الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ وقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى الفُرُشِ، ونَذْكُرُ وجْهًا آخَرَ فِيها إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وأمّا المَرْفُوعَةُ فَفِيها ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: مَرْفُوعَةُ القَدْرِ يُقالُ: ثَوْبٌ رَفِيعٌ أيِ عَزِيزٌ مُرْتَفِعُ القَدْرِ والثَّمَنِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها﴾ [الرحمن: ٥٤] .
وثانِيها: مَرْفُوعَةٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ.
ثالِثُها: مَرْفُوعَةٌ فَوْقَ السَّرِيرِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً﴾ ﴿فَجَعَلْناهُنَّ أبْكارًا﴾ ﴿عُرُبًا أتْرابًا﴾ ﴿لِأصْحابِ اليَمِينِ﴾ وفي الإنْشاءِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الضَّمِيرُ في: ﴿أنْشَأْناهُنَّ﴾ عائِدٌ إلى مَن ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: إلى (حُورٍ عِينٍ) وهو بَعِيدٌ لِبُعْدِهِنَّ ووُقُوعِهِنَّ في قِصَّةٍ أُخْرى.
ثانِيها: أنَّ المُرادَ مِنَ الفُرُشِ النِّساءُ والضَّمِيرُ عائِدٌ إلَيْهِنَّ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]، ويُقالُ لِلْجارِيَةِ صارَتْ فِراشًا وإذا صارَتْ فِراشًا رُفِعَ قَدْرُها بِالنِّسْبَةِ إلى جارِيَةٍ لَمْ تَصِرْ فِراشًا، وهو أقْرَبُ مِنَ الأوَّلِ لَكِنْ يَبْعُدُ ظاهِرًا؛ لِأنَّ وصْفَها بِالمَرْفُوعَةِ يُنْبِئُ عَنْ خِلافِ ذَلِكَ.
وثالِثُها: أنَّهُ عائِدٌ إلى مَعْلُومٍ دَلَّ عَلَيْهِ فُرُشٌ؛ لِأنَّهُ قَدْ عُلِمَ في الدُّنْيا وفي مَواضِعَ مِن ذِكْرِ الآخِرَةِ، أنَّ في الفُرُشِ حَظايا تَقْدِيرُهُ: وفي فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ حَظايا مُنْشَآتٌ، وهو مِثْلُ ما ذُكِرَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ [الصافات: ٤٨] و﴿مَقْصُوراتٌ﴾ [الرحمن: ٧٢] فَهو تَعالى أقامَ الصِّفَةَ مُقامَ المَوْصُوفِ ولَمْ يَذْكُرْ نِساءَ الآخِرَةِ بِلَفْظٍ حَقِيقِيٍّ أصْلًا وإنَّما عَرَّفَهُنَّ بِأوْصافِهِنَّ ولِباسِهِنَّ إشارَةً إلى صَوْنِهِنَّ وتَخَدُّرِهِنَّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْشَأْناهُنَّ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ الحُورَ فَيَكُونَ المُرادُ الإنْشاءَ الَّذِي هو الِابْتِداءُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بَناتِ آدَمَ فَيَكُونَ الإنْشاءُ بِمَعْنى إحْياءِ الإعادَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أبْكارًا﴾ يَدُلُّ عَلى الثّانِي؛ لِأنَّ الإنْشاءَ لَوْ كانَ بِمَعْنى الِابْتِداءِ لَعُلِمَ مِن كَوْنِهِنَّ أبْكارًا مِن غَيْرِ حاجَةٍ إلى بَيانٍ ولَمّا كانَ المُرادُ إحْياءَ بَناتِ آدَمَ قالَ: ﴿أبْكارًا﴾ أيْ نَجْعَلُهُنَّ أبْكارًا وإنْ مِتْنَ ثَيِّباتٍ، فَإنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الوَصْفَ بَعْدَها لا يَكُونُ مِن غَيْرِها إذا كُنَّ أزْواجَهم بَيِّنُ الفائِدَةِ؛ لِأنَّ البِكْرَ في الدُّنْيا لا تَكُونُ عارِفَةً بِلَذَّةِ الزَّوْجِ فَلا تَرْضى بِأنْ تَتَزَوَّجَ مِن رَجُلٍ لا تَعْرِفُهُ وتَخْتارُ التَّزْوِيجَ بِأقْرانِها ومَعارِفِها، لَكِنَّ أهْلَ الجَنَّةِ إذا لَمْ يَكُنَّ مِن جِنْسِ أبْناءِ آدَمَ وتَكُونُ الواحِدَةُ مِنهُنَّ بِكْرًا لَمْ تَرَ زَوْجًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ جِنْسِها فَرُبَّما يُتَوَهَّمُ مِنها سُوءُ عِشْرَةٍ فَقالَ: ﴿أبْكارًا﴾ فَلا يُوجَدُ فِيهِنَّ ما يُوجَدُ في أبْكارِ الدُّنْيا.
الثّانِي: المُرادُ ”أبْكارًا“ بَكارَةً تُخالِفُ بَكارَةَ الدُّنْيا، فَإنَّ البَكارَةَ لا تَعُودُ إلّا عَلى بُعْدٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتْرابًا﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: مُسْتَوِياتٌ في السِّنِّ فَلا تَفْضُلُ إحْداهُنَّ عَلى الأُخْرى بِصِغَرٍ ولا كِبَرٍ كُلُّهُنَّ خُلِقْنَ في زَمانٍ واحِدٍ، ولا يَلْحَقُهُنَّ عَجْزٌ ولا زَمانَةٌ ولا تَغَيُّرُ لَوْنٍ، وعَلى هَذا إنْ كُنَّ مِن بَناتِ آدَمَ فاللَّفْظُ فِيهِنَّ حَقِيقَةٌ، وإنْ كُنَّ مِن غَيْرِهِنَّ فَمَعْناهُ ما كَبِرْنَ؛ سُمِّينَ بِهِ لِأنَّ كُلًّا مِنهُنَّ تُمَسُّ وقْتَ مَسِّ الأُخْرى لَكِنْ نُسِيَ الأصْلُ، وجُعِلَ عِبارَةً عَنْ ذَلِكَ كاللَّذَّةِ لِلْمُتَساوِيَيْنِ مِنَ العُقَلاءِ، فَأطْلَقَ عَلى حُورِ (p-١٤٦)الجَنَّةِ أتْرابًا.
ثانِيها: أتْرابًا مُتَماثِلاتٍ في النَّظَرِ إلَيْهِنَّ كالأتْرابِ سَواءٌ وُجِدْنَ في زَمانٍ أوْ في أزْمِنَةٍ، والظّاهِرُ أنَّهُ في أزْمِنَةٍ؛ لِأنَّ المُؤْمِنَ إذا عَمِلَ عَمَلًا صالِحًا خُلِقَ لَهُ مِنهُنَّ ما شاءَ اللَّهُ.
ثالِثُها: أتْرابًا لِأصْحابِ اليَمِينِ، أيْ عَلى سِنِّهِمْ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى الِاتِّفاقِ؛ لِأنَّ أحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذا كانَ أكْبَرَ مِنَ الآخَرِ فالشّابُّ يُعَيِّرُهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنْ قِيلَ ما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلْناهُنَّ﴾ ؟ نَقُولُ: فائِدَتُهُ ظاهِرَةٌ تَتَبَيَّنُ بِالنَّظَرِ إلى اللّامِ في: ﴿لِأصْحابِ اليَمِينِ﴾ فَنَقُولُ: إنْ كانَتِ اللّامُ مُتَعَلِّقَةً بِـ ”أتْرابًا“ يَكُونُ مَعْناهُ: ﴿أنْشَأْناهُنَّ﴾ وهَذا لا يَجُوزُ وإنْ كانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِـ ”أنْشَأْناهُنَّ“ يَكُونُ مَعْناهُ أنْشَأْناهُنَّ لِأصْحابِ اليَمِينِ والإنْشاءُ حالَ كَوْنِهِنَّ أبْكارًا وأتْرابًا فَلا يَتَعَلَّقُ الإنْشاءُ بِالأبْكارِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَوْنُهُنَّ أبْكارًا بِالإنْشاءِ؛ لِأنَّ الفِعْلَ لا يُؤَثِّرُ في الحالِ تَأْثِيرًا واجِبًا، فَنَقُولُ: صَرْفُهُ لِلْإنْشاءِ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ الإنْشاءَ كانَ بِفِعْلٍ فَيَكُونُ الإنْعامُ عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ إنْشائِهِنَّ لِأصْحابِ اليَمِينِ: ﴿فَجَعَلْناهُنَّ أبْكارًا﴾ لِيَكُونَ تَرْتِيبُ المُسَبَّبِ عَلى السَّبَبِ فاقْتَضى ذَلِكَ كَوْنَهُنَّ أبْكارًا، وأمّا إنْ كانَ الإنْشاءُ أوَّلًا مِن غَيْرِ مُباشَرَةٍ لِلْأزْواجِ ما كانَ يَقْتَضِي جَعْلَهُنَّ أبْكارًا فالفاءُ لِتَرْتِيبِ المُقْتَضى عَلى المُقْتَضِي.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَفُرُشࣲ مَّرۡفُوعَةٍ","إِنَّاۤ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَاۤءࣰ","فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا","عُرُبًا أَتۡرَابࣰا","لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ"],"ayah":"فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق