الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في إعْرابِهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: ﴿والسّابِقُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى ”أصْحابِ المَيْمَنَةِ“ وعِنْدَهُ تَمَّ الكَلامُ، وقَوْلُهُ: ﴿السّابِقُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ﴾ جُمْلَةٌ واحِدَةٌ، كَما يَقُولُ القائِلُ: أنْتَ أنْتَ. وكَما قالَ الشّاعِرُ:
؎أنا أبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْرِي
وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ لِشُهْرَةِ أمْرِ المُبْتَدَأِ بِما هو عَلَيْهِ فَلا حاجَةَ إلى الخَبَرِ عَنْهُ، وهو مُرادُ الشّاعِرِ وهو المَشْهُورُ عِنْدَ النُّحاةِ. والثّانِي: لِلْإشارَةِ إلى أنَّ في المُبْتَدَأِ ما لا يُحِيطُ العِلْمُ بِهِ ولا يُخْبَرُ عَنْهُ ولا يُعْرَفُ مِنهُ إلّا نَفْسُ المُبْتَدَأِ، وهو كَما يَقُولُ القائِلُ لِغَيْرِهِ: أخْبِرْنِي عَنْ حالِ المَلِكِ. فَيَقُولُ: لا أعْرِفُ مِنَ المَلِكِ إلّا أنَّهُ (p-١٢٨)مَلِكٌ. فَقَوْلُهُ: ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ﴾ أيْ لا يُمْكِنُ الإخْبارُ عَنْهم إلّا بِنَفْسِهِمْ، فَإنَّ حالَهم وما هم عَلَيْهِ فَوْقَ أنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمُ البَشَرِ، (وهَهُنا لَطِيفَةٌ): وهي أنَّهُ في أصْحابِ المَيْمَنَةِ قالَ: ﴿ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ بِالِاسْتِفْهامِ وإنْ كانَ لِلْإعْجازِ، لَكِنْ جَعْلَهم مَوْرِدَ الِاسْتِفْهامِ، وهَهُنا لَمْ يَقُلْ: والسّابِقُونَ ما السّابِقُونَ؛ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ الَّذِي لِلْإعْجازِ يُورَدُ عَلى مُدَّعِي العِلْمَ فَيُقالُ لَهُ: إنْ كُنْتَ تَعَلَمُ فَبَيَّنَ الكَلامَ، وأمّا إذا كانَ يَعْتَرِفُ بِالجَهْلِ فَلا يُقالُ لَهُ: كَذَبْتَ ولا يُقالُ: كَيْفَ كَذا، وما الجَوابُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ في: ﴿والسّابِقُونَ﴾ ما جَعَلَهم بِحَيْثُ يَدَّعُونَ، فَيُورَدُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِفْهامُ فَيُبَيِّنُ عَجْزَهم، بَلْ بَنى الأمْرَ عَلى أنَّهم مُعْتَرِفُونَ في الِابْتِداءِ بِالعَجْزِ، وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسّابِقُونَ السّابِقُونَ﴾ كَقَوْلِ العالِمِ لِمَن سَألَ عَنْ مَسْألَةٍ مُعْضِلَةٍ وهو يَعْلَمُ أنَّهُ لا يَفْهَمُها وإنْ كانَ أبانَها غايَةَ الإبانَةِ أنَّ الأمْرَ فِيها عَلى ما هو عَلَيْهِ ولا يَشْتَغِلُ بِالبَيانِ. وثالِثُها: هو أنَّ ”السّابِقُونَ“ ثانِيًا تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: ﴿والسّابِقُونَ﴾ والوَجْهُ الأوْسَطُ هو الأعْدَلُ الأصَحُّ، وعَلى الوَجْهِ الأوْسَطِ قَوْلٌ آخَرُ: وهو أنَّ المُرادَ مِنهُ أنَّ السّابِقِينَ إلى الخَيْراتِ في الدُّنْيا هُمُ السّابِقُونَ إلى الجَنَّةِ في العُقْبى.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ يَقْتَضِي الحَصْرَ فَيَنْبَغِي أنْ لا يَكُونَ غَيْرُهم مُقَرَّبًا، وقَدْ قالَ في حَقِّ المَلائِكَةِ إنَّهم مُقَرَّبُونَ، نَقُولُ: ﴿أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ﴾ مِنَ الأزْواجِ الثَّلاثَةِ، فَإنْ قِيلَ: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ لَيْسُوا مِنَ المُقَرَّبِينَ، نَقُولُ: لِلتَّقْرِيبِ دَرَجاتٌ ﴿والسّابِقُونَ﴾ في غايَةِ القُرْبِ، ولا حَدَّ هُناكَ، ويَحْتَمِلُ وجْهًا آخَرَ، وهو أنْ يُقالَ: المُرادُ السّابِقُونَ مُقَرَّبُونَ مِنَ الجَنّاتِ حالَ كَوْنِ أصْحابِ اليَمِينِ مُتَوَجِّهِينَ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ؛ لِأنَّهُ بِمِقْدارِ ما يُحاسَبُ المُؤْمِنُ حِسابًا يَسِيرًا ويُؤْتى كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، يَكُونُ السّابِقُونَ قَدْ قَرُبُوا مِنَ المَنزِلِ، أوْ قَرَّبَهم إلى اللَّهِ في الجَنَّةِ، وأصَحابُ اليَمِينِ بَعْدُ مُتَوَجِّهُونَ إلى ما وصَلَ إلَيْهِ المُقَرَّبُونَ، ثُمَّ إنَّ السَّيْرَ والِارْتِفاعَ لا يَنْقَطِعُ، فَإنَّ السَّيْرَ في اللَّهِ لا انْقِطاعَ لَهُ، والِارْتِفاعَ لا نِهايَةَ لَهُ، فَكُلَّما تَقَرَّبَ أصْحابُ اليَمِينِ مِن دَرَجَةِ السّابِقِ، يَكُونُ قَدِ انْتَقَلَ هو إلى مَوْضِعٍ أعْلى مِنهُ، فَأُولَئِكَ هُمُ المُقَرَّبُونَ في جَنّاتِ النَّعِيمِ، في أعْلى عِلِّيِّينَ حالَ وُصُولِ أصْحابِ اليَمِينِ إلى الحُورِ العِينِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: بَعْدَ بَيانِ أقْسامِ الأزْواجِ لَمْ يَعُدْ إلى بَيانِ حالِهِمْ عَلى تَرْتِيبِ ذِكْرِهِمْ، بَلْ بَيَّنَ حالَ السّابِقِينَ مَعَ أنَّهُ أخَّرَهم، وأخَّرَ ذِكْرَ أصْحابِ الشِّمالِ مَعَ أنَّهُ قَدَّمَهم أوَّلًا في الذِّكْرِ عَلى السّابِقِينَ، نَقُولُ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الواقِعَةِ قَدَّمَ مَن يَنْفَعُهُ ذِكْرُ الأهْوالِ، وأخَّرَ مَن لا يَخْتَلِفُ حالُهُ بِالخَوْفِ والرَّجاءِ، وأمّا عِنْدَ البَيانِ فَذَكَرَ السّابِقَ لِفَضِيلَتِهِ وفَضِيلَةِ حالِهِ.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ"],"ayah":"وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











