِثْناءُ في جُمْلَةِ الفَواحِشِ. إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿إلّا بِالحَقِّ﴾ أيْ قَتْلُ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ قَدْ يَكُونُ حَقًّا لِجُرْمٍ يَصْدُرُ مِنها. والحَدِيثُ أيْضًا مُوافِقٌ لَهُ وهو قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِإحْدى ثَلاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمانٍ، وزِنًا بَعْدَ إحْصانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» “ والقُرْآنُ دَلَّ عَلى سَبَبٍ رابِعٍ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسادًا أنْ يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبُوا﴾ [المائدة: ٣٣] . والحاصِلُ: أنَّ الأصْلَ في قَتْلِ النَّفْسِ هو الحُرْمَةُ وحِلُّهُ لا يَثْبُتُ إلّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أحْوالَ هَذِهِ الأقْسامِ الخَمْسَةِ أتْبَعَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُقَرِّبُ إلى القَلْبِ القَبُولَ، فَقالَ: ﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ﴾ لِما في هَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ اللُّطْفِ والرَّأْفَةِ، وكُلُّ ذَلِكَ لِيَكُونَ المُكَلَّفُ أقْرَبَ إلى القَبُولِ، ثُمَّ أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ أيْ لِكَيْ تَعْقِلُوا فَوائِدَ هَذِهِ التَّكالِيفِ، ومَنافِعَها في الدِّينِ والدُّنْيا. * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ وأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ بِالقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها وإذا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا ولَوْ كانَ ذا قُرْبى وبِعَهْدِ اللَّهِ أوْفُوا ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ (p-١٩٢)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في الآيَةِ الأُولى خَمْسَةَ أنْواعٍ مِنَ التَّكالِيفِ، وهي أُمُورٌ ظاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ لا حاجَةَ فِيها إلى الفِكْرِ والِاجْتِهادِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أرْبَعَةَ أنْواعٍ مِنَ التَّكالِيفِ، وهي أُمُورٌ خَفِيَّةٌ يَحْتاجُ المَرْءُ العاقِلُ في مَعْرِفَتِهِ بِمِقْدارِها إلى التَّفَكُّرِ، والتَّأمُّلِ والِاجْتِهادِ. فالنَّوْعُ الأوَّلُ مِنَ التَّكالِيفِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ﴾ . واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ﴾ والمَعْنى: ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِأنْ يَسْعى في تَنْمِيَتِهِ وتَحْصِيلِ الرِّبْحِ بِهِ ورِعايَةِ وُجُوهِ الغِبْطَةِ لَهُ، ثُمَّ إنْ كانَ القَيِّمُ فَقِيرًا مُحْتاجًا أخَذَ بِالمَعْرُوفِ، وإنْ كانَ غَنِيًّا فاحْتَرَزَ عَنْهُ كانَ أوْلى فَقَوْلُهُ: ﴿إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ مَعْناهُ كَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ومَن كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ومَن كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦] . * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ﴾ فالمَعْنى احْفَظُوا مالَهُ حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ، فَإذا بَلَغَ أشُدَّهُ فادْفَعُوا إلَيْهِ مالَهُ. وأمّا مَعْنى الأشُدِّ وتَفْسِيرُهُ: قالَ اللَّيْثُ: الأشُدُّ مَبْلَغُ الرَّجُلِ الحِكْمَةَ والمَعْرِفَةَ. قالَ الفَرّاءُ: الأشُدُّ. واحِدُها شَدٌّ؛ في القِياسِ، ولَمْ أسْمَعْ لَها بِواحِدٍ. وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: واحِدَةُ الأشُدِّ شِدَّةٌ كَما أنَّ واحِدَةَ الأنْعُمِ نِعْمَةٌ، والشِّدَّةُ: القُوَّةُ والجَلادَةُ، والشَّدِيدُ الرَّجُلُ القَوِيُّ، وفَسَّرُوا بُلُوغَ الأشُدِّ في هَذِهِ الآيَةِ بِالِاحْتِلامِ بِشَرْطِ أنْ يُؤْنَسَ مِنهُ الرُّشْدُ، وقَدِ اسْتَقْصَيْنا في هَذا الفَصْلِ في أوَّلِ سُورَةِ النِّساءِ. والنَّوْعُ الثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ بِالقِسْطِ﴾ . اعْلَمْ أنَّ كُلَّ شَيْءٍ بَلَغَ تَمامَ الكَمالِ، فَقَدْ وفى وتَمَّ. يُقالُ: دِرْهَمٌ وافٍ، وكَيْلٌ وافٍ، وأوْفَيْتُهُ حَقَّهُ، ووَفَّيْتُهُ إذا أتْمَمْتَهُ، وأوْفى الكَيْلَ إذا أتَمَّهُ ولَمْ يَنْقُصْ مِنهُ شَيْئًا وقَوْلُهُ: (والمِيزانَ) أيِ الوَزْنَ بِالمِيزانِ وقَوْلُهُ: (بِالقِسْطِ) أيْ بِالعَدْلِ لا بَخْسَ ولا نُقْصانَ. فَإنْ قِيلَ: إيفاءُ الكَيْلِ والمِيزانِ، هو عَيْنُ القِسْطِ، فَما الفائِدَةُ في هَذا التَّكْرِيرِ ؟ قُلْنا: أمَرَ اللَّهُ المُعْطِيَ بِإيفاءِ ذِي الحَقِّ حَقَّهُ مِن غَيْرِ نُقْصانِهِ، وأمَرَ صاحِبَ الحَقِّ بِأخْذِ حَقِّهِ مِن غَيْرِ طَلَبِ الزِّيادَةِ. واعْلَمْ أنَّهُ لَمّا كانَ يَجُوزُ أنْ يَتَوَهَّمَ الإنْسانُ أنَّهُ يَجِبُ عَلى التَّحْقِيقِ وذَلِكَ صَعْبٌ شَدِيدٌ في العَدْلِ أتْبَعَهُ اللَّهُ تَعالى بِما يُزِيلُ هَذا التَّشْدِيدَ فَقالَ: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ أيِ الواجِبُ في إيفاءِ الكَيْلِ والوَزْنِ هَذا القَدْرُ المُمْكِنُ في إبْقاءِ الكَيْلِ والوَزْنِ. أمّا التَّحْقِيقُ فَغَيْرُ واجِبٍ. قالَ القاضِي: إذا كانَ تَعالى قَدْ خَفَّفَ عَلى المُكَلَّفِ هَذا التَّخْفِيفَ مَعَ أنَّ ما هو التَّضْيِيقُ مَقْدُورٌ لَهُ، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أنَّهُ تَعالى يُكَلِّفُ الكافِرَ الإيمانَ مَعَ أنَّهُ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ ؟ بَلْ قالُوا: يَخْلُقُ الكُفْرَ فِيهِ، ويُرِيدُهُ مِنهُ، ويَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ، ويَخْلُقُ فِيهِ القُدْرَةَ المُوجِبَةَ لِذَلِكَ الكُفْرِ، والدّاعِيَةَ المُوجِبَةَ لَهُ، ثُمَّ يَنْهاهُ عَنْهُ فَهو تَعالى لَمّا لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ القَدْرَ مِنَ التَّشْدِيدِ والتَّضْيِيقِ عَلى العَبْدِ، وهو إيفاءُ الكَيْلِ والوَزْنِ عَلى سَبِيلِ التَّحْقِيقِ، فَكَيْفَ يُجَوِّزُ أنْ يُضِيفَ عَلى العَبْدِ مِثْلَ هَذا التَّضْيِيقِ والتَّشْدِيدِ ؟ واعْلَمْ أنّا نُعارِضُ القاضِيَ وشُيُوخَهُ في هَذا المَوْضِعِ بِمَسْألَةِ العِلْمِ ومَسْألَةِ الدّاعِي، وحِينَئِذٍ يَنْقَطِعُ ولا يَبْقى لِهَذا الكَلامِ رُواءٌ ولا رَوْنَقٌ. (p-١٩٣)النَّوْعُ الثّالِثُ: مِنَ التَّكالِيفِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا قُلْتُمْ فاعْدِلُوا ولَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾ واعْلَمْ أنَّ هَذا أيْضًا مِنَ الأُمُورِ الخَفِيَّةِ الَّتِي أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى فِيها أداءَ الأمانَةِ، والمُفَسِّرُونَ حَمَلُوهُ عَلى أداءِ الشَّهادَةِ فَقَطْ، والأمْرِ والنَّهْيِ فَقَطْ، قالَ القاضِي: ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ما يَتَّصِلُ بِالقَوْلِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ ما يَقُولُ المَرْءُ في الدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ وتَقْرِيرِ الدَّلائِلِ عَلَيْهِ؛ بِأنْ يَذْكُرَ الدَّلِيلَ مُلَخَّصًا عَنِ الحَشْوِ والزِّيادَةِ بِألْفاظٍ مَفْهُومَةٍ مُعْتادَةٍ، قَرِيبَةٍ مِنَ الأفْهامِ، ويَدْخُلُ فِيهِ أنْ يَكُونَ الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ واقِعًا عَلى وجْهِ العَدْلِ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ في الإيذاءِ والإيحاشِ، ونُقْصانٍ عَنِ القَدْرِ الواجِبِ، ويَدْخُلُ فِيهِ الحِكاياتُ الَّتِي يَذْكُرُها الرَّجُلُ حَتّى لا يَزِيدَ فِيها ولا يَنْقُصَ عَنْها، ومِن جُمْلَتِها تَبْلِيغُ الرِّسالاتِ عَنِ النّاسِ، فَإنَّهُ يَجِبُ أنْ يُؤَدِّيَها مِن غَيْرِ زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ، ويَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ الحاكِمِ بِالقَوْلِ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ يَجِبُ أنْ يُسَوّى فِيهِ بَيْنَ القَرِيبِ والبَعِيدِ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ المَقْصُودُ مِنهُ طَلَبَ رِضْوانِ اللَّهِ تَعالى لَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ بِالقَرِيبِ والبَعِيدِ. والنَّوْعُ الرّابِعُ: مِن هَذِهِ التَّكالِيفِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وبِعَهْدِ اللَّهِ أوْفُوا﴾ وهَذا مِن خَفِيّاتِ الأُمُورِ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْلِفُ مَعَ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الحَلِفُ خَفِيًّا، ويَكُونُ بِرُّهُ وحِنْثُهُ أيْضًا خَفِيًّا، ولَمّا ذَكَرَ تَعالى هَذِهِ الأقْسامَ قالَ: ﴿ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ . فَإنْ قِيلَ: فَما السَّبَبُ في أنْ جَعَلَ خاتِمَةَ الآيَةِ الأُولى بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ وخاتِمَةَ هَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ؟ قُلْنا: لِأنَّ التَّكالِيفَ الخَمْسَةَ المَذْكُورَةَ في الأُولى أُمُورٌ ظاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ، فَوَجَبَ تَعَقُّلُها وتَفَهُّمُها وأمّا التَّكالِيفُ الأرْبَعَةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ فَأُمُورٌ خَفِيَّةٌ غامِضَةٌ، لا بُدَّ فِيها مِنَ الِاجْتِهادِ والفِكْرِ حَتّى يَقِفَ عَلى مَوْضِعِ الِاعْتِدالِ، فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ (تَذَكَّرُونَ) بِالتَّخْفِيفِ والباقُونَ (تَذَّكَّرُونَ) بِتَشْدِيدِ الذّالِ في كُلِّ القُرْآنِ وهُما بِمَعْنًى واحِدٍ. * * * (p-٣)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكم وصّاكم بِهِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ فِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ عامِرٍ (وأنْ هَذا) بِفَتْحِ الألِفِ وسُكُونِ النُّونِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ (وإنَّ) بِكَسْرِ الألِفِ وتَشْدِيدِ النُّونِ، أمّا قِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ فَأصْلُها (وإنَّهُ هَذا صِراطِي) والهاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ والحَدِيثِ، وعَلى هَذا الشَّرْطِ تُخَفَّفُ. قالَ الأعْشى: ؎فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا أنْ هالِكٌ كُلُّ مَن يَحْفى ويَنْتَعِلُ أيْ: قَدْ عَلِمُوا أنَّهُ هالِكٌ، وأمّا كَسْرُ (إنَّ) فالتَّقْدِيرُ (أتْلُ ما حَرَّمَ) وأتْلُ أنَّ هَذا صِراطِي بِمَعْنى أقُولُ، وقِيلَ عَلى الِاسْتِئْنافِ. وأمّا فَتْحُ أنَّ، فَقالَ الفَرّاءُ: فَتْحُ (أنَّ) مِن وُقُوعِ أتْلُ عَلَيْها يَعْنِي وأتْلُ عَلَيْكم (أنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا) قالَ: وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَها خَفْضًا، والتَّقْدِيرُ: ذَلِكم وصّاكم بِهِ وبِأنَّ هَذا صِراطِي. قالَ أبُو عَلِيٍّ: مَن فَتَحَ (أنَّ) فَقِياسُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ حَمَلَها عَلى قَوْلِهِ: (فاتَّبِعُوهُ)، والتَّقْدِيرُ: لِأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ كَقَوْلِهِ: ﴿وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٥٢] وقالَ سِيبَوَيْهِ: لِأنَّ هَذِهِ أُمَتُّكم، وقالَ في قَوْلِهِ: ﴿وأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا﴾ [الجِنِّ: ١٨] والمَعْنى: ولِأنَّ المَساجِدَ لِلَّهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: القُرّاءُ أجْمَعُوا عَلى سُكُونِ الياءِ مِن (صِراطِي) غَيْرَ ابْنِ عامِرٍ فَإنَّهُ فَتَحَها، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ (سِراطِي) بِالسِّينِ، وحَمْزَةُ بَيْنَ الصّادِ والزّايِ، والباقُونَ بِالصّادِّ صافِيَةً، وكُلُّها لُغاتٌ، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَرَأ الأعْمَشُ (وهَذا صِراطِي) وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: (وهَذا صِراطُ رَبِّكم) وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ (وهَذا صِراطُ رَبِّكَ) . (p-٤)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في الآيَتَيْنِ المُتَقَدِّمَتَيْنِ ما وصّى بِهِ أجْمَلَ في آخِرِهِ إجْمالًا يَقْتَضِي دُخُولَ ما تَقَدَّمَ فِيهِ، ودُخُولَ سائِرِ الشَّرِيعَةِ فِيهِ فَقالَ: ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا﴾ فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ ما بَيَّنَهُ الرَّسُولُ -ﷺ- مِن دِينِ الإسْلامِ وهو المَنهَجُ القَوِيمُ والصِّراطُ المُسْتَقِيمُ، فاتَّبِعُوا جُمْلَتَهُ وتَفْصِيلَهُ ولا تَعْدِلُوا عَنْهُ فَتَقَعُوا في الضَّلالاتِ. وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ خَطَّ خَطًّا، ثُمَّ قالَ: هَذا سَبِيلُ الرُّشْدِ، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وعَنْ شِمالِهِ خُطُوطًا، ثُمَّ قالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلى كُلِّ سَبِيلٍ مِنها شَيْطانٌ يَدْعُو إلَيْهِ ؟ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ»﴾، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: هَذِهِ الآياتُ مُحْكَماتٌ لَمْ يَنْسَخْهُنَّ شَيْءٌ مِن جَمِيعِ الكُتُبِ، مَن عَمِلَ بِهِنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن تَرَكَهُنَّ دَخَلَ النّارَ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ ما كانَ حَقًّا فَهو واحِدٌ، ولا يَلْزَمُ مِنهُ أنْ يُقالَ: إنَّ كُلَّ ما كانَ واحِدًا فَهو حَقٌّ، فَإذا كانَ الحَقُّ واحِدًا كانَ كُلُّ ما سِواهُ باطِلًا، وما سِوى الحَقِّ أشْياءُ كَثِيرَةٌ، فَيَجِبُ الحُكْمُ بِأنَّ كُلَّ كَثِيرٍ باطِلٌ، ولَكِنْ لا يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ كُلُّ باطِلٍ كَثِيرًا بِعَيْنِ ما قَرَّرْناهُ في القَضِيَّةِ الأُولى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب