الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: عَرَّفَ النَّعِيمَ بِاللّامِ هَهُنا وقالَ في آخِرِ السُّورَةِ: ﴿فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة: ٨٩] بِدُونِ اللّامِ، والمَذْكُورُ في آخِرِ السُّورَةِ هو واحِدٌ مِنَ السّابِقِينَ فَلَهُ جَنَّةٌ مِن هَذِهِ الجَنّاتِ وهَذِهِ مُعَرَّفَةٌ بِالإضافَةِ إلى المَعْرِفَةِ، وتِلْكَ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ فَما الفَرْقُ بَيْنَهُما ؟ فَنَقُولُ: الفَرْقُ لَفْظِيٌّ ومَعْنَوِيٌّ: فاللَّفْظِيُّ هو أنَّ السّابِقِينَ مُعَرَّفُونَ بِاللّامِ المُسْتَغْرِقَةِ لِجِنْسِهِمْ، فَجَعَلَ مَوْضِعَ المُعَرَّفَيْنِ مُعَرَّفًا، وأمّا هُناكَ فَهو غَيْرُ مُعَرَّفٍ، لِأنَّ قَوْلَهُ: إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ أيْ إنْ كانَ فَرْدًا مِنهم فَجَعَلَ مَوْضِعَهُ غَيْرَ مُعَرَّفٍ مَعَ جَوازِ أنْ يَكُونَ الشَّخْصُ مُعَرَّفًا (p-١٢٩)ومَوْضِعُهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ، كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وعُيُونٍ﴾ [الذاريات: ١٥] و﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَهَرٍ﴾ [القمر: ٥٤] وبِالعَكْسِ أيْضًا، وأمّا المَعْنَوِيُّ: فَنَقُولُ: عِنْدَ ذِكْرِ الجَمْعِ جَمَعَ الجَنّاتِ في سائِرِ المَواضِعِ فَقالَ تَعالى: ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ﴾ وقالَ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ ﴿فِي جَنّاتِ﴾ لَكِنِ السّابِقُونَ نَوْعٌ مِنَ المُتَّقِينَ، وفي المُتَّقِينَ غَيْرُ السّابِقِينَ أيْضًا، ثُمَّ إنَّ السّابِقِينَ لَهم مَنازِلُ لَيْسَ فَوْقَها مَنازِلُ، فَهي صارَتْ مَعْرُوفَةً لِكَوْنِها في غايَةِ العُلُوِّ، أوْ لِأنَّها لا أحَدَ فَوْقَها، وأمّا باقِي المُتَّقِينَ فَلِكُلِّ واحِدٍ مَرْتَبَةٌ، وفَوْقَها مَرْتَبَةٌ فَهم في جَنّاتٍ مُتَناسِبَةٍ في المَنزِلَةِ لا يَجْمَعُها صُقْعٌ واحِدٌ لِاخْتِلافِ مَنازِلِهِمْ، وجَنّاتُ السّابِقِينَ عَلى حَدٍّ واحِدٍ في أعْلى عِلِّيِّينَ يَعْرِفُها كُلُّ أحَدٍ، وأمّا الواحِدُ مِنهم فَإنَّ مَنزِلَتَهُ بَيْنَ المَنازِلِ، ولا يَعْرِفُ كُلُّ أحَدٍ أنَّهُ لِفُلانٍ السّابِقِ فَلَمْ يَعْرِفْها، وأمّا مَنازِلُهم فَيَعْرِفُها كُلُّ أحَدٍ، ويَعْلَمُ أنَّها لِلسّابِقِينَ، ولَمْ يَعْرِفِ الَّذِي لِلْمُتَّقِينَ عَلى وجْهِ كَذا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إضافَةُ الجَنَّةِ إلى النَّعِيمِ مِن أيِّ الأنْواعِ ؟ نَقُولُ: إضافَةُ المَكانِ إلى ما يَقَعُ في المَكانِ، يُقالُ: دارُ الضِّيافَةِ، ودارُ الدَّعْوَةِ، ودارُ العَدْلِ، فَكَذَلِكَ جَنَّةُ النَّعِيمِ، وفائِدَتُها أنَّ الجَنَّةَ في الدُّنْيا قَدْ تَكُونُ لِلنَّعِيمِ، وقَدْ تَكُونُ لِلِاشْتِغالِ والتَّعَيُّشِ بِأثْمانِ ثِمارِها، بِخِلافِ الجَنَّةِ في الآخِرَةِ فَإنَّها لِلنَّعِيمِ لا غَيْرُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾، يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا واحِدًا، أمّا الأوَّلُ فَتَقْدِيرُهُ: أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ كائِنُونَ في جَنّاتٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿ذُو العَرْشِ المَجِيدُ﴾ ﴿فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦]، وأمّا الثّانِي فَتَقْدِيرُهُ:هُمُ المُقَرَّبُونَ في الجَنّاتِ مِنَ اللَّهِ كَما يُقالُ: هو المُخْتارُ عِنْدَ المَلِكِ في هَذِهِ البَلْدَةِ، وعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ فائِدَتُهُ بَيانُ تَنْعِيمِ جِسْمِهِمْ، وكَرامَةِ نَفْسِهِمْ فَهم مُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ، فَهم في غايَةِ اللَّذَّةِ وفي جَنّاتٍ، فَجِسْمُهم في غايَةِ النَّعِيمِ، بِخِلافِ المُقَرَّبِينَ عِنْدَ المُلُوكِ، فَإنَّهم يَلْتَذُّونَ بِالقُرْبِ لَكِنْ لا يَكُونُ لِجِسْمِهِمْ راحَةٌ، بَلْ يَكُونُونَ في تَعَبٍ مِنَ الوُقُوفِ وقَضاءِ الأشْغالِ، ولِهَذا قالَ: ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلى جَنّاتٍ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي فائِدَتُهُ التَّمْيِيزُ عَنِ المَلائِكَةِ، فَإنَّ المُقَرَّبِينَ في يَوْمِنا هَذا في السَّماواتِ هُمُ المَلائِكَةُ، والسّابِقُونَ المُقَرَّبُونَ في الجَنَّةِ فَيَكُونُ المُقَرَّبُونَ في غَيْرِها هُمُ المَلائِكَةُ، وفِيهِ لَطِيفَةٌ: وهي أنَّ قُرْبَ المَلائِكَةِ قُرْبُ الخَواصِّ عِنْدَ المَلِكِ الَّذِينَ هم لِلْأشْغالِ، فَهم لَيْسُوا في نَعِيمٍ، وإنْ كانُوا في لَذَّةٍ عَظِيمَةٍ ولا يَزالُونَ مُشْفِقِينَ قائِمِينَ بِبابِ اللَّهِ يَرِدُ عَلَيْهِمُ الأمْرُ ولا يَرْتَفِعُ عَنْهُمُ التَّكْلِيفُ، والسّابِقُونَ لَهم قُرْبٌ عِنْدِ اللَّهِ، كَما يَكُونُ لِجُلَساءِ المُلُوكِ، فَهم لا يَكُونُ بِيَدِهِمْ شُغْلٌ ولا يَرِدُ عَلَيْهِمْ أمْرٌ، فَيَلْتَذُّونَ بِالقُرْبِ، ويَتَنَعَّمُونَ بِالرّاحَةِ.
{"ayah":"فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











