الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ ومَن يَتَوَلَّ فَإنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: في الآيَةِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّ هَذا بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ﴾ كَأنَّهُ قالَ: لا يُحِبُّ المُخْتالَ ولا يُحِبُّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، يُرِيدُ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ الفَرَحَ المُطْغِي، فَإذا رُزِقُوا مالًا وحَظًّا مِنَ الدُّنْيا فَلِحُبِّهِمْ لَهُ وعِزَّتِهِ عِنْدَهم يَبْخَلُونَ بِهِ، ولا يَكْفِيهِمْ أنَّهم بَخِلُوا بِهِ، بَلْ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالبُخْلِ بِهِ، وكُلُّ ذَلِكَ نَتِيجَةُ فَرَحِهِمْ عِنْدَ إصابَتِهِ، ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ومَن يَتَوَلَّ﴾ عَنْ أوامِرِ اللَّهِ ونَواهِيهِ ولَمْ يَنْتَهِ عَمّا نَهى عَنْهُ مِنَ الأسى عَلى الفائِتِ والفَرِحِ بِالآتِي، فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ. القَوْلُ الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ كَلامٌ مُسْتَأْنَفٌ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِما قَبْلَهُ، وهو في صِفَةُ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ وبَخِلُوا بِبَيانِ نَعْتِهِ، وهو مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿ومَن يَتَوَلَّ فَإنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ وحَذْفُ الخَبَرِ كَثِيرٌ في القُرْآنِ كَقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ﴾ [الرَّعْدِ: ٣١] . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: ”فَإنَّ اللَّهَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ“، وحَذَفُوا لَفْظَ ”هو“ وكَذَلِكَ هو في مَصاحِفِ أهْلِ المَدِينَةِ والشَّأْمِ، وقَرَأ الباقُونَ: ﴿هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ قالَ أبُو عَلِيٍّ: يَنْبَغِي أنَّ ”هُوَ“ في هَذِهِ الآيَةِ فَصْلًا لا مُبْتَدَأً؛ لِأنَّ الفَصْلَ حَذْفُهُ أسْهَلُ، ألا تَرى أنَّهُ لا مَوْضِعَ لِلْفَصْلِ مِنَ الإعْرابِ، وقَدْ يُحْذَفُ فَلا يُخِلُّ بِالمَعْنى كَقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَرَنِي أنا أقَلَّ مِنكَ مالًا ووَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] . المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ مَعْناهُ أنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ، فَلا يَعُودُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ بِبُخْلِ ذَلِكَ البَخِيلِ، وقَوْلُهُ: ﴿الحَمِيدُ﴾ كَأنَّهُ جَوابٌ عَنِ السُّؤالِ يُذْكَرُ هَهُنا، فَإنَّهُ يُقالُ: لَمّا كانَ تَعالى عالِمًا بِأنَّهُ يَبْخَلُ بِذَلِكَ المالِ ولا يَصْرِفُهُ إلى وُجُوهِ الطّاعاتِ، فَلِمَ أعْطاهُ ذَلِكَ المالَ ؟ فَأجابَ بِأنَّهُ تَعالى حَمِيدٌ في ذَلِكَ الإعْطاءِ، ومُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ حَيْثُ فَتَحَ عَلَيْهِ أبْوابَ رَحْمَتِهِ ونِعْمَتِهِ، فَإنْ قَصَّرَ العَبْدُ في الطّاعَةِ فَإنَّ وبالَهُ عائِدٌ إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب