الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ وهو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَن أسْلَمَ ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ فِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ أحْسَنَ ما قِيلَ في نَظْمِ هَذِهِ الآيَةِ ما ذَكَرَهُ أبُو مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى، فَقالَ: ذَكَرَ في الآيَةِ الأُولى السَّماواتِ والأرْضَ، إذْ لا مَكانَ سِواهُما، وفي هَذِهِ الآيَةِ ذَكَرَ اللَّيْلَ والنَّهارَ إذْ لا زَمانَ سِواهُما، فالزَّمانُ والمَكانُ ظَرْفانِ لِلْمُحْدَثاتِ، فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّهُ مالِكٌ لِلْمَكانِ والمَكانِيّاتِ، ومالِكٌ لِلزَّمانِ والزَّمانِيّاتِ؛ وهَذا بَيانٌ في غايَةِ الجَلالَةِ. (p-١٣٩)وأقُولُ: هَهُنا دَقِيقَةٌ أُخْرى، وهو أنَّ الِابْتِداءَ وقَعَ بِذِكْرِ المَكانِ والمَكانِيّاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ الزَّمانَ والزَّمانِيّاتِ، وذَلِكَ لِأنَّ المَكانَ والمَكانِيّاتِ أقْرَبُ إلى العُقُولِ والأفْكارِ مِنَ الزَّمانِ والزَّمانِيّاتِ، لِدَقائِقَ مَذْكُورَةٍ في العَقْلِيّاتِ الصِّرْفَةِ، والتَّعْلِيمُ الكامِلُ هو الَّذِي يُبْدَأُ فِيهِ بِالأظْهَرِ مُتَرَقِّيًا إلى الأخْفى فالأخْفى، فَهَذا ما يَتَعَلَّقُ بِوَجْهِ النَّظْمِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ولَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ يُفِيدُ الحَصْرَ، والتَّقْدِيرُ: هَذِهِ الأشْياءُ لَهُ لا لِغَيْرِهِ. وهَذا هو الحَقُّ لِأنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ إمّا واجِبٌ لِذاتِهِ، وإمّا مُمْكِنٌ لِذاتِهِ، فالواجِبُ لِذاتِهِ لَيْسَ إلّا الواحِدُ، وما سِوى ذَلِكَ الواحِدِ مُمْكِنٌ. والمُمْكِنُ لا يُوجَدُ إلّا بِإيجادِ الواجِبِ لِذاتِهِ، وكُلُّ ما حَصَلَ بِإيجادِهِ وتَكْوِينِهِ كانَ مُلْكًا لَهُ، فَثَبَتَ أنَّ ما سِوى ذَلِكَ المَوْجُودِ الواجِبِ لِذاتِهِ فَهو مُلْكُهُ ومالِكُهُ فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ ﴿ولَهُ ما سَكَنَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ . المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: في تَفْسِيرِ هَذا السُّكُونِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ الشَّيْءُ الَّذِي سَكَنَ بَعْدَ أنْ تَحَرَّكَ، فَعَلى هَذا، المُرادُ كُلُّ ما اسْتَقَرَّ في اللَّيْلِ والنَّهارِ مِنَ الدَّوابِّ وجُمْلَةِ الحَيَواناتِ في البَرِّ والبَحْرِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ قالُوا في الآيَةِ مَحْذُوفٌ والتَّقْدِيرُ: ولَهُ ما سَكَنَ وتَحَرَّكَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أرادَ الحَرَّ والبَرْدَ فاكْتَفى بِذِكْرِ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ؛ لِأنَّهُ يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالقَرِينَةِ المَذْكُورَةِ، كَذَلِكَ هُنا حَذَفَ ذِكْرَ الحَرَكَةِ، لِأنَّ ذِكْرَ السُّكُونِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ مِن هَذا السُّكُونِ ما هو ضِدُّ الحَرَكَةِ، بَلِ المُرادُ مِنهُ السُّكُونُ بِمَعْنى الحُلُولِ كَما يُقالُ: فُلانٌ يَسْكُنُ بَلَدَ كَذا إذا كانَ مَحِلُّهُ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَكَنْتُمْ في مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤٥] وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ، كانَ المُرادُ: ولَهُ كُلُّ ما حَصَلَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ. والتَّقْدِيرُ: كُلُّ ما في الوَقْتِ والزَّمانِ سَواءٌ كانَ مُتَحَرِّكًا أوْ ساكِنًا، وهَذا التَّفْسِيرُ أوْلى وأكْمَلُ. والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ كُلَّ ما دَخَلَ تَحْتَ اللَّيْلِ والنَّهارِ حَصَلَ في الزَّمانِ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أنَّهُ انْقَضى الماضِي وسَيَجِيءُ المُسْتَقْبَلُ، وذَلِكَ مُشْعِرٌ بِالتَّغَيُّرِ وهو الحُدُوثُ، والحُدُوثُ يُنافِي الأزَلِيَّةَ والدَّوامَ، فَكُلُّ ما مَرَّ بِهِ الوَقْتُ ودَخَلَ تَحْتَ الزَّمانِ فَهو مُحْدَثٌ، وكُلُّ حادِثٍ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُحْدِثٍ، وفاعِلُ ذَلِكَ الفِعْلِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ، والمُتَقَدِّمُ عَلى الزَّمانِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلى الوَقْتِ والزَّمانِ، فَلا تَجْرِي عَلَيْهِ الأوْقاتُ ولا تَمُرُّ بِهِ السّاعاتُ ولا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أنَّهُ كانَ وسَيَكُونُ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ فِيما سَبَقَ أنَّهُ مالِكٌ لِلْمَكانِ وجُمْلَةِ المَكانِيّاتِ ومالِكٌ لِلزَّمانِ وجُمْلَةِ الزَّمانِيّاتِ، بَيَّنَ أنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يَسْمَعُ نِداءَ المُحْتاجِينَ ويَعْلَمُ حاجاتِ المُضْطَرِّينَ. والمَقْصُودُ مِنهُ الرَّدُّ عَلى مَن يَقُولُ الإلَهُ تَعالى مُوجَبٌ بِالذّاتِ، فَنَبَّهَ عَلى أنَّهُ وإنْ كانَ مالِكًا لِكُلِّ المُحْدَثاتِ، لَكِنَّهُ فاعِلٌ مُخْتارٌ يَسْمَعُ ويَرى ويَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفى. ولَمّا قَرَّرَ هَذِهِ المَعانِيَ قالَ: ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ . واعْلَمْ أنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أنْ يُقالَ: ﴿أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ وبَيْنَ أنْ يُقالَ: أتَّخِذُ غَيْرَ اللَّهِ ولِيًّا. لِأنَّ الإنْكارَ إنَّما حَصَلَ عَلى اتِّخاذِ غَيْرِ اللَّهِ ولِيًّا، لا عَلى اتِّخاذِ الوَلِيِّ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّهم يُقَدِّمُونَ الأهَمَّ فالأهَمَّ الَّذِي هم بِشَأْنِهِ أعْنِي فَكانَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ أوْلى مِنَ العِبارَةِ الثّانِيَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ﴾ [الزمر: ٦٤] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿آللَّهُ أذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: ٥٩] . * * * (p-١٤٠)ثُمَّ قالَ ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وقُرِئَ ”فاطِرِ السَّماواتِ“ بِالجَرِّ صِفَةً لِلَّهِ، وبِالرَّفْعِ عَلى إضْمارِ هو، والنَّصْبِ عَلى المَدْحِ. وقَرَأ الزُّهْرِيُّ: ”فَطَرَ السَّماواتِ“ وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ما عَرَفْتُ ”﴿فاطِرِ السَّماواتِ﴾“ حَتّى أتانِي أعْرابِيّانِ يَخْتَصِمانِ في بِئْرٍ، فَقالَ أحَدُهُما: أنا فَطَرْتُها أيِ ابْتَدَأْتُها. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أصْلُ الفَطْرِ شَقُّ الشَّيْءِ عِنْدَ ابْتِدائِهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ يُرِيدُ خالِقَهُما ومُنْشِئَهُما بِالتَّرْكِيبِ الَّذِي سَبِيلُهُ أنْ يَحْصُلَ فِيهِ الشَّقُّ والتَّأْلِيفُ عِنْدَ ضَمِّ الأشْياءِ إلى بَعْضٍ، فَلَمّا كانَ الشَّقُّ جازَ أنْ يَكُونَ في حالٍ شَقَّ إصْلاحٍ، وفي حالٍ أُخْرى شَقَّ إفْسادٍ. فَفاطِرُ السَّماواتِ مِنَ الإصْلاحِ لا غَيْرَ. وقَوْلُهُ: ﴿هَلْ تَرى مِن فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣] و﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] مِنَ الإفْسادِ، وأصْلُهُما واحِدٌ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وهُوَ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ﴾ أيْ وهو الرَّزّاقُ لِغَيْرِهِ ولا يَرْزُقُهُ أحَدٌ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ فَسَّرْتَ الإطْعامَ بِالرِّزْقِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزْقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: ٥٧] والعَطْفُ يُوجِبُ المُغايَرَةَ ؟ قُلْنا: لا شَكَّ في حُصُولِ المُغايَرَةِ بَيْنَهُما، إلّا أنَّهُ قَدْ يَحْسُنُ جَعْلُ أحَدِهِما كِنايَةً عَنِ الآخَرِ لِشِدَّةِ ما بَيْنَهُما مِنَ المُقارَبَةِ. والمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ: أنَّ المَنافِعَ كُلَّها مِن عِنْدِهِ، ولا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِانْتِفاعُ. وقُرِئَ ”ولا يَطْعَمُ“ بِفَتْحِ الياءِ، ورَوى ابْنُ المَأْمُونِ عَنْ يَعْقُوبَ: ”وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِمُ“ عَلى بِناءٍ الأوَّلِ لِلْمَفْعُولِ والثّانِي لِلْفاعِلِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ: فالضَّمِيرُ عائِدٌ إلى المَذْكُورِ في قَوْلِهِ: (أغَيْرَ اللَّهِ) وقَرَأ الأشْهَبُ ”وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعِمُ“ عَلى بِنائِهِما لِلْفاعِلِ، وفُسِّرَ بِأنَّ مَعْناهُ: وهو يُطْعِمُ ولا يَسْتَطْعِمُ. وحَكى الأزْهَرِيُّ: أطْعَمْتُ بِمَعْنى اسْتَطْعَمْتُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: وهو يُطْعِمُ تارَةً ولا يُطْعِمُ أُخْرى عَلى حَسَبِ المَصالِحِ كَقَوْلِهِ: وهو يُعْطِي ويَمْنَعُ، ويَبْسُطُ ويَقْدِرُ، ويُغْنِي ويُفْقِرُ. واعْلَمْ أنَّ المَذْكُورَ في صَدْرِ الآيَةِ هو المَنعُ مِنَ اتِّخاذِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى ولِيًّا. واحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأنَّهُ فاطِرُ السَّماواتِ والأرْضِ وبِأنَّهُ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ. ومَتى كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ امْتَنَعَ اتِّخاذُ غَيْرِهِ ولِيًّا. أمّا بَيانُ أنَّهُ فاطِرُ السَّماواتِ والأرْضِ، فَلِأنّا بَيَّنّا أنَّ ما سِوى الواحِدِ مُمْكِنٌ لِذاتِهِ، والمُمْكِنُ لِذاتِهِ لا يَقَعُ مَوْجُودًا إلّا بِإيجادِ غَيْرِهِ، فَنَتَجَ أنَّ ما سِوى اللَّهِ فَهو حاصِلٌ بِإيجادِهِ وتَكْوِينِهِ. فَثَبَتَ أنَّهُ سُبْحانَهُ هو الفاطِرُ لِكُلِّ ما سِواهُ مِنَ المَوْجُوداتِ وأمّا بَيانُ أنَّهُ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ فَظاهِرَةٌ؛ لِأنَّ الإطْعامَ عِبارَةٌ عَنْ إيصالِ المَنافِعِ، وعَدَمُ الِاسْتِطْعامِ عِبارَةٌ عَنْ عَدَمِ الِانْتِفاعِ. ولَمّا كانَ واجِبًا لِذاتِهِ كانَ لا مَحالَةَ غَنِيًّا ومُتَعالِيًا عَنِ الِانْتِفاعِ بِشَيْءٍ آخَرَ. فَثَبَتَ بِالبُرْهانِ صِحَّةُ أنَّهُ تَعالى فاطِرُ السَّماواتِ والأرْضِ، وصِحَّةُ أنَّهُ يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ، وإذا ثَبَتَ هَذا امْتَنَعَ في العَقْلِ اتِّخاذُ غَيْرِهِ ولِيًّا، لِأنَّ ما سِواهُ مُحْتاجٌ في ذاتِهِ وفي جَمِيعِ صِفاتِهِ وفي جَمِيعِ ما تَحْتَ يَدِهِ. والحَقُّ سُبْحانَهُ هو الغَنِيُّ لِذاتِهِ، الجَوادُ لِذاتِهِ. وتَرُكُ الغَنِيِّ الجَوادِ، والذَّهابُ إلى الفَقِيرِ المُحْتاجِ مَمْنُوعٌ عَنْهُ في صَرِيحِ العَقْلِ. وإذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: قَدْ سَبَقَ في هَذا الكِتابِ بَيانُ أنَّ الوَلِيَّ مَعْناهُ الأصْلِيُّ في اللُّغَةِ: هو القَرِيبُ. وقَدْ ذَكَرْنا وُجُوهَ الِاشْتِقاقاتِ فِيهِ. فَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ يَمْنَعُ مِنَ القُرْبِ مِن غَيْرِ اللَّهِ تَعالى. فَهَذا يَقْتَضِي تَنْزِيهَ القَلْبِ عَنِ الِالتِفاتِ إلى غَيْرِ اللَّهِ تَعالى، وقَطْعَ العَلائِقِ عَنْ كُلِّ ما سِوى اللَّهِ تَعالى. ثُمَّ قالَ تَعالى ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أكُونَ أوَّلَ مَن أسْلَمَ﴾ والسَّبَبُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سابِقُ أُمَّتِهِ في الإسْلامِ (p-١٤١)لِقَوْلِهِ: ﴿وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٣] ولِقَوْلِ مُوسى ﴿سُبْحانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ وأنا أوَّلُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] * * * ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ومَعْناهُ أُمِرْتُ بِالإسْلامِ ونُهِيتُ عَنِ الشِّرْكِ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ كَوْنَ رَسُولِهِ مَأْمُورًا بِالإسْلامِ ثُمَّ عَقِبَهُ بِكَوْنِهِ مَنهِيًّا عَنِ الشِّرْكِ قالَ بَعْدَهُ: ﴿إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ والمَقْصُودُ أنِّي إنْ خالَفْتُهُ في هَذا الأمْرِ والنَّهْيِ صِرْتُ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذابِ العَظِيمِ. فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَخافُ عَلى نَفْسِهِ مِنَ الكُفْرِ والعِصْيانِ، ولَوْلا أنَّ ذَلِكَ جائِزٌ عَلَيْهِ لَما كانَ خائِفًا. والجَوابُ: أنَّ الآيَةَ لا تَدُلُّ عَلى أنَّهُ خافَ عَلى نَفْسِهِ، بَلِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَوْ صَدَرَ عَنْهُ الكُفْرُ والمَعْصِيَةُ فَإنَّهُ يَخافُ. وهَذا القَدْرُ لا يَدُلُّ عَلى حُصُولِ الخَوْفِ، ومِثالُهُ قَوْلُنا: إنْ كانَتِ الخَمْسَةُ زَوْجًا كانَتْ مُنْقَسِمَةً بِمُتَساوِيَيْنِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الخَمْسَةَ زَوْجٌ، ولا عَلى كَوْنِها مُنْقَسِمَةً بِمُتَساوِيَيْنِ واللَّهُ أعْلَمُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي أخافُ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ (إنِّيَ) بِفَتْحِ الياءِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو والباقُونَ بِالإرْسالِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب