الباحث القرآني

قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ”ألَمْ تَرَ“ أيْ ألَمْ تَعْلَمْ ؟ وأقُولُ: هَذا حَقٌّ؛ لِأنَّ كَوْنَهُ تَعالى عالِمًا بِالأشْياءِ لا يُرى، ولَكِنَّهُ مَعْلُومٌ بِواسِطَةِ الدَّلائِلِ، وإنَّما أُطْلِقَ لَفْظُ الرُّؤْيَةِ عَلى هَذا العِلْمِ؛ لِأنَّ الدَّلِيلَ عَلى كَوْنِهِ عالِمًا هو أنَّ أفْعالَهُ مُحْكَمَةٌ مُتْقَنَةٌ مُنْتَسِقَةٌ مُنْتَظِمَةٌ، وكُلُّ مَن كانَتْ أفْعالُهُ كَذَلِكَ فَهو عالِمٌ. أمّا المُقَدِّمَةُ الأُولى: فَمَحْسُوسَةٌ مُشاهَدَةٌ في عَجائِبِ السَّماواتِ والأرْضِ، وتَرْكِيباتِ النَّباتِ والحَيَوانِ. أمّا المُقَدِّمَةُ الثّانِيَةُ: فَبَدِيهِيَّةٌ، ولَمّا كانَ الدَّلِيلُ الدّالُّ عَلى كَوْنِهِ تَعالى كَذَلِكَ ظاهِرًا لا جَرَمَ بَلَغَ هَذا العِلْمُ والِاسْتِدْلالُ إلى أعْلى دَرَجاتِ الظُّهُورِ والجَلاءِ، صارَ جارِيًا مَجْرى المَحْسُوسِ المُشاهَدِ، فَلِذَلِكَ أطْلَقَ لَفْظَ الرُّؤْيَةِ فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ وأمّا أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، فَلِأنَّ عِلْمَهُ عِلْمٌ قَدِيمٌ، فَلَوْ تَعَلَّقَ بِالبَعْضِ دُونَ البَعْضِ مِن أنَّ جَمِيعَ المَعْلُوماتِ مُشْتَرِكَةٌ في صِحَّةِ المَعْلُومِيَّةِ لافْتَقَرَ ذَلِكَ العِلْمُ في ذَلِكَ التَّخْصِيصِ إلى مُخَصِّصٍ، وهو عَلى اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، فَلا جَرَمَ وجَبَ كَوْنُهُ تَعالى عالِمًا بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ. واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ قالَ: ﴿يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ ولَمْ يَقُلْ: يَعْلَمُ ما في الأرْضِ وما في السَّماواتِ. وفي رِعايَةِ هَذا التَّرْتِيبِ سِرٌّ عَجِيبٌ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى خَصَّ ما يَكُونُ مِنَ العِبادِ مِنَ النَّجْوى فَقالَ: (p-٢٣٠)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب