الباحث القرآني

المَسْألَةُ الأُولى: في الآيَةِ فَوائِدُ: الفائِدَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ الجِنِّ والإنْسِ أنَّ بَعْضَهم يَتَوَلّى بَعْضًا بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ إنَّما يَحْصُلُ بِتَقْدِيرِهِ وقَضائِهِ، فَقالَ: ﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا﴾ والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ. أنَّ القُدْرَةَ صالِحَةٌ لِلطَّرَفَيْنِ أعْنِي العَداوَةَ والصَّداقَةَ، فَلَوْلا حُصُولُ الدّاعِيَةِ إلى الصَّداقَةِ لَما حَصَلَتِ الصَّداقَةُ، وتِلْكَ الدّاعِيَةُ لا تَحْصُلُ إلّا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ. فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ أنَّهُ تَعالى هو الَّذِي يُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا. وبِهَذا التَّقْرِيرِ تَصِيرُ هَذِهِ الآيَةُ دَلِيلًا لَنا في مَسْألَةِ الجَبْرِ والقَدَرِ. الفائِدَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في أهْلِ الجَنَّةِ أنْ لَهم دارَ السَّلامِ، بَيَّنَ أنَّهُ تَعالى ولِيُّهم بِمَعْنى الحِفْظِ والحِراسَةِ والمَعُونَةِ والنُّصْرَةِ، فَكَذَلِكَ لَمّا بَيَّنَ حالَ أهْلِ النّارِ ذَكَرَ أنَّ مَقَرَّهم ومَثْواهُمُ النّارُ، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ أوْلِياءَهم مَن يُشْبِهُهم في الظُّلْمِ والخِزْيِ والنَّكالِ وهَذِهِ مُناسَبَةٌ حَسَنَةٌ لَطِيفَةٌ. (p-١٥٩)الفائِدَةُ الثّالِثَةُ: كافُ التَّشْبِيهِ في قَوْلِهِ: ﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي﴾ تَقْتَضِي شَيْئًا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، والتَّقْدِيرُ: كَأنَّهُ قالَ كَما أنْزَلْتَ بِالجِنِّ والإنْسِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمُ العَذابَ الألِيمَ الدّائِمَ الَّذِي لا مُخَلِّصَ مِنهُ ﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا﴾ . الفائِدَةُ الرّابِعَةُ: ﴿وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا﴾ لِأنَّ الجِنْسِيَّةَ عِلَّةُ الضَّمِّ، فالأرْواحُ الخَبِيثَةُ تَنْضَمُّ إلى ما يُشاكِلُها في الخُبْثِ، وكَذا القَوْلُ في الأرْواحِ الطّاهِرَةِ، فَكُلُّ أحَدٍ يَهْتَمُّ بِشَأْنِ مَن يُشاكِلُهُ في النُّصْرَةِ والمَعُونَةِ والتَّقْوِيَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الرَّعِيَّةَ مَتى كانُوا ظالِمِينَ، فاللَّهُ تَعالى يُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ ظالِمًا مِثْلَهم فَإنْ أرادُوا أنْ يَتَخَلَّصُوا مِن ذَلِكَ الأمِيرِ الظّالِمِ فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ. وأيْضًا الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ في الخَلْقِ مِن أمِيرٍ وحاكِمٍ؛ لِأنَّهُ تَعالى إذا كانَ لا يُخَلِّي أهْلَ الظُّلْمِ مِن أمِيرٍ ظالِمٍ، فَبِأنْ لا يُخَلِّي أهْلَ الصَّلاحِ مِن أمِيرٍ يَحْمِلُهم عَلى زِيادَةِ الصَّلاحِ كانَ أوْلى. قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يَصْلُحُ لِلنّاسِ إلّا أمِيرٌ عادِلٌ أوْ جائِرٌ، فَأنْكَرُوا قَوْلَهُ: أوْ جائِرٌ فَقالَ: نَعَمْ يُؤَمِّنُ السَّبِيلَ، ويُمَكِّنُ مِن إقامَةِ الصَّلَواتِ، وحَجِّ البَيْتِ. ورُوِيَ «أنَّ أبا ذَرٍّ سَألَ الرَّسُولَ ﷺ الإمارَةَ، فَقالَ لَهُ: ”إنَّكَ ضَعِيفٌ وإنَّها أمانَةٌ وهي في القِيامَةِ خِزْيٌ ونَدامَةٌ إلّا مَن أخَذَها بِحَقِّها وأدّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيها» “ وعَنْ مالِكِ بْنِ دِينارٍ: جاءَ في بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعالى أنا اللَّهُ مالِكُ المُلُوكِ قُلُوبُ المُلُوكِ ونَواصِيها بِيَدِي فَمَن أطاعَنِي جَعَلْتُهم عَلَيْهِ رَحْمَةً ومَن عَصانِي جَعَلْتُهم عَلَيْهِ نِقْمَةً لا تَشْغَلُوا أنْفُسَكم بِسَبِّ المُلُوكِ لَكِنْ تُوبُوا إلَيَّ أُعَطِّفُهم عَلَيْكم. أمّا قَوْلُهُ ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ فالمَعْنى نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضًا بِسَبَبِ كَوْنِ ذَلِكَ البَعْضِ مُكْتَسِبًا لِلظُّلْمِ، والمُرادُ مِنهُ ما بَيَّنّا أنَّ الجِنْسِيَّةَ عِلَّةٌ لِلضَّمِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب