الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإذا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إذا قِيلَ لَكُمُ: ارْتَفِعُوا فارْتَفِعُوا، واللَّفْظُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أحَدُها: إذا قِيلَ لَكم: قُومُوا لِلتَّوْسِعَةِ عَلى الدّاخِلِ فَقُومُوا. وثانِيها: إذا قِيلَ: قُومُوا مِن عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ولا تُطَوِّلُوا في الكَلامِ؛ فَقُومُوا ولا تَرْكُزُوا مَعَهُ، كَما قالَ: ﴿ولا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذَلِكم كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ. وثالِثُها: إذا قِيلَ لَكم: قُومُوا إلى الصَّلاةِ والجِهادِ وأعْمالِ الخَيْرِ، وتَأهَّبُوا لَهُ، فاشْتَغِلُوا بِهِ وتَأهَّبُوا لَهُ، ولا تَتَثاقَلُوا فِيهِ، قالَ الضَّحّاكُ وابْنُ زَيْدٍ: إنَّ قَوْمًا تَثاقَلُوا عَنِ الصَّلاةِ، فَأُمِرُوا بِالقِيامِ لَها إذا نُودِيَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ: ”انْشِزُوا“ بِكَسْرِ الشِّينِ وبِضَمِّها، وهُما لُغَتانِ مِثْلُ: يَعْكِفُونَ ويَعْكُفُونَ ويَعْرِشُونَ ويَعْرُشُونَ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا نَهاهم أوَّلًا عَنْ بَعْضِ الأشْياءِ، ثُمَّ أمَرَهم ثانِيًا بِبَعْضِ الأشْياءِ -وعَدَهم عَلى الطّاعاتِ، فَقالَ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ﴾ أيْ يَرْفَعُ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ بِامْتِثالِ أوامِرِ رَسُولِهِ، والعالِمِينَ مِنهم خاصَّةً دَرَجاتٍ، ثُمَّ في المُرادِ مِن هَذِهِ الرِّفْعَةِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: وهو القَوْلُ النّادِرُ أنَّ المُرادَ بِهِ الرِّفْعَةُ في مَجْلِسِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ. والثّانِي: وهو القَوْلُ المَشْهُورُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ الرِّفْعَةُ في دَرَجاتِ الثَّوابِ ومَراتِبِ الرِّضْوانِ. واعْلَمْ أنّا أطْنَبْنا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها﴾ [البقرة: ٣١] في فَضِيلَةِ العِلْمِ، وقالَ القاضِي: لا شُبْهَةَ أنَّ عِلْمَ العالِمِ يَقْتَضِي لِطاعَتِهِ مِنَ المَنزِلَةِ ما لا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ؛ ولِذَلِكَ فَإنَّهُ يُقْتَدى بِالعالِمِ في كُلِّ أفْعالِهِ، ولا يُقْتَدى بِغَيْرِ العالِمِ؛ لِأنَّهُ يَعْلَمُ مِن كَيْفِيَّةِ الِاحْتِرازِ عَنِ الحَرامِ والشُّبَهاتِ ومُحاسَبَةِ النَّفْسِ ما لا يَعْرِفُهُ الغَيْرُ، ويَعْلَمُ مِن كَيْفِيَّةِ الخُشُوعِ والتَّذَلُّلِ في العِبادَةِ ما لا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، ويَعْلَمُ مِن كَيْفِيَّةِ التَّوْبَةِ وأوْقاتِها وصِفاتِها ما لا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ، ويَتَحَفَّظُ فِيما يَلْزَمُهُ مِنَ الحُقُوقِ ما لا يَتَحَفَّظُ مِنهُ غَيْرُهُ، وفي الوُجُوهِ كَثْرَةٌ، لَكِنَّهُ كَما تَعْظُمُ مَنزِلَةُ أفْعالِهِ مِنَ الطّاعاتِ في دَرَجَةِ الثَّوابِ، فَكَذَلِكَ يَعْظُمُ عِقابُهُ فِيما يَأْتِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ؛ لِمَكانِ عِلْمِهِ، حَتّى لا يَمْتَنِعَ في كَثِيرٍ مِن صَغائِرِ غَيْرِهِ أنْ يَكُونَ كَبِيرًا مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب