الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إذا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا﴾ ﴿وبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا﴾ ﴿فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ أيْ كانَتِ الأرْضُ كَثِيبًا مُرْتَفِعًا والجِبالُ مَهِيلًا مُنْبَسِطًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا﴾ كَقَوْلِهِ تَعالى في وصْفِ الجِبالِ: ﴿كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ فائِدَةِ ذِكْرِ المَصْدَرِ وهي أنَّهُ يُفِيدُ أنَّ الفِعْلَ كانَ قَوْلًا مُعْتَبَرًا ولَمْ يَكُنْ شَيْئًا لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، ويُقالُ فِيهِ: إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإذا قالَ القائِلُ: ضَرَبْتُهُ ضَرْبًا مُعْتَبَرًا لا يَقُولُ القائِلُ فِيهِ: لَيْسَ بِضَرْبٍ مُحْتَقِرًا لَهُ كَما يُقالُ: هَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ، والعامِلُ في: ﴿إذا رُجَّتِ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أحَدُها: أنْ يَكُونَ إذا رُجَّتِ بَدَلًا عَنْ إذا وقَعَتْ فَيَكُونُ العامِلُ فِيها ما ذَكَرْنا مِن قَبْلُ. ثانِيها: أنْ يَكُونَ العامِلُ في: ﴿إذا وقَعَتِ﴾ هو قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِها﴾ والعامِلُ في: ﴿إذا رُجَّتِ﴾ هو قَوْلُهُ: ﴿خافِضَةٌ رافِعَةٌ﴾ تَقْدِيرُهُ تُخْفَضُ الواقِعَةُ وتُرْفَعُ وقْتَ رَجِّ الأرْضِ وبَسِّ الجِبالِ، والفاءُ لِلتَّرْتِيبِ الزَّمانِيِّ؛ لِأنَّ الأرْضَ ما لَمْ تَتَحَرَّكْ والجِبالَ ما لَمْ تَنْبَسَّ لا تَكُونُ هَباءً مُنْبَثًّا، والبَسُّ التَّقْلِيبُ، والهَباءُ هو الهَواءُ المُخْتَلِطُ بِأجْزاءٍ أرْضِيَّةٍ تَظْهَرُ في خَيالِ الشَّمْسِ إذا وقَعَ شُعاعُها في كُوَّةٍ، وقالَ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ بَيْنَ الحُرُوفِ والمَعانِي مُناسَبَةً إنَّ الهَواءَ إذا خالَطَهُ أجْزاءٌ ثَقِيلَةٌ أرْضِيَّةٌ ثَقُلَ مِن لَفْظِهِ حَرْفٌ فَأُبْدِلَتِ الواوُ الخَفِيفَةُ بِالباءِ الَّتِي لا يُنْطَقُ بِها إلّا بِإطْباقِ الشَّفَتَيْنِ بِقُوَّةٍ ما أوْ في الباءِ ثِقَلٌ ما.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب