الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها غافِلُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ ما عَذَّبَ الكُفّارَ إلّا بَعْدَ أنْ بَعَثَ إلَيْهِمُ الأنْبِياءَ والرُّسُلَ بَيَّنَ بِهَذِهِ الآيَةِ أنَّ هَذا هو العَدْلُ والحَقُّ والواجِبُ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن بَعْثَةِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ وإنْذارِهِمْ سُوءَ العاقِبَةِ وهو خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: الأمْرُ ذَلِكَ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ تَعْلِيلٌ، والمَعْنى: الأمْرُ ما قَصَصْنا عَلَيْكَ لِانْتِفاءِ كَوْنِ رَبِّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ، وكَلِمَةُ ”أنْ“ هاهُنا هي الَّتِي تَنْصِبُ الأفْعالَ.
وثانِيها: يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ، والمَعْنى لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ لِأنَّهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ والحَدِيثِ؛ والتَّقْدِيرُ: لِأنَّ الشَّأْنَ والحَدِيثَ: لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ.
وثالِثُها: أنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: ﴿أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ﴾ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ: (ذَلِكَ) كَقَوْلِهِ: ﴿وقَضَيْنا إلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أنَّ دابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: ٦٦] .
وأمّا قَوْلُهُ: (بِظُلْمٍ) فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى، وما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِسَبَبِ ظُلْمٍ أقْدَمُوا عَلَيْهِ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ. وما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى ظُلْمًا عَلَيْهِمْ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ [هود: ١١٧] في سُورَةِ هُودٍ. فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ يَكُونُ الظُّلْمُ فِعْلًا لِلْكُفّارِ، وعَلى الثّانِي يَكُونُ عائِدًا إلى فِعْلِ اللَّهِ تَعالى، والوَجْهُ الأوَّلُ ألْيَقُ بِقَوْلِنا؛ لِأنَّ القَوْلَ الثّانِيَ يُوهِمُ أنَّهُ (p-١٦٢)تَعالى لَوْ أهْلَكَهم قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ كانَ ظالِمًا، ولَيْسَ الأمْرُ عِنْدَنا كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ تَعالى يَحْكُمُ ما يَشاءُ، ويَفْعَلُ ما يُرِيدُ، ولا اعْتِراضَ عَلَيْهِ لِأحَدٍ في شَيْءٍ مِن أفْعالِهِ. وأمّا المُعْتَزِلَةُ: فَهَذا القَوْلُ الثّانِي مُطابِقٌ لِمَذْهَبِهِمْ مُوافِقٌ لِمُعْتَقَدِهِمْ. وأمّا أصْحابُنا فَمَن فَسَّرَ الآيَةَ بِهَذا الوَجْهِ الثّانِي. قالَ: إنَّهُ تَعالى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ظالِمًا لَكِنَّهُ يَكُونُ في صُورَةِ الظّالِمِ فِيما بَيَّنّا، فَوُصِفَ بِكَوْنِهِ ظالِمًا مَجازًا، وتَمامُ الكَلامِ في هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ في سُورَةِ هُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ .
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وأهْلُها غافِلُونَ﴾ فَلَيْسَ المُرادُ مِن هَذِهِ الغَفْلَةِ أنْ يَتَغافَلَ المَرْءُ عَمّا يُوعَظُ بِهِ، بَلْ مَعْناها أنْ لا يُبَيِّنَ اللَّهُ لَهم كَيْفِيَّةَ الحالِ، ولا أنْ يُزِيلَ عُذْرَهم وعِلَّتَهم.
واعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا يَتَمَسَّكُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ في إثْباتِ أنَّهُ لا يَحْصُلُ الوُجُوبُ قَبْلَ الشَّرْعِ، وأنَّ العَقْلَ المَحْضَ لا يَدُلُّ عَلى الوُجُوبِ البَتَّةَ. قالُوا: لِأنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يُعَذِّبُ أحَدًا عَلى أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ إلّا بَعْدَ البَعْثَةِ لِلرَّسُولِ. والمُعْتَزِلَةُ قالُوا: إنَّها تَدُلُّ مِن وجْهٍ آخَرَ عَلى أنَّ الوُجُوبَ قَدْ يَتَقَرَّرُ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿أنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها غافِلُونَ﴾ فَهَذا الظُّلْمُ إمّا أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى العَبْدِ أوْ إلى اللَّهِ تَعالى، فَإنْ كانَ الأوَّلَ فَهَذا يَدُلُّ عَلى إمْكانِ أنْ يَصْدُرَ مِنهُ الظُّلْمُ قَبْلَ البَعْثَةِ، وإنَّما يَكُونُ الفِعْلُ ظُلْمًا قَبْلَ البَعْثَةِ، لَوْ كانَ قَبِيحًا وذَنْبًا قَبْلَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، وذَلِكَ هو المَطْلُوبُ، وإنْ كانَ الثّانِيَ فَذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ هَذا الفِعْلُ قَبِيحًا مِنَ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ لا يَتِمُّ إلّا مَعَ الِاعْتِرافِ بِتَحْسِينِ العَقْلِ وتَقْبِيحِهِ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ أَن لَّمۡ یَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا غَـٰفِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











