الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ﴿يَوْمَ تَرى﴾ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ولَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أوْ مَنصُوبٌ بِـ”اذْكُرْ“ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ اليَوْمِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُرادُ مِن هَذا اليَوْمِ هو يَوْمُ المُحاسَبَةِ، واخْتَلَفُوا في هَذا النُّورِ عَلى وُجُوهٍ:
أحَدُها: قالَ قَوْمٌ: المُرادُ نَفْسُ النُّورِ عَلى ما رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ”«أنَّ كُلَّ مُثابٍ فَإنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ النُّورُ عَلى قَدْرِ عَمَلِهِ وثَوابِهِ في العِظَمِ والصِّغَرِ» “ فَعَلى هَذا مَراتِبُ الأنْوارِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنهم مَن يُضِيءُ لَهُ نُورٌ كَما بَيْنَ عَدَنَ إلى صَنْعاءَ، ومِنهم مَن نُورُهُ مِثْلُ الجَبَلِ، ومِنهم مَن لا يُضِيءُ لَهُ نُورٌ إلّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، وأدْناهم نُورًا مَن يَكُونُ نُورُهُ عَلى إبْهامِهِ يَنْطَفِئُ مَرَّةً ويَتَّقِدُ أُخْرى، وهَذا القَوْلُ مَنقُولٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وقَتادَةَ وغَيْرِهِما، وقالَ مُجاهِدٌ: ما مِن عَبْدٍ إلّا ويُنادى يَوْمَ القِيامَةِ: يا فُلانُ ها نُورُكَ، ويا فُلانُ لا نُورَ لَكَ، نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنهُ، واعْلَمْ أنّا بَيَّنّا في سُورَةِ النُّورِ أنَّ النُّورَ الحَقِيقِيَّ هو اللَّهُ تَعالى، وأنَّ نُورَ العِلْمِ الَّذِي هو نُورُ البَصِيرَةِ أوْلى بِكَوْنِهِ نُورًا مِن نُورِ البَصَرِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ أنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ هي النُّورُ في القِيامَةِ، فَمَقادِيرُ الأنْوارِ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى حَسَبِ مَقادِيرِ المَعارِفِ في الدُّنْيا.
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنَ النُّورِ ما يَكُونُ سَبَبًا لِلنَّجاةِ، وإنَّما قالَ: ﴿بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ﴾ لِأنَّ السُّعَداءَ يُؤْتَوْنَ صَحائِفَ أعْمالِهِمْ مِن هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ، كَما أنَّ الأشْقِياءَ يُؤْتَوْنَها مِن شَمائِلِهِمْ ووَراءِ ظُهُورِهِمْ.
القَوْلُ الثّالِثُ: المُرادُ بِهَذا النُّورِ الهِدايَةُ إلى الجَنَّةِ، كَما يُقالُ: لَيْسَ لِهَذا الأمْرِ نُورٌ، إذا لَمْ يَكُنِ المَقْصُودُ حاصِلًا، ويُقالُ: هَذا الأمْرُ لَهُ نُورٌ ورَوْنَقٌ، إذا كانَ المَقْصُودُ حاصِلًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَرَأ سَهْلُ بْنُ شُعَيْبٍ ”وبِإيمانِهِمْ“ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، والمَعْنى: يَسْعى نُورُهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِإيمانِهِمْ حَصَلَ ذَلِكَ السَّعْيُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ [الحج: ١٠] أيْ ذَلِكَ كائِنٌ بِذَلِكَ.
* *
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿بُشْراكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: حَقِيقَةُ البِشارَةِ ذَكَرْناها في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥] ثُمَّ قالُوا: تَقْدِيرُ (p-١٩٥)الآيَةِ: وتَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةُ: بُشْراكُمُ اليَوْمَ، كَما قالَ: ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ﴾ ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرعد: ٢٣ - ٢٤] .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ لا يَنالُهم أهْوالُ يَوْمِ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّ هَذِهِ صِفَتُهم يَوْمَ القِيامَةِ مِن غَيْرِ تَخْصِيصٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: احْتَجَّ الكَعْبِيُّ عَلى أنَّ الفاسِقَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، فَقالَ: لَوْ كانَ مُؤْمِنًا لَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ البِشارَةِ، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَقَطَعَ بِأنَّهُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ولَمّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ثَبَتَ أنَّهُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ. والجَوابُ: أنَّ الفاسِقَ قاطِعٌ بِأنَّهُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ؛ لِأنَّهُ إمّا أنْ لا يَدْخُلَ النّارَ أوْ إنْ دَخَلَها لَكِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنها وسَيَدْخُلُ الجَنَّةَ ويَبْقى فِيها أبَدَ الآبادِ، فَهو إذًا قاطِعٌ بِأنَّهُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فَسَقَطَ هَذا الِاسْتِدْلالُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ عائِدٌ إلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ وهو النُّورُ والبُشْرى بِالجَنّاتِ المُخَلَّدَةِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قُرِئَ: ”ذَلِكَ الفَوْزُ“، بِإسْقاطِ كَلِمَةِ: هو.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ حالَ المُؤْمِنِينَ في مَوْقِفِ القِيامَةِ أتْبَعَ ذَلِكَ بِشَرْحِ حالِ المُنافِقِينَ.
فَقالَ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ والمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكم قِيلَ ارْجِعُوا وراءَكم فالتَمِسُوا نُورًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ”يَوْمَ يَقُولُ“ بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ تَرى﴾، أوْ هو أيْضًا مَنصُوبٌ بِـ”اذْكُرْ“ تَقْدِيرًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ: ”أنْظِرُونا“ مَكْسُورَةَ الظّاءِ، والباقُونَ: ”انْظُرُوا“، قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: لَفْظُ النَّظَرِ يُسْتَعْمَلُ عَلى ضُرُوبٍ:
أحَدُها: أنْ تُرِيدَ بِهِ: نَظَرْتُ إلى الشَّيْءِ، فَيُحْذَفُ الجارُّ ويُوصَلُ الفِعْلُ، كَما أنْشَدَ أبُو الحَسَنِ:
؎ظاهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرْنَ كَما يَنْظُرُ الأراكَ الظِّباءُ
والمَعْنى يَنْظُرْنَ إلى الأراكِ.
وثانِيها: أنْ تُرِيدَ بِهِ تَأمَّلْتُ وتَدَبَّرْتُ، ومِنهُ قَوْلُكَ: اذْهَبْ فانْظُرْ زَيْدًا أيُؤْمِنُ ؟ فَهَذا يُرادُ بِهِ التَّأمُّلُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ﴾ [الإسراء: ٤٨]، ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلى اللَّهِ الكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠]، ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٢١] قالَ: وقَدْ يَتَعَدّى هَذا بِإلى كَقَوْلِهِ: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧] وهَذا نَصٌّ عَلى التَّأمُّلِ، وبَيِّنٌ وجْهُ الحِكْمَةِ فِيهِ، وقَدْ يَتَعَدّى بِفي، كَقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، ﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أنْفُسِهِمْ﴾ .
وثالِثُها: أنْ يُرادَ بِالنَّظَرِ الرُّؤْيَةُ كَما في قَوْلِهِ:
؎ولَمّا بَدا حَوْرانُ والآلُ دُونَهُ ∗∗∗ نَظَرْتَ فَلَمْ تَنْظُرْ بِعَيْنِكَ مَنظَرًا
والمَعْنى نَظَرْتَ، فَلَمْ تَرَ بِعَيْنِكَ مَنظَرًا تَعْرِفُهُ في الآلِ، قالَ: إلّا أنَّ هَذا عَلى سَبِيلِ المَجازِ؛ لِأنَّهُ دَلَّتِ الدَّلائِلُ عَلى أنَّ النَّظَرَ عِبارَةٌ عَنْ تَقَلُّبِ الحَدَقَةِ نَحْوَ المَرْئِيِّ التِماسًا لِرُؤْيَتِهِ، فَلَمّا كانَتِ الرُّؤْيَةُ مِن تَوابِعِ النَّظَرِ ولَوازِمِهِ غالِبًا أجْرى عَلى الرُّؤْيَةِ لَفْظَ النَّظَرِ عَلى سَبِيلِ إطْلاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلى المُسَبِّبِ، قالَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: نَظَرْتَ فَلَمْ تَنْظُرْ، كَما يُقالُ: تَكَلَّمْتَ وما تَكَلَّمْتَ، أيْ ما تَكَلَّمْتَ بِكَلامٍ مُفِيدٍ، فَكَذا هُنا نَظَرْتَ وما نَظَرْتَ (p-١٩٦)نَظَرًا مُفِيدًا.
ورابِعُها: أنْ يَكُونَ النَّظَرُ بِمَعْنى الِانْتِظارِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إناهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] أيْ غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ إدْراكَهُ وبُلُوغَهُ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يَكُونُ نَظَرْتُ مَعْناهُ انْتَظَرْتُ، ومَجِيءُ فَعَلْتَ وافْتَعَلْتَ بِمَعْنًى واحِدٍ كَثِيرٌ، كَقَوْلِهِمْ: شَوَيْتُ واشْتَوَيْتُ، وحَقَرْتُ واحْتَقَرْتُ، إذا عَرَفْتَ هَذا فَقَوْلُهُ: ﴿انْظُرُونا﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: انْظُرُونا، أيِ انْتَظِرُونا؛ لِأنَّهُ يُسْرَعُ بِالمُؤْمِنِينَ إلى الجَنَّةِ كالبُرُوقِ الخاطِفَةِ، والمُنافِقُونَ مُشاةٌ.
والثّانِي: انْظُرُونا أيِ انْظُرُوا إلَيْنا؛ لِأنَّهم إذا نَظَرُوا إلَيْهِمُ اسْتَقْبَلُوهم بِوُجُوهِهِمْ، والنُّورُ بَيْنَ أيْدِيهِمْ، فَيَسْتَضِيئُونَ بِهِ، وأمّا قِراءَةُ”أنْظِرُونا“ مَكْسُورَةَ الظّاءِ فَهي مِنَ النَّظِرَةِ والإمْهالِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: ١٤] وأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإنْظارِ المُعْسِرِ، والمَعْنى أنَّهُ جَعَلَ اتِّئادَهم في المَشْيِ إلى أنْ يَلْحَقُوا بِهِمْ إنْظارًا لَهم.
واعْلَمْ أنَّ أبا عُبَيْدَةَ والأخْفَشَ كانا يَطْعَنانِ في صِحَّةِ هَذِهِ القِراءَةِ، وقَدْ ظَهَرَ الآنَ وجْهُ صِحَّتِها.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اعْلَمْ أنَّ الِاحْتِمالاتِ في هَذا البابِ ثَلاثَةٌ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ النّاسُ كُلُّهم في الظُّلُماتِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يُعْطِي المُؤْمِنِينَ هَذِهِ الأنْوارَ، والمُنافِقُونَ يَطْلُبُونَها مِنهم.
وثانِيها: أنْ تَكُونَ النّاسُ كُلُّهم في الأنْوارِ، ثُمَّ إنَّ المُؤْمِنِينَ يَكُونُونَ في الجَنّاتِ فَيَمُرُّونَ سَرِيعًا، والمُنافِقُونَ يَبْقَوْنَ وراءَهم فَيَطْلُبُونَ مِنهُمُ الِانْتِظارَ.
وثالِثُها: أنْ يَكُونَ المُؤْمِنُونَ في النُّورِ والمُنافِقُونَ في الظُّلُماتِ، ثُمَّ المُنافِقُونَ يَطْلُبُونَ النُّورَ مَعَ المُؤْمِنِينَ، وقَدْ ذَهَبَ إلى كُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الِاحْتِمالاتِ قَوْمٌ، فَإنْ كانَتْ هَذِهِ الحالَةُ إنَّما تَقَعُ عِنْدَ المَوْقِفِ، فالمُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿انْظُرُونا﴾ انْظُرُوا إلَيْنا؛ لِأنَّهم إذا نَظَرُوا إلَيْهِمْ، فَقَدْ أقْبَلُوا عَلَيْهِمْ، ومَتى أقْبَلُوا عَلَيْهِمْ وكانَتْ أنْوارُهم مِن قُدّامِهِمُ اسْتَضاءُوا بِتِلْكَ الأنْوارِ، وإنْ كانَتْ هَذِهِ الحالَةُ إنَّما تَقَعُ عِنْدَ مَسِيرِ المُؤْمِنِينَ إلى الجَنَّةِ، كانَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿انْظُرُونا﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هو الِانْتِظارَ وأنْ يَكُونَ النَّظَرَ إلَيْهِمْ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: القَبَسُ: الشُّعْلَةُ مِنَ النّارِ أوِ السِّراجِ، والمُنافِقُونَ طَمِعُوا في شَيْءٍ مِن أنْوارِ المُؤْمِنِينَ أنْ يَقْتَبِسُوهُ كاقْتِباسِ نِيرانِ الدُّنْيا وهو مِنهم جَهْلٌ؛ لِأنَّ تِلْكَ الأنْوارَ نَتائِجُ الأعْمالِ الصّالِحَةِ في الدُّنْيا، فَلَمّا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الأعْمالُ في الدُّنْيا امْتَنَعَ حُصُولُ تِلْكَ الأنْوارِ في الآخِرَةِ. قالَ الحَسَنُ: يُعْطى يَوْمَ القِيامَةِ كُلُّ أحَدٍ نُورًا عَلى قَدْرِ عَمَلِهِ، ثُمَّ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِن حَرِّ جَهَنَّمَ ومِمّا فِيهِ مِنَ الكَلالِيبِ والحَسَكِ ويُلْقى عَلى الطَّرِيقِ، فَتَمْضِي زُمْرَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ وُجُوهُهم كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ تَمْضِي زُمْرَةٌ أُخْرى كَأضْواءِ الكَواكِبِ في السَّماءِ، ثُمَّ عَلى ذَلِكَ تَغْشاهم ظُلْمَةٌ فَتُطْفِئُ نُورَ المُنافِقِينَ، فَهُنالِكَ يَقُولُ المُنافِقُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ كَقَبَسِ النّارِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: ذَكَرُوا في المُرادِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وراءَكم فالتَمِسُوا نُورًا﴾ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّ المُرادَ مِنهُ: ارْجِعُوا إلى دارِ الدُّنْيا فالتَمِسُوا هَذِهِ الأنْوارَ هُنالِكَ، فَإنَّ هَذِهِ الأنْوارَ إنَّما تَتَوَلَّدُ مِنَ اكْتِسابِ المَعارِفِ الإلَهِيَّةِ، والأخْلاقِ الفاضِلَةِ، والتَّنَزُّهِ عَنِ الجَهْلِ والأخْلاقِ الذَّمِيمَةِ، والمُرادُ مِن ضَرْبِ السُّورِ هو امْتِناعُ العَوْدِ إلى الدُّنْيا.
وثانِيها: قالَ أبُو أُمامَةَ: النّاسُ يَكُونُونَ في ظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، ثُمَّ المُؤْمِنُونَ يُعْطَوْنَ الأنْوارَ، فَإذا أسْرَعَ المُؤْمِنُ في الذَّهابِ قالَ المُنافِقُ: ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ فَيُقالُ لَهُمُ: ﴿ارْجِعُوا وراءَكم فالتَمِسُوا نُورًا﴾ قالَ: وهي خُدْعَةٌ خُدِعَ بِها المُنافِقُونَ، كَما قالَ: ﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ وهو خادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] فَيَرْجِعُونَ إلى المَكانِ الَّذِي قُسِّمَ فِيهِ النُّورُ فَلا يَجِدُونَ شَيْئًا، فَيَنْصَرِفُونَ إلَيْهِمْ فَيَجِدُونَ السُّورَ مَضْرُوبًا (p-١٩٧)بَيْنَهم وبَيْنَ المُؤْمِنِينَ.
وثالِثُها: قالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُرادُ مِن قَوْلِ المُؤْمِنِينَ: ﴿ارْجِعُوا﴾ مَنعُ المُنافِقِينَ عَنِ الِاسْتِضاءَةِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِمَن يُرِيدُ القُرْبَ مِنهُ: وراءَكَ أُوَسِّعُ لَكَ، فَعَلى هَذا القَوْلِ المَقْصُودُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ارْجِعُوا﴾ أنْ يَقْطَعُوا بِأنَّهُ لا سَبِيلَ لَهم إلى وِجْدانِ هَذا المَطْلُوبِ البَتَّةَ، لا أنَّهُ أمْرٌ لَهم بِالرُّجُوعِ.
{"ayah":"یَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَسۡعَىٰ نُورُهُم بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡیَوۡمَ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق