الباحث القرآني

اعْلَمْ أنَّ بَعْضَ الأقْوامِ الَّذِينَ كانُوا يَقُولُونَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ المَلائِكَةِ كانُوا يَقُولُونَ هَذا الكَلامَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ، وكانَ يَضِيقُ قَلْبُ الرَّسُولِ عِنْدَ سَماعِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِيَصِيرَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ القَلْبِ لِأنَّ أحَدَ ما يُخَفِّفُ عَنِ القَلْبِ المُشارَكَةُ في سَبَبِ المِحْنَةِ والغَمِّ. فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ هَذِهِ الأنْواعَ الكَثِيرَةَ مِن سُوءِ الأدَبِ الَّتِي يُعامِلُونَكَ بِها قَدْ كانَتْ مَوْجُودَةً في سائِرِ القُرُونِ مَعَ أنْبِيائِهِمْ، فَلَسْتَ أنْتَ فَرِيدًا في هَذا الطَّرِيقِ. وقَوْلُهُ: ﴿فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُمْ﴾ الآيَةَ ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] وفي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ لِأهْلِ اللُّغَةِ وهي بِأسْرِها مُتَقارِبَةٌ: قالَ النَّضْرُ: وجَبَ عَلَيْهِمْ. قالَ اللَّيْثُ: ”الحَيْقُ“ ما حاقَ بِالإنْسانِ مِن مَكْرٍ أوْ سُوءٍ يَعْمَلُهُ فَنَزَلَ ذَلِكَ بِهِ، يَقُولُ أحاقَ اللَّهُ بِهِمْ مَكْرَهم وحاقَ بِهِمْ مَكْرُهم. وقالَ الفَرّاءُ: ”حاقَ بِهِمْ“ عائِدٌ عَلَيْهِمْ. وقِيلَ: ”حاقَ بِهِمْ“ حَلَّ بِهِمْ ذَلِكَ. وقالَ الزَّجّاجُ: ”حاقَ“ أيْ أحاطَ. قالَ الأزْهَرِيُّ: فَسَّرَ الزَّجّاجُ ”حاقَ“ بِمَعْنى أحاطَ وكانَ مَأْخَذُهُ مِنَ الحَوْقِ وهو ما اسْتَدارَ بِالكَمَرَةِ. وفِي الآيَةِ بَحْثٌ آخَرُ وهو أنَّ لَفْظَةَ ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿ما كانُوا بِهِ﴾ فِيها قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِهِ القُرْآنُ والشَّرْعُ وهو ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ. وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الآيَةُ مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ، والتَّقْدِيرُ فَحاقَ بِهِمْ عِقابُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ أنَّهم كانُوا يَسْتَهْزِءُونَ بِالعَذابِ الَّذِي كانَ يُخَوِّفُهُمُ الرَّسُولُ بِنُزُولِهِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا حاجَةَ إلى هَذا الإضْمارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب