الباحث القرآني

ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ حُكْمَ الفَيْءِ فَقالَ: ﴿ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنكم وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: لَمْ يَدْخُلِ العاطِفُ عَلى هَذِهِ الجُمْلَةِ لِأنَّها بَيانٌ لِلْأوْلى فَهي مِنها وغَيْرُ أجْنَبِيَّةٍ عَنْها، واعْلَمْ أنَّهم أجْمَعُوا عَلى أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولِذِي القُرْبى﴾ بَنُو هاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ. قالَ الواحِدِيُّ: كانَ الفَيْءُ في زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَقْسُومًا عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، أرْبَعَةٌ مِنها لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً، وكانَ الخُمْسُ الباقِي يُقَسَّمُ عَلى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ مِنها لِرَسُولِ اللَّهِ أيْضًا، والأسْهُمُ الأرْبَعَةُ لِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ، وأمّا بَعْدُ وفاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَلِلشّافِعِيِّ فِيما كانَ مِنَ الفَيْءِ لِرَسُولِ اللَّهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ المُرْصَدِينَ لِلْقِتالِ في الثُّغُورِ لِأنَّهم قامُوا مَقامَ رَسُولِ اللَّهِ في رِباطِ الثُّغُورِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ يُصْرَفُ إلى مَصالِحِ المُسْلِمِينَ مِن سَدِّ الثُّغُورِ وحَفْرِ الأنْهارِ وبِناءِ القَناطِرِ، يُبْدَأُ بِالأهَمِّ فالأهَمِّ، هَذا في الأرْبَعَةِ أخْماسٍ الَّتِي كانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأمّا السَّهْمُ الَّذِي كانَ لَهُ مِن خُمْسِ الفَيْءِ فَإنَّهُ لِمَصالِحِ المُسْلِمِينَ بِلا خِلافٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِياءِ مِنكُمْ﴾ فِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأوْلى: قالَ المُبَرِّدُ: الدُّولَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يَتَداوَلُهُ القَوْمُ بَيْنَهم يَكُونُ كَذا مَرَّةً وكَذا مَرَّةً، والدَّوْلَةُ بِالفَتْحِ انْتِقالُ حالٍ سارَّةٍ إلى قَوْمٍ عَنْ قَوْمٍ، فالدُّولَةُ بِالضَّمِّ اسْمُ ما يُتَداوَلُ، وبِالفَتْحِ مَصْدَرٌ مِن هَذا، ويُسْتَعْمَلُ في الحالَةِ السّارَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ لِلْإنْسانِ، فَيُقالُ: هَذِهِ دُولَةُ فُلانٍ أيْ تَداوَلُهُ، فالدُّولَةُ اسْمٌ لِما يُتَداوَلُ مِنَ المالِ، والدُّولَةُ اسْمٌ لِما يَنْتَقِلُ مِنَ الحالِ، ومَعْنى الآيَةِ كَيْ لا يَكُونَ الفَيْءُ الَّذِي حَقُّهُ أنْ يُعْطى لِلْفُقَراءِ؛ لِيَكُونَ لَهم بُلْغَةً يَعِيشُونَ بِها واقِعًا في يَدِ الأغْنِياءِ ودُولَةً لَهم. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ: ”دُولَةً“ و”دَوْلَةً“ بِفَتْحِ الدّالِ وضَمِّها. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ: ”دُولَةٌ“ مَرْفُوعَةُ الدّالِ والهاءِ، قالَ أبُو الفَتْحِ: يَكُونُ هَهُنا هي التّامَّةُ كَقَوْلِهِ: ﴿وإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٠] يَعْنِي كَيْ لا يَقَعَ دُولَةً جاهِلِيَّةً. ثُمَّ قالَ: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ يَعْنِي ما أعْطاكُمُ الرَّسُولُ مِنَ الفَيْءِ (p-٢٤٩)فَخُذُوهُ فَهو لَكم حَلالٌ، وما نَهاكم عَنْ أخْذِهِ فانْتَهُوا ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في أمْرِ الفَيْءِ ﴿إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ عَلى ما نَهاكم عَنْهُ الرَّسُولُ، والأجْوَدُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ عامَّةً في كُلِّ ما آتى رَسُولَ اللَّهِ ونَهى عَنْهُ، وأمْرُ الفَيْءِ داخِلٌ في عُمُومِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب