ثُمَّ قالَ: ﴿فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأوْلى: قالَ مُقاتِلٌ: فَكانَ عاقِبَةُ المُنافِقِينَ واليَهُودِ مِثْلَ عاقِبَةِ الشَّيْطانِ والإنْسانِ حَيْثُ صارا إلى النّارِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ ”خالِدانِ فِيها“ عَلى أنَّهُ خَبَرُ ”أنَّ“، و”في النّارِ“ لَغْوٌ، وعَلى القِراءَةِ المَشْهُورَةِ الخَبَرُ هو الظَّرْفُ، و”خالِدَيْنِ فِيها“ حالٌ، وقُرِئَ: ”عاقِبَتُهُما“ بِالرَّفْعِ. ثُمَّ قالَ: ﴿وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ أيِ المُشْرِكِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] .
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى رَجَعَ إلى مَوْعِظَةِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ . الغَدُ: يَوْمُ القِيامَةِ، سَمّاهُ بِاليَوْمِ الَّذِي يَلِي يَوْمَكَ تَقْرِيبًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّفْسَ والغَدَ عَلى سَبِيلِ التَّنْكِيرِ. أمّا الفائِدَةُ في تَنْكِيرِ النَّفْسِ فاسْتِقْلالُ الأنْفُسِ الَّتِي تَنْظُرُ فِيما قَدَّمَتْ لِلْآخِرَةِ؛ كَأنَّهُ قالَ: فَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ واحِدَةٌ في ذَلِكَ، وأمّا تَنْكِيرُ الغَدِ فَلِتَعْظِيمِهِ وإبْهامِ أمْرِهِ، كَأنَّهُ قِيلَ: الغَدُ لا يُعْرَفُ كُنْهُهُ لِعِظَمِهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ كَرَّرَ الأمْرَ بِالتَّقْوى تَأْكِيدًا، أوْ يُحْمَلُ الأوَّلُ عَلى أداءِ الواجِباتِ، والثّانِي عَلى تَرْكِ المَعاصِي.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهُمْ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ المُقاتِلانِ: نَسُوا حَقَّ اللَّهِ فَجَعَلَهم ناسِينَ حَقَّ أنْفُسِهِمْ حَتّى لَمْ يَسْعَوْا لَها بِما يَنْفَعُهم عِنْدَهُ.
الثّانِي: ﴿فَأنْساهم أنْفُسَهُمْ﴾ أيْ: أراهم يَوْمَ القِيامَةِ مِنَ الأهْوالِ ما نَسُوا فِيهِ أنْفُسَهم، كَقَوْلِهِ: ﴿لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهم وأفْئِدَتُهُمْ﴾ ﴿وتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بِسُكارى﴾ [الحج: ٢] .
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ والمَقْصُودُ مِنهُ الذَّمُّ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا أرْشَدَ المُؤْمِنِينَ إلى ما هو مَصْلَحَتُهم يَوْمَ القِيامَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨] وهَدَّدَ الكافِرِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهُمْ﴾ بَيَّنَ الفَرْقَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ فَقالَ:
{"ayahs_start":17,"ayahs":["فَكَانَ عَـٰقِبَتَهُمَاۤ أَنَّهُمَا فِی ٱلنَّارِ خَـٰلِدَیۡنِ فِیهَاۚ وَذَ ٰلِكَ جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلظَّـٰلِمِینَ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ","وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ","لَا یَسۡتَوِیۤ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِۚ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَنَّةِ هُمُ ٱلۡفَاۤىِٕزُونَ"],"ayah":"وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ نَسُوا۟ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}