الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يامَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلّا بِسُلْطانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في وجْهِ التَّرْتِيبِ وحُسْنِهِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكم أيُّها الثَّقَلانِ﴾ وبَيَّنّا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُغْلٌ فَكَأنَّ قائِلًا قالَ: فَلِمَ كانَ التَّأْخِيرُ إذا لَمْ يَكُنْ شُغْلٌ هُناكَ مانِعٌ ؟ فَقالَ: المُسْتَعْجِلُ يَسْتَعْجِلُ إمّا لِخَوْفِ فَواتِ الأمْرِ بِالتَّأْخِيرِ، وإمّا لِحاجَةٍ في الحالِ، وإمّا لِمُجَرَّدِ الِاخْتِيارِ والإرادَةِ عَلى وجْهِ التَّأْخِيرِ، وبَيَّنَ عَدَمَ الحاجَةِ مِن قَبْلُ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ لِأنَّ ما يَبْقى بَعْدَ فَناءِ الكُلِّ لا يَحْتاجُ إلى شَيْءٍ، فَبَيَّنَ عَدَمَ الخَوْفِ مِنَ الفَواتِ، وقالَ: لا يَفُوتُونَ ولا يَقْدِرُونَ عَلى الخُرُوجِ مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ، ولَوْ أمْكَنَ خُرُوجُهم عَنْهُما لَما خَرَجُوا عَنْ مُلْكِ اللَّهِ تَعالى، فَهو آخِذُهم أيْنَ كانُوا وكَيْفَ كانُوا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المَعْشَرُ الجَماعَةُ العَظِيمَةُ، وتَحْقِيقُهُ هو أنَّ المَعْشَرَ العَدَدُ الكامِلُ الكَثِيرُ الَّذِي لا عَدَدَ بَعْدَهُ، إلّا بِالِابْتِداءِ فِيهِ حَيْثُ يُعِيدُ الآحادَ ويَقُولُ: أحَدَ عَشَرَ واثْنا عَشَرَ وعِشْرُونَ وثَلاثُونَ، أيْ ثَلاثُ عَشَراتٍ فالمَعْشَرُ كَأنَّهُ مَحَلُّ العَشْرِ الَّذِي هو الكَثْرَةُ الكامِلَةُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: هَذا الخِطابُ في الدُّنْيا أوْ في الآخِرَةِ ؟ نَقُولُ: الظّاهِرُ فِيهِ أنَّهُ في الآخِرَةِ، فَإنَّ الجِنَّ والإنْسَ يُرِيدُونَ الفِرارَ مِنَ العَذابِ فَيَجِدُونَ سَبْعَةَ صُفُوفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُحِيطِينَ بِأقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ، والأوْلى ما ذَكَرْنا أنَّهُ عامٌّ بِمَعْنى لا مَهْرَبَ ولا مَخْرَجَ لَكم عَنْ مُلْكِ اللَّهِ تَعالى، وأيْنَما تَوَلَّيْتُمْ فَثَمَّ مُلْكُ اللَّهِ، وأيْنَما تَكُونُوا أتاكم حُكْمُ اللَّهِ.
(p-١٠٠)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ما الحِكْمَةُ في تَقْدِيمِ الجِنِّ عَلى الإنْسِ هَهُنا وتَقْدِيمِ الإنْسِ عَلى الجِنِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ والجِنُّ عَلى أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] ؟ نَقُولُ: النُّفُوذُ مِن أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ بِالجِنِّ ألْيَقُ إنْ أمْكَنَ، والإتْيانُ بِمِثْلِ القُرْآنِ بِالإنْسِ ألْيَقُ إنْ أمْكَنَ، فَقَدَّمَ في كُلِّ مَوْضِعٍ مَن يُظَنُّ بِهِ القُدْرَةُ عَلى ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: ما مَعْنى: ﴿لا تَنْفُذُونَ إلّا بِسُلْطانٍ﴾ ؟ نَقُولُ: ذَلِكَ يَحْتِمُلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ بَيانًا بِخِلافِ ما تَقَدَّمَ، أيْ ما تَنْفُذُونَ ولا تَنْفُذُونَ إلّا بِقُوَّةٍ ولَيْسَ لَكم قُوَّةٌ عَلى ذَلِكَ.
ثانِيها: أنْ يَكُونَ عَلى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الأمْرِ الأوَّلِ، وبَيانِ أنَّ ذَلِكَ لا يَنْفَعُكم، وتَقْدِيرُهُ ما تَنْفُذُوا وإنْ نَفَذْتُمْ ما تَنْفُذُونَ إلّا ومَعَكم سُلْطانُ اللَّهِ، كَما يَقُولُ: خَرَجَ القَوْمُ بِأهْلِهِمْ أيْ مَعَهم. ثالِثُها: أنَّ المُرادَ مِنَ النُّفُوذِ ما هو المَقْصُودُ مِنهُ ؟ وذَلِكَ لِأنَّ نُفُوذَهم إشارَةٌ إلى طَلَبِ خَلاصِهِمْ فَقالَ: لا تَنْفُذُونَ مِن أقْطارِ السَّماواتِ، ولا تَتَخَلَّصُونَ مِنَ العَذابِ ولا تَجِدُونَ ما تَطْلُبُونَ مِنَ النُّفُوذِ وهو الخَلاصُ مِنَ العَذابِ إلّا بِسُلْطانٍ مِنَ اللَّهِ يُجِيرُكم وإلّا فَلا مُجِيرَ لَكم، كَما تَقُولُ: لا يَنْفَعُكَ البُكاءُ إلّا إذا صَدَقْتَ وتُرِيدُ بِهِ أنَّ الصِّدْقَ وحْدَهُ يَنْفَعُكَ، لا أنَّكَ إنْ صَدَقْتَ فَيَنْفَعُكَ البُكاءُ. رابِعُها: أنَّ هَذا إشارَةٌ إلى تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، ووَجْهُهُ هو كَأنَّهُ تَعالى قالَ: يا أيُّها الغافِلُ لا يُمْكِنُكَ أنْ تَخْرُجَ بِذِهْنِكَ عَنْ أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ فَإذا أنْتَ أبَدًا تُشاهِدُ دَلِيلًا مِن دَلائِلِ الوَحْدانِيَّةِ، ثُمَّ هَبْ أنَّكَ تَنْفُذُ مِن أقْطارِ السَّماواتِ والأرْضِ، فاعْلَمْ أنَّكَ لا تَنْفُذُ إلّا بِسُلْطانٍ تَجِدُهُ خارِجَ السَّماواتِ والأرْضِ قاطِعٍ دالٍّ عَلى وحْدانِيَّتِهِ تَعالى والسُّلْطانُ هو القُوَّةُ الكامِلَةُ.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُوا۟ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُوا۟ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَـٰنࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"],"ayah":"یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُوا۟ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُوا۟ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَـٰنࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق