الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأنْساهم ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ألا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ . قالَ الزَّجّاجُ: اسْتَحْوَذَ في اللُّغَةِ اسْتَوْلى، يُقالُ: حاوَذْتُ الإبِلَ، وحُذْتُها إذا اسْتَوْلَيْتَ عَلَيْها وجَمَعْتَها، قالَ المُبَرِّدُ: اسْتَحْوَذَ عَلى الشَّيْءِ: حَواهُ وأحاطَ بِهِ. وقالَتْ عائِشَةُ في حَقِّ عُمَرَ: كانَ أحْوَذِيًّا، أيْ سائِسًا ضابِطًا لِلْأُمُورِ، وهو أحَدُ ما جاءَ عَلى الأصْلِ نَحْوَ: اسْتَصْوَبَ واسْتَنْوَقَ، أيْ مَلَكَهُمُ الشَّيْطانُ واسْتَوْلى عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قالَ: ﴿فَأنْساهم ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ألا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ واحْتَجَّ القاضِي بِهِ في خَلْقِ الأعْمالِ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: ذَلِكَ النِّسْيانُ لَوْ حَصَلَ بِخَلْقِ اللَّهِ لَكانَتْ إضافَتُها إلى الشَّيْطانِ كَذِبًا. والثّانِي: لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ لَكانُوا كالمُؤْمِنِينَ في كَوْنِهِمْ حِزْبَ اللَّهِ لا حِزْبَ الشَّيْطانِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحادُّونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولَئِكَ في الأذَلِّينَ﴾ ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أيْ في جُمْلَةِ مَن هو أذَلُّ خَلْقِ اللَّهِ؛ لِأنَّ ذُلَّ أحَدِ الخَصْمَيْنِ عَلى حَسَبِ عِزِّ الخَصْمِ الثّانِي، فَلَمّا كانَتْ عِزَّةُ اللَّهِ غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ، كانَتْ ذِلَّةُ مَن يُنازِعُهُ غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ أيْضًا، ولَمّا شَرَحَ ذُلَّهم، بَيَّنَ عِزَّ المُؤْمِنِينَ (p-٢٤٠)فَقالَ: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: ”أنا ورُسُلِيَ“ بِفَتْحِ الياءِ، والباقُونَ لا يُحَرِّكُونَ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: التَّحْرِيكُ والإسْكانُ جَمِيعًا جائِزانِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: غَلَبَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ بِالحُجَّةِ مُفاضَلَةٌ، إلّا أنَّ مِنهم مَن ضَمَّ إلى الغَلَبَةِ بِالحُجَّةِ الغَلَبَةَ بِالسَّيْفِ، ومِنهم مَن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ﴾ عَلى نُصْرَةِ أنْبِيائِهِ: ﴿عَزِيزٌ﴾ غالِبٌ لا يَدْفَعُهُ أحَدٌ عَنْ مُرادِهِ؛ لِأنَّ كُلَّ ما سِواهُ مُمْكِنُ الوُجُودِ لِذاتِهِ، والواجِبُ لِذاتِهِ يَكُونُ غالِبًا لِلْمُمْكِنِ لِذاتِهِ، قالَ مُقاتِلٌ: إنَّ المُسْلِمِينَ قالُوا: إنّا لَنَرْجُو أنْ يُظْهِرَنا اللَّهُ عَلى فارِسَ والرُّومِ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أتَظُنُّونَ أنَّ فارِسَ والرُّومَ كَبَعْضِ القُرى الَّتِي غَلَبْتُمُوهم، كَلّا واللَّهِ إنَّهم أكْثَرُ جَمْعًا وعُدَّةً، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب