الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكم فَمَن أبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ومَن عَمِيَ فَعَلَيْها وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ .
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَرَّرَ هَذِهِ البَياناتِ الظّاهِرَةَ، والدَّلائِلَ القاهِرَةَ في هَذِهِ المَطالِبِ العالِيَةِ الشَّرِيفَةِ الإلَهِيَّةِ؛ عادَ إلى تَقْرِيرِ أمْرِ الدَّعْوى والتَّبْلِيغِ والرِّسالَةِ فَقالَ: ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ والبَصائِرُ جَمْعُ البَصِيرَةِ، وكَما أنَّ البَصَرَ اسْمٌ لِلْإدْراكِ التّامِّ الكامِلِ الحاصِلِ بِالعَيْنِ الَّتِي في الرَّأْسِ، فالبَصِيرَةُ اسْمٌ لِلْإدْراكِ التّامِّ الحاصِلِ في القَلْبِ؛ قالَ تَعالى: ﴿بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: ١٤] أيْ لَهُ مِن نَفْسِهِ مَعْرِفَةٌ تامَّةٌ، وأرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ الآياتِ المُتَقَدِّمَةَ، وهي في أنْفُسِها لَيْسَتْ بَصائِرَ إلّا أنَّها لِقُوَّتِها وجَلالَتِها تُوجِبُ البَصائِرَ لِمَن عَرَفَها، ووَقَفَ عَلى حَقائِقِها، فَلَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ أسْبابًا لِحُصُولِ البَصائِرِ؛ سُمِّيَتْ هَذِهِ الآياتُ أنْفُسُها بِالبَصائِرِ، والمَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ بَيانُ ما يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ وما لا يَتَعَلَّقُ بِهِ.
أمّا القِسْمُ الأوَّلُ: وهو الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ، فَهو الدَّعْوَةُ إلى الدِّينِ الحَقِّ، وتَبْلِيغِ الدَّلالَةِ والبَيِّناتِ (p-١١٠)فِيها، وهو أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ما قَصَّرَ في تَبْلِيغِها وإيضاحِها وإزالَةِ الشُّبُهاتِ عَنْها، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ .
وأمّا القِسْمُ الثّانِي: وهو الَّذِي لا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ، فَإقْدامُهم عَلى الإيمانِ وتَرْكِ الكُفْرِ، فَإنَّ هَذا لا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيارِهِمْ، ونَفْعُهُ وضَرُّهُ عائِدٌ إلَيْهِمْ، والمَعْنى مَن أبْصَرَ الحَقَّ وآمَنَ فَلِنَفْسِهِ أبْصَرَ، وإيّاها نَفَعَ، ومَن عَمِيَ عَنْهُ فَعَلى نَفْسِهِ عَمِيَ وإيّاها ضَرَّ بِالعَمى؛ ﴿وما أنا عَلَيْكم بِحَفِيظٍ﴾ أحْفَظُ أعْمالَكم وأُجازِيكم عَلَيْها، إنَّما أنا مُنْذِرٌ واللَّهُ هو الحَفِيظُ عَلَيْكم.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في أحْكامِ هَذِهِ الآيَةِ، وهي أرْبَعَةٌ ذَكَرَها القاضِي:
فالأوَّلُ: الغَرَضُ بِهَذِهِ البَصائِرِ أنْ يَنْتَفِعَ بِها اخْتِيارًا اسْتَحَقَّ بِها الثَّوابَ لا أنْ يَحْمِلَ عَلَيْها أوْ يَلْجَأ إلَيْها؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ هَذا الغَرَضَ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى إنَّما دَلَّنا وبَيَّنَ لَنا مَنافِعَ، وأغْراضُ المَنافِعِ تَعُودُ إلَيْنا لا لِمَنافِعَ تَعُودُ إلى اللَّهِ تَعالى.
والثّالِثُ: أنَّ المَرْءَ بِعُدُولِهِ عَنِ النَّظَرِ والتَّدَبُّرِ يَضُرُّ بِنَفْسِهِ، ولَمْ يُؤْتَ إلّا مِن قِبَلِهِ لا مِن قِبَلِ رَبِّهِ.
والرّابِعُ: أنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الأمْرَيْنِ، فَلِذَلِكَ قالَ: ﴿فَمَن أبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ومَن عَمِيَ فَعَلَيْها﴾ قالَ: وفِيهِ إبْطالُ قَوْلِ المُجْبِرَةِ في المَخْلُوقِ، وفي أنَّهُ تَعالى يُكَلِّفُ بِلا قُدْرَةٍ.
واعْلَمْ أنَّهُ مَتى شَرَعَتِ المُعْتَزِلَةُ في الحِكْمَةِ والفَلْسَفَةِ والأمْرِ والنَّهْيِ، فَلا طَرِيقَ فِيهِ إلّا مُعارَضَتُهُ بِسُؤالِ الدّاعِي؛ فَإنَّهُ يَهْدِمُ كُلَّ ما يَذْكُرُونَهُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: المُرادُ مِنَ الإبْصارِ هاهُنا العِلْمُ، ومِنَ العَمى الجَهْلُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّها لا تَعْمى الأبْصارُ ولَكِنْ تَعْمى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] .
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: قَوْلُهُ: ﴿فَمَن أبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ومَن عَمِيَ فَعَلَيْها﴾ مَعْناهُ لا آخُذُكم بِالإيمانِ أخْذَ الحَفِيظِ عَلَيْكم والوَكِيلِ؛ قالُوا: وهَذا إنَّما كانَ قَبْلَ الأمْرِ بِالقِتالِ، فَلَمّا أمَرَ بِالقِتالِ صارَ حَفِيظًا عَلَيْهِمْ، ومِنهم مَن يَقُولُ: آيَةُ القِتالِ ناسِخَةٌ لِهَذِهِ الآيَةِ، وهو بَعِيدٌ فَكَأنَّ هَؤُلاءِ المُفَسِّرِينَ مَشْغُوفُونَ بِتَكْثِيرِ النَّسْخِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلَيْهِ، والحَقُّ ما تُقَرِّرُهُ أصْحابُ أُصُولِ الفِقْهِ أنَّ الأصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ، فَوَجَبَ السَّعْيُ في تَقْلِيلِهِ بِقَدْرِ الإمْكانِ.
{"ayah":"قَدۡ جَاۤءَكُم بَصَاۤىِٕرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِیَ فَعَلَیۡهَاۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











