الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ وهو مُفَسَّرٌ في الأعْرافِ والمَقْصُودُ مِنهُ دَلائِلُ القُدْرَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَعْلَمُ ما يَلِجُ في الأرْضِ وما يَخْرُجُ مِنها وما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وما يَعْرُجُ فِيها﴾ وهو مُفَسَّرٌ في سَبَأٍ، والمَقْصُودُ مِنهُ كَمالُ العِلْمِ، وإنَّما قَدَّمَ وصْفَ القُدْرَةِ عَلى وصْفِ العِلْمِ؛ لِأنَّ العِلْمَ بِكَوْنِهِ تَعالى قادِرًا قَبْلَ العِلْمِ بِكَوْنِهِ تَعالى عالِمًا، ولِذَلِكَ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ إلى أنَّ أوَّلَ العِلْمِ بِاللَّهِ، هو العِلْمُ بِكَوْنِهِ قادِرًا، وذَهَبَ آخَرُونَ إلى أنَّ أوَّلَ العِلْمِ بِاللَّهِ هو العِلْمُ بِكَوْنِهِ مُؤَثِّرًا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالعِلْمُ بِكَوْنِهِ قادِرًا مُتَقَدِّمٌ عَلى العِلْمِ بِكَوْنِهِ عالِمًا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أنَّ كُلَّ ما عَدا الواجِبِ الحَقِّ فَهو مُمْكِنٌ، وكُلُّ مُمْكِنٍ فَوُجُودُهُ مِنَ الواجِبِ، فَإذَنْ وصُولُ الماهِيَّةِ المُمْكِنَةِ إلى وُجُودِها بِواسِطَةِ إفادَةِ الواجِبِ الحَقِّ ذَلِكَ الوُجُودَ لِتِلْكَ الماهِيَّةِ فالحَقُّ سُبْحانَهُ هو المُتَوَسِّطُ بَيْنَ كُلِّ ماهِيَّةٍ وبَيْنَ وُجُودِها، فَهو إلى كُلِّ ماهِيَّةٍ أقْرَبُ مِن وُجُودِ تِلْكَ الماهِيَّةِ، ومِن هَذا السِّرِّ قالَ المُحَقِّقُونَ: ما رَأيْتُ شَيْئًا إلّا ورَأيْتُ اللَّهَ قَبْلَهُ، وقالَ المُتَوَسِّطُونَ: ما رَأيْتُ شَيْئًا إلّا ورَأيْتُ اللَّهَ مَعَهُ، وقالَ الظّاهِرِيُّونَ: ما رَأيْتُ شَيْئًا إلّا ورَأيْتُ اللَّهَ بَعْدَهُ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الدَّقائِقَ الَّتِي أظْهَرْناها في هَذِهِ المَواضِعِ لَها دَرَجَتانِ: إحْداهُما: أنْ يَصِلَ الإنْسانُ إلَيْها بِمُقْتَضى الفِكْرَةِ والرَّوِيَّةِ والتَّأمُّلِ والتَّدَبُّرِ. والدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ: أنْ تَتَّفِقَ لِنَفْسِ الإنْسانِ قُوَّةٌ ذَوْقِيَّةٌ وحالَةٌ وِجْدانِيَّةٌ لا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْها، وتَكُونُ نِسْبَةُ الإدْراكِ مَعَ الذَّوْقِ إلى الإدْراكِ لا مَعَ الذَّوْقِ، كَنِسْبَةِ مَن يَأْكُلُ السُّكَّرَ إلى مَن يَصِفُ حَلاوَتَهُ بِلِسانِهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ المُتَكَلِّمُونَ: هَذِهِ المَعِيَّةُ إمّا بِالعِلْمِ وإمّا بِالحِفْظِ والحِراسَةِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدِ انْعَقَدَ الإجْماعُ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ لَيْسَ مَعَنا بِالمَكانِ والجِهَةِ والحَيِّزِ، فَإذَنْ قَوْلُهُ: ﴿وهُوَ مَعَكُمْ﴾ لا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ وإذا جَوَّزْنا التَّأْوِيلَ في مَوْضِعٍ وجَبَ تَجْوِيزُهُ في سائِرِ المَواضِعِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اعْلَمْ أنَّ في هَذِهِ الآياتِ تَرْتِيبًا عَجِيبًا، وذَلِكَ لِأنَّهُ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ﴾ [الحديد: ٣] كَوْنَهُ إلَهًا لِجَمِيعِ المُمْكِناتِ والكائِناتِ، ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ إلَهًا لِلْعَرْشِ والسَّماواتِ والأرَضِينَ. ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ مَعِيَّتَهُ لَنا بِسَبَبِ القُدْرَةِ والإيجادِ والتَّكْوِينِ وبِسَبَبِ العِلْمِ وهو كَوْنُهُ عالَمًا بِظَواهِرِنا وبَواطِنِنا، فَتَأمَّلْ في كَيْفِيَّةِ هَذا التَّرْتِيبِ، ثُمَّ تَأمَّلْ في ألْفاظِ هَذِهِ الآياتِ فَإنَّ فِيها أسْرارًا عَجِيبَةً وتَنْبِيهاتٍ عَلى أُمُورٍ عالِيَةٍ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ یَعۡلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا یَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعۡرُجُ فِیهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ","لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ","یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِۚ وَهُوَ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"],"ayah":"لَّهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











