الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في القِراءاتِ الَّتِي فِيها قُرِئَ يَخْرُجُ مِن خَرَجَ، ويُخْرَجُ بِفَتْحِ الرّاءِ مِن أخْرَجَ، وعَلى الوَجْهَيْنِ فاللُّؤْلُؤُ والمَرْجانِ مَرْفُوعانِ، ويُخْرِجُ بِكَسْرِ الرّاءِ بِمَعْنى يُخْرِجُ اللَّهُ ونُخْرِجُ بِالنُّونِ المَضْمُومَةِ والرّاءِ المَكْسُورَةِ، وعَلى القِراءَتَيْنِ يُنْصَبُ اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ، اللُّؤْلُؤُ كِبارُ الدُّرِّ والمَرْجانُ صِغارُهُ، وقِيلَ: المَرْجانُ هو الحَجَرُ الأحْمَرُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اللُّؤْلُؤُ لا يَخْرُجُ إلّا مِنَ المالِحِ فَكَيْفَ قالَ: ﴿مِنهُما﴾ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ ظاهِرَ كَلامِ اللَّهِ تَعالى أوْلى بِالِاعْتِبارِ مِن كَلامِ بَعْضِ النّاسِ الَّذِي لا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ، ومَن عَلِمَ أنَّ اللُّؤْلُؤَ لا يَخْرُجُ مِنَ الماءِ العَذْبِ ؟ وهَبْ أنَّ الغَوّاصِينَ ما أخْرَجُوهُ إلّا مِنَ المالِحِ وما وجَدُوهُ إلّا فِيهِ، لَكِنْ لا يَلْزَمُ مِن هَذا أنَّ لا يُوجَدَ في الغَيْرِ سَلَّمْنا لِمَ قُلْتُمْ: أنَّ الصَّدَفَ يَخْرُجُ بِأمْرِ اللَّهِ مِنَ الماءِ العَذْبِ إلى الماءِ المالِحِ، وكَيْفَ يُمْكِنُ الجَزْمُ والأُمُورُ الأرْضِيَّةُ الظّاهِرَةُ خَفِيَتْ عَنِ التُّجّارِ الَّذِينَ قَطَعُوا المَفاوِزَ ودارُوا البِلادَ، فَكَيْفَ لا يَخْفى أمْرُ ما في قَعْرِ البَحْرِ عَلَيْهِمْ. ثانِيهِما: أنْ نَقُولَ: إنْ صَحَّ قَوْلُهم في اللُّؤْلُؤِ أنَّهُ لا يَخْرُجُ إلّا مِنَ البَحْرِ المالِحِ فَنَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ الصَّدَفَ لا يَتَوَلَّدُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ إلّا مِنَ المَطَرِ وهو بَحْرُ السَّماءِ.
ثانِيها: أنَّهُ يَتَوَلَّدُ في مُلْتَقاهُما ثُمَّ يَدْخُلُ الصَّدَفَ في المالِحِ عِنْدَ انْعِقادِ الدُّرِّ فِيهِ طالِبًا لِلْمُلُوحَةِ كالمُتَوَحِّمَةِ الَّتِي تَشْتَهِي المُلُوحَةَ أوائِلَ الحَمْلِ فَيَثْقُلُ هُناكَ فَلا يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ في العَذْبِ.
ثالِثُها: أنَّ ما ذَكَرْتُمْ إنَّما كانَ يَرِدُ أنْ لَوْ قالَ: يَخْرُجُ مِن كُلِّ واحِدٍ مِنهُما فَأمّا عَلى قَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما﴾ لا يَرِدُ إذِ الخارِجُ مِن أحَدِهِما مَعَ أنَّ أحَدَهُما مُبْهَمٌ خارِجٌ مِنهُما كَما قالَ تَعالى: ﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نوح: ١٦] يُقالُ: فُلانٌ خَرَجَ مِن بِلادِ كَذا ودَخَلَ في بِلادِ كَذا ولَمْ يَخْرُجْ إلّا مِن مَوْضِعٍ مِن بَيْتٍ مِن مَحَلَّةٍ في بَلْدَةٍ. رابِعُها: أنَّ ”مِن“ لَيْسَتْ لِابْتِداءِ شَيْءٍ كَما يُقالُ: خَرَجْتُ مِنَ الكُوفَةِ بَلْ لِابْتِداءٍ عَقْلِيٍّ كَما يُقالُ: خُلِقَ آدَمُ مِن تُرابٍ، ووُجِدَتِ الرُّوحُ مِن أمْرِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ يَخْرُجُ مِنَ الماءِ أيْ مِنهُ يَتَوَلَّدُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أيُّ نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ في اللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ حَتّى يَذْكُرَهُما اللَّهُ مَعَ نِعْمَةِ تَعَلُّمِ القُرْآنِ وخَلْقِ الإنْسانِ ؟ وفي الجَوابِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنْ نَقُولَ: النِّعَمُ مِنها خَلْقُ الضَّرُورِيّاتِ كالأرْضِ الَّتِي هي مَكانُنا ولَوْلا الأرْضُ لَما أمْكَنَ وُجُودُ التَّمْكِينِ، وكَذَلِكَ الرُّزْقُ الَّذِي بِهِ البَقاءُ ومِنها خَلْقُ المُحْتاجِ إلَيْهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا كَأنْواعِ الحُبُوبِ وإجْراءِ الشَّمْسِ والقَمَرِ، ومِنها النّافِعُ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتاجًا إلَيْهِ كَأنْواعِ الفَواكِهِ وخَلْقِ البِحارِ مِن ذَلِكَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ [البقرة: ١٦٤] ومِنها الزِّينَةُ وإنْ لَمْ يَكُنْ نافِعًا كاللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها﴾ [فاطر: ١٢] فاللَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنْواعَ النِّعَمِ الأرْبَعَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالقُوى الجُسْمانِيَّةِ، وصَدَّرَها بِالقُوَّةِ العَظِيمَةِ الَّتِي هي الرُّوحُ وهي العِلْمُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ . والثّانِي: أنْ نَقُولَ: هَذِهِ بَيانُ عَجائِبِ اللَّهِ تَعالى لا بَيانُ النِّعَمِ، والنِّعَمُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُها هُنا، وذَلِكَ لِأنَّ خَلْقَ الإنْسانِ مِن صَلْصالٍ، وخَلْقَ الجانِّ مِن نارٍ، مِن بابِ العَجائِبِ لا مِن بابِ النِّعَمِ، ولَوْ خَلَقَ اللَّهُ الإنْسانَ مِن أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ لَكانَ إنْعامًا، إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: الأرْكانُ أرْبَعَةٌ، التُّرابُ والماءُ والهَواءُ والنّارُ فاللَّهُ تَعالى (p-٩١)بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ﴾ أنَّ الإنْسانَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ وطِينٍ، وبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿وخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ﴾ أنَّ النّارَ أيْضًا أصْلٌ لِمَخْلُوقٍ عَجِيبٍ، وبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ أنَّ الماءَ أصْلٌ لِمَخْلُوقٍ آخَرَ، كالحَيَوانِ عَجِيبٌ، بَقِيَ الهَواءُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوسٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ أنَّهُ أصْلُ مَخْلُوقٍ بَلْ بَيَّنَ كَوْنَهُ مَنشَأً لِلْجَوارِي في البَحْرِ كالأعْلامِ.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["یَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق