الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهم لِيُرْدُوهم ولِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهم ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهم وما يَفْتَرُونَ﴾ (p-١٦٩)وفِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ هَذا هو النَّوْعُ الثّانِي مِن أحْكامِهِمُ الفاسِدَةِ، ومَذاهِبِهِمُ الباطِلَةِ، وقَوْلُهُ: (وكَذَلِكَ) عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ﴾ أيْ كَما فَعَلُوا ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنهم شُرَكاؤُهم قَتْلَ الأوْلادِ، والمَعْنى: أنَّ جَعْلَهم لِلَّهِ نَصِيبًا، ولِلشُّرَكاءِ نَصِيبًا نِهايَةٌ في الجَهْلِ بِمَعْرِفَةِ الخالِقِ المُنْعِمِ، وإقْدامَهِمْ عَلى قَتْلِ أوْلادِ أنْفُسِهِمْ نِهايَةٌ في الجَهالَةِ والضَّلالَةِ، وذَلِكَ يُفِيدُ التَّنْبِيهَ عَلى أنَّ أحْكامَ هَؤُلاءِ وأحْوالَهم يُشاكِلُ بَعْضُها بَعْضًا في الرَّكاكَةِ والخَساسَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَدْفِنُونَ بَناتِهم أحْياءً خَوْفًا مِنَ الفَقْرِ أوْ مِنَ التَّزْوِيجِ، وهو المُرادُ مِن هَذِهِ الآيَةِ. واخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالشُّرَكاءِ، فَقالَ مُجاهِدٌ: شُرَكاؤُهم شَياطِينُهم أمَرُوهم بِأنْ يَئِدُوا أوْلادَهم خَشْيَةَ العَيْلَةِ، وسُمِّيَتِ الشَّياطِينُ شُرَكاءً؛ لِأنَّهم أطاعُوهم في مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى، وأُضِيفَتِ الشُّرَكاءُ إلَيْهِمْ، لِأنَّهُمُ اتَّخَذُوها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ وقالَ الكَلْبِيُّ: كانَ لِآلِهَتِهِمْ سَدَنَةٌ وخُدّامٌ، وهُمُ الَّذِينَ كانُوا يُزَيِّنُونَ لِلْكَفّارِ قَتْلَ أوْلادِهِمْ، وكانَ الرَّجُلُ يَقُومُ في الجاهِلِيَّةِ فَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ كَذا وكَذا غُلامًا لَيَنْحَرَنَّ أحَدَهم، كَما حَلَفَ عَبْدُ المُطَّلِبِ عَلى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وعَلى هَذا القَوْلِ: الشُّرَكاءُ هُمُ السَّدَنَةُ، سُمُّوا شُرَكاءً كَما سُمِّيَتِ الشَّياطِينُ شُرَكاءً في قَوْلِ مُجاهِدٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ ”زُيِّنَ“ بِضَمِّ الزّاءِ وكَسْرِ الياءِ، وبِضَمِّ اللّامِ مِن ”قَتْلُ“ و”أوْلادَهم“ بِنَصْبِ الدّالِّ ”شُرَكائِهِمْ“ بِالخَفْضِ والباقُونَ ”زَيَّنَ“ بِفَتْحِ الزّايِ والياءِ ”قَتْلَ“ بِفَتْحِ اللّامِ ”أوْلادِهِمْ“ بِالجَرِّ ”شُرَكاؤُهم“ بِالرَّفْعِ. أمّا وجْهُ قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ فالتَّقْدِيرُ: زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ شُرَكائِهِمْ أوْلادَهم، إلّا أنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ المُضافِ، والمُضافِ إلَيْهِ بِالمَفْعُولِ بِهِ وهو الأوْلادُ، وهو مَكْرُوهٌ في الشِّعْرِ كَما في قَوْلِهِ: [: ]
؎فَزَجَجْتُها بِمِزَجَّةٍ زَجَّ القَلُوصِ أبِي مَزادَهْ
وإذا كانَ مُسْتَكْرَهًا في الشِّعْرِ فَكَيْفَ في القُرْآنِ الَّذِي هو مُعْجِزٌ في الفَصاحَةِ. قالُوا: والَّذِي حَمَلَ ابْنَ عامِرٍ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ أنَّهُ رَأى في بَعْضِ المَصاحِفِ ”شُرَكائِهِمْ“ مَكْتُوبًا بِالياءِ، ولَوْ قَرَأ بِجَرِّ الأوْلادِ والشُّرَكاءِ، لِأجْلِ أنَّ الأوْلادَ شُرَكاؤُهم في أمْوالِهِمْ لَوَجَدَ في ذَلِكَ مَندُوحَةً عَنْ هَذا الِارْتِكابِ. وأمّا القِراءَةُ المَشْهُورَةُ: فَلَيْسَ فِيها إلّا تَقْدِيمُ المَفْعُولِ عَلى الفاعِلِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها﴾ [الأنعام: ١٥٨] وقَوْلُهُ: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ﴾ [البقرة: ١٢٤] والسَّبَبُ في تَقْدِيمِ المَفْعُولِ هو أنَّهم يُقَدِّمُونَ الأهَمَّ، والَّذِي هم بِشَأْنِهِ أعَنى، ومَوْضِعُ التَّعَجُّبِ هاهُنا إقْدامُهم عَلى قَتْلِ أوْلادِهِمْ، فَلِهَذا السَّبَبِ حَصَلَ هَذا التَّقْدِيرُ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: (لِيُرْدُوهم) والإرْداءُ في اللُّغَةِ الإهْلاكُ، وفي القُرْآنِ ﴿إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات: ٥٦] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لِيُرْدُوهم في النّارِ، واللّامُ هاهُنا مَحْمُولَةٌ عَلى لامِ العاقِبَةِ كَما في قَوْلِهِ: ﴿فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهم عَدُوًّا وحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] ﴿ولِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] أيْ لِيَخْلِطُوا؛ لِأنَّهم كانُوا عَلى دِينِ إسْماعِيلَ، فَهَذا الَّذِي أتاهم بِهَذِهِ الأوْضاعِ الفاسِدَةِ، أرادَ أنْ يُزِيلَهم عَنْ ذَلِكَ الدِّينِ الحَقِّ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ﴾ قالَ أصْحابُنا: إنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ ما فَعَلَهُ المُشْرِكُونَ فَهو بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى مَشِيئَةِ الإلْجاءِ، وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ مِرارًا ﴿فَذَرْهم وما﴾ (p-١٧٠)(يَفْتَرُونَ) وهَذا عَلى قانُونِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وقَوْلُهُ: ﴿وما يَفْتَرُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ أمَرَهم بِقَتْلِ أوْلادِهِمْ، فَكانُوا كاذِبِينَ في ذَلِكَ القَوْلِ.
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ زَیَّنَ لِكَثِیرࣲ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ قَتۡلَ أَوۡلَـٰدِهِمۡ شُرَكَاۤؤُهُمۡ لِیُرۡدُوهُمۡ وَلِیَلۡبِسُوا۟ عَلَیۡهِمۡ دِینَهُمۡۖ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق