الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَّيْحانُ﴾ اقْتَصَرَ مِنَ الأشْجارِ عَلى النَّخْلِ لِأنَّها أعْظَمُها ودَخَلَ في الحَبِّ القَمْحُ والشَّعِيرُ وكُلُّ حَبٍّ يُقْتاتُ بِهِ خُبْزًا أوْ يُؤْدَمُ بِهِ بَيَّنّا أنَّهُ أخَّرَهُ في الذِّكْرِ عَلى سَبِيلِ الِارْتِقاءِ دَرَجَةً فَدَرَجَةً، فالحُبُوبُ أنْفَعُ مِنَ النَّخْلِ وأعَمُّ وُجُودًا في الأماكِنِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذُو العَصْفِ﴾ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: التِّبْنُ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ دَوابُّنا الَّتِي خُلِقَتْ لَنا.
ثانِيها: أوْراقُ النَّباتِ الَّذِي لَهُ ساقٌ الخارِجَةُ مِن جَوانِبِ السّاقِ كَأوْراقِ السُّنْبُلَةِ مِن أعْلاها إلى أسْفَلِها.
ثالِثُها: العَصْفُ هو ورَقُ ما يُؤْكَلُ فَحَسْبُ، ﴿والرَّيْحانُ﴾ فِيهِ وُجُوهٌ، قِيلَ: ما يُشَمُّ وقِيلَ: الوَرَقُ، وقِيلَ: هو الرَّيْحانُ المَعْرُوفُ عِنْدَنا وبَزْرُهُ يَنْفَعُ في الأدْوِيَةِ، والأظْهَرُ أنَّ رَأْسَها كالزَّهْرِ وهو أصْلُ وُجُودِ المَقْصُودِ، فَإنَّ ذَلِكَ الزَّهْرَ يَتَكَوَّنُ بِذَلِكَ الحَبِّ ويَنْعَقِدُ إلى أنْ يُدْرَكَ فَـ ﴿العَصْفِ﴾ إشارَةٌ إلى ذَلِكَ الوَرَقِ والرَّيْحانُ إلى ذَلِكَ الزَّهْرِ، وإنَّما ذَكَرَهُما لِأنَّهُما يَؤُولانِ إلى المَقْصُودِ مِن أحَدِهِما عَلْفَ الدَّوابِّ، ومِنَ الآخَرِ دَواءَ الإنْسانِ، وقُرِئَ (الرَّيْحانُ) بِالجَرِّ مَعْطُوفًا عَلى العَصْفِ، وبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلى الحَبِّ، وهَذا يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الرَّيْحانِ: المَشْمُومَ فَيَكُونَ أمْرًا مُغايِرًا لِلْحَبِّ فَيُعْطَفَ عَلَيْهِ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذُو الرَّيْحانِ بِحَذْفِ المُضافِ، وإقامَةِ المُضافِ إلَيْهِ مَقامَهُ كَما في: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] وهَذا مُناسِبٌ لِلْمَعْنى الَّذِي ذَكَرْنا، لِيَكُونَ الرَّيْحانُ الَّذِي خَتَمَ بِهِ أنْواعَ النِّعَمِ الأرْضِيَّةِ أعَزَّ وأشْرَفَ، ولَوْ كانَ المُرادُ مِنَ الرَّيْحانِ هو المَعْرُوفَ أوِ المَشْمُوماتِ لَما حَصَلَ ذَلِكَ التَّرْتِيبُ، وقُرِئَ: ”والرَّيْحانِ“ ولا يَقْرَأُ هَذا إلّا مَن يَقْرَأُ: ﴿والحَبُّ ذُو العَصْفِ﴾ ويَعُودُ الوَجْهانِ فِيهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وفِيهِ مَباحِثُ:
الأوَّلُ: الخِطابُ مَعَ مَن ؟ نَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: الإنْسُ والجِنُّ وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: يُقالُ: الأنامُ اسْمٌ لِلْجِنِّ والإنْسِ وقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَعادَ الضَّمِيرُ إلى ما في الأنامِ مِنَ الجِنْسِ.
ثانِيها: الأنامُ اسْمُ (الإنْسانَ) و﴿الجانَّ﴾ لَمّا كانَ مَنوِيًّا وظَهَرَ مِن بَعْدُ بِقَوْلِهِ: ﴿وخَلَقَ الجانَّ﴾ [الرحمن: ١٥] جازَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ، وكَيْفَ لا وقَدْ جازَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلى المَنوِيِّ، وإنْ لَمْ يُذْكَرْ مِنهُ شَيْءٌ، تَقُولُ: لا أدْرِي أيَّهُما خَيْرٌ مِن زَيْدٍ وعَمْرٍو.
ثالِثُها: أنْ يَكُونَ المُخاطَبُ في النِّيَّةِ لا في اللَّفْظِ كَأنَّهُ قالَ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ أيُّها الثَّقَلانِ.
الثّانِي: الذَّكَرُ والأُنْثى. فَعادَ الضَّمِيرُ إلَيْهِما والخِطابُ مَعَهُما.
الثّالِثُ: فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تُكَذِّبُ، فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تُكَذِّبُ، بِلَفْظٍ واحِدٍ والمُرادُ التَّكْرارُ لِلتَّأْكِيدِ.
الرّابِعُ: المُرادُ العُمُومُ، لَكِنَّ العامَّ يَدْخُلُ فِيهِ قِسْمانِ بِهِما يَنْحَصِرُ الكُلُّ ولا يَبْقى شَيْءٌ مِنَ العامِّ خارِجًا عَنْهُ. فَإنَّكَ إذا قُلْتَ: إنَّهُ تَعالى خَلَقَ مَن يَعْقِلُ ومَن لا يَعْقِلُ، أوْ قُلْتَ: اللَّهُ يَعْلَمُ ما ظَهَرَ وما لَمْ يَظْهَرْ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّقاسِيمِ الحاصِرَةِ يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ، فَكَأنَّهُ قالَ: يا أيُّها القِسْمانِ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ واعْلَمْ أنَّ التَّقْسِيمَ الحاصِرَ لا يَخْرُجُ عَنْ أمْرَيْنِ أصْلًا ولا يَحْصُلُ الحَصْرُ إلّا بِهِما، فَإنْ زادَ فَهُناكَ قِسْمانِ قَدْ طُوِيَ أحَدُهُما في الآخَرِ، مِثالُهُ إذا قُلْتَ: اللَّوْنُ إمّا سَوادٌ وإمّا بَياضٌ، وإمّا حُمْرَةٌ وإمّا صُفْرَةٌ وإمّا غَيْرُها، فَكَأنَّكَ قُلْتَ: اللَّوْنُ إمّا أسْوَدُ وإمّا لَيْسَ بِسَوادٍ أوْ إمّا بَياضٌ وإمّا لَيْسَ بِبَياضٍ، ثُمَّ الَّذِي لَيْسَ بِبَياضٍ إمّا حُمْرَةٌ وإمّا لَيْسَ بِحُمْرَةٍ وكَذَلِكَ إلى جُمْلَةِ التَّقْسِيماتِ، فَأشارَ إلى القِسْمَيْنِ الحاصِرَيْنِ عَلى أنْ لَيْسَ لِأحَدٍ ولا لِشَيْءٍ أنْ يُنْكِرَ نِعَمَ اللَّهِ.
الخامِسُ: التَّكْذِيبُ قَدْ يَكُونُ بِالقَلْبِ دُونَ اللِّسانِ، كَما في المُنافِقِينَ، وقَدْ يَكُونُ بِاللِّسانِ دُونَ القَلْبِ كَما في المُعانِدِينَ، وقَدْ يَكُونُ بِهِما جَمِيعًا، فالكَذِبُ لا يَخْرُجُ عَنْ أنْ يَكُونَ بِاللِّسانِ أوْ (p-٨٥)بِالقَلْبِ فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: يا أيُّها القَلْبُ واللِّسانُ فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإنَّ النِّعَمَ بَلَغَتْ حَدًّا لا يُمْكِنُ المُعانِدُ أنْ يَسْتَمِرَّ عَلى تَكْذِيبِها.
السّادِسُ: المُكَذِّبُ مُكَذِّبٌ بِالرَّسُولِ والدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ الَّتِي بِالقُرْآنِ، ومُكَذِّبٌ بِالعَقْلِ والبَراهِينِ والَّتِي في الآفاقِ والأنْفُسِ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: يا أيُّها المُكَذِّبانِ بِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، وقَدْ ظَهَرَتْ آياتُ الرِّسالَةِ فَإنَّ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾، وآياتُ الوَحْدانِيَّةِ فَإنَّهُ تَعالى خَلَقَ الإنْسانَ وعَلَّمَهُ البَيانَ، ورَفَعَ السَّماءَ ووَضَعَ الأرْضَ.
السّابِعُ: المُكَذِّبُ قَدْ يَكُونُ مُكَذِّبًا بِالفِعْلِ وقَدْ يَكُونُ التَّكْذِيبُ مِنهُ غَيْرَ واقِعٍ بَعْدُ، لَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ، فاللَّهُ تَعالى قالَ: يا أيُّها المُكَذِّبُ تَكْذِبُ وتَتَلَبَّسُ بِالكَذِبِ، ويَخْتَلِجُ في صَدْرِكَ أنَّكَ تَكْذِبُ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ . وهَذِهِ الوُجُوهُ قَرِيبَةٌ بَعْضُها مِن بَعْضٍ. والظّاهِرُ مِنها الثَّقَلانِ، لِذِكْرِهِما في الآياتِ مِن هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنَفْرُغُ لَكم أيُّها الثَّقَلانِ﴾ [الرحمن: ٣١]، وبِقَوْلِهِ: ﴿يامَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ [الرحمن: ٣٣] وبِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ﴾ ﴿وخَلَقَ الجانَّ﴾ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، (والزَّوْجانِ) لِوُرُودِهِ في القُرْآنِ كَثِيرًا والتَّعْمِيمُ بِإرادَةِ نَوْعَيْنِ حاصِرَيْنِ لِلْجَمِيعِ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: التَّعْمِيمُ أوْلى لِأنَّ المُرادَ لَوْ كانَ الإنْسُ والجِنُّ اللَّذّانِ خاطَبَهُما بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ما كانَ يَقُولُ بَعْدَ خَلْقِ الإنْسانِ، بَلْ كانَ يُخاطِبُ ويَقُولُ: خَلَقْناكَ يا أيُّها الإنْسانُ ﴿مِن صَلْصالٍ﴾ وخَلَقْناكَ يا أيُّها الجانُّ أوْ يَقُولُ: خَلَقَكَ يا أيُّها الإنْسانُ لِأنَّ الكَلامَ صارَ خِطابًا مَعَهُما، ولَمّا قالَ الإنْسانُ، دَلَّ عَلى أنَّ المُخاطَبَ غَيْرُهُ وهو العُمُومُ فَيَصِيرُ كَأنَّهُ قالَ: يا أيُّها الخَلْقُ والسّامِعُونَ إنّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ، وخَلَقْنا الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ. وسَيَأْتِي باقِي البَيانِ في مَواضِعَ مِن تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
الثّانِي: ما الحِكْمَةُ في الخِطابِ ولَمْ يَسْبِقْ ذِكْرُ مُخاطَبٍ، نَقُولُ: هو مِن بابِ الِالتِفاتِ إذْ مَبْنى افْتِتاحِ السُّورَةِ عَلى الخِطابِ مَعَ كُلِّ مَن يَسْمَعُ، فَكَأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ قالَ: اسْمَعُوا أيُّها السّامِعُونَ، والخِطابُ لِلتَّقْرِيعِ والزَّجْرِ كَأنَّهُ تَعالى نَبَّهَ الغافِلَ المُكَذِّبَ عَلى أنَّهُ يَفْرِضُ نَفْسَهُ كالواقِفِ بَيْنَ يَدَيِ رَبِّهِ يَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: أنْعَمْتُ عَلَيْكَ بِكَذا وكَذا، ثُمَّ يَقُولُ: فَبِأيِّ آلائِي تُكَذِّبُ ولا شَكَّ أنَّهُ عِنْدَ هَذا يَسْتَحِي اسْتِحْياءً لا يَكُونُ عِنْدَهُ فَرْضُ الغَيْبَةِ.
الثّالِثُ: ما الفائِدَةُ في اخْتِيارِ لَفْظَةِ الرَّبِّ وإذا خاطَبَ أرادَ خِطابَ الواحِدِ فَلِمَ قالَ: ﴿رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وهو الحاضِرُ المُتَكَلِّمُ فَكَيْفَ يَجْعَلُ التَّكْذِيبَ المُسْنَدَ إلى المُخاطَبِ وارِدًا عَلى الغائِبِ، ولَوْ قالَ: بِأيِّ آلائِي تُكَذِّبانِ كانَ ألْيَقَ في الخِطابِ ؟ نَقُولُ: في السُّورَةِ المُتَقَدِّمَةِ قالَ: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: ٢٣] ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ [القمر: ٣٣] وقالَ: ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ [القَمَرِ: ٤٢] وقالَ: ﴿فَأخَذْناهُمْ﴾ وقالَ: ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ [القمر: ١٦] كُلُّها بِالِاسْتِنادِ إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ حَيْثُ كانَ ذَلِكَ لِلتَّخْوِيفِ، فاللَّهُ تَعالى أعْظَمُ مِن أنْ يَخْشى، فَلَوْ قالَ: أخَذَهُمُ القادِرُ أوِ المُهْلِكُ لَما كانَ في التَّعْظِيمِ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذْناهُمْ﴾ [الأنعام: ٤٢] ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨] وهَذا كَما أنَّ المَشْهُورَ بِالقُوَّةِ يَقُولُ أنا الَّذِي تَعْرِفُنِي فَيَكُونُ في إثْباتِ الوَعِيدِ فَوْقَ قَوْلِهِ أنا المُعَذِّبُ، فَلَمّا كانَ الإسْنادُ إلى النَّفْسِ مُسْتَعْمَلًا في تِلْكَ السُّورَةِ عِنْدَ الإهْلاكِ والتَّعْذِيبِ ذُكِرَ في هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ بَيانِ الرَّحْمَةِ لَفْظٌ يُزِيلُ الهَيْبَةَ وهو لَفْظُ الرَّبِّ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وهو رَبّاكُما.
الرّابِعُ: ما الحِكْمَةُ في تَكْرِيرِ هَذِهِ الآيَةِ وكَوْنِهِ إحْدى وثَلاثِينَ مَرَّةً ؟ نَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: إنَّ فائِدَةَ التَّكْرِيرِ التَّقْرِيرُ، وأمّا هَذا العَدَدُ الخاصُّ فالأعْدادُ تَوْقِيفِيَّةٌ لا تَطَّلِعُ عَلى تَقْدِيرِ المُقَدَّراتِ أذْهانُ النّاسِ، والأوْلى أنْ لا يُبالِغَ الإنْسانُ في اسْتِخْراجِ الأُمُورِ البَعِيدَةِ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى تَمَسُّكًا بِقَوْلِ عُمَرَ (p-٨٦)رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ حَيْثُ قالَ مَعَ نَفْسِهِ عِنْدَ قِراءَتِهِ عَبَسَ: كُلُّ هَذا قَدْ عَرَفْناهُ فَما الأبُّ ؟ ثُمَّ رَفَعَ عَصًا كانَتْ بِيَدِهِ وقالَ هَذا لَعَمْرُ اللَّهِ التَّكْلِيفُ وما عَلَيْكَ يا عُمَرُ أنْ لا تَدْرِيَ ما الأبُّ، ثُمَّ قالَ: اتَّبِعُوا ما بُيِّنَ لَكم مِن هَذا الكِتابِ وما لا فَدَعُوهُ، وسَيَأْتِي فائِدَةُ كَلامِهِ تَعالى في تَفْسِيرِ السُّورَةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
الجَوابُ الثّانِي: ما قُلْناهُ: إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في السُّورَةِ المُتَقَدِّمَةِ: ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ أرْبَعَ مَرّاتٍ لِبَيانِ ما في ذَلِكَ مِنَ المَعْنى، وثَلاثَ مَرّاتٍ لِلتَّقْرِيرِ والتَّكْرِيرِ، ولِلثَّلاثِ والسَّبْعِ مِن بَيْنِ الأعْدادِ فَوائِدُ ذَكَرْناها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ﴾ [لقمان: ٢٧] فَلَمّا ذَكَرَ العَذابَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ذَكَرَ الآلاءَ إحْدى وثَلاثِينَ مَرَّةً لِبَيانِ ما فِيهِ مِنَ المَعْنى، وثَلاثِينَ مَرَّةً لِلتَّقْرِيرِ، فالآلاءُ مَذْكُورَةٌ عَشْرَ مَرّاتٍ أضْعافَ مَرّاتِ ذِكْرِ العَذابِ إشارَةً إلى مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إلّا مِثْلَها﴾ [الأنعام: ١٦٠] .
الثّالِثُ: أنَّ الثَّلاثِينَ مَرَّةً تَكْرِيرٌ بَعْدَ البَيانِ في المَرَّةِ الأُولى؛ لِأنَّ الخِطابَ مَعَ الجِنِّ والإنْسِ، والنِّعَمُ مُنْحَصِرَةٌ في دَفْعِ المَكْرُوهِ وتَحْصِيلِ المَقْصُودِ، لَكِنَّ أعْظَمَ المَكْرُوهاتِ عَذابُ جَهَنَّمَ ﴿لَها سَبْعَةُ أبْوابٍ﴾ [الحجر: ٤٤] وأتَمُّ المَقاصِدِ نَعِيمُ الجَنَّةِ ولَها ثَمانِيَةُ أبْوابٍ، فَإغْلاقُ الأبْوابِ السَّبْعَةِ وفَتْحُ الأبْوابِ الثَّمانِيَةِ جَمِيعُهُ نِعْمَةٌ وإكْرامٌ، فَإذا اعْتَبَرْتَ تِلْكَ النِّعَمَ بِالنِّسْبَةِ إلى جِنْسَيِ الجِنِّ والإنْسِ تَبْلُغُ ثَلاثِينَ مَرَّةً وهي مَرّاتُ التَّكْرِيرِ لِلتَّقْرِيرِ، والمَرَّةُ الأُولى لِبَيانِ فائِدَةِ الكَلامِ، وهَذا مَنقُولٌ وهو ضَعِيفٌ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ نِعَمَ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وما ذَكَرَهُ اقْتِصارًا عَلى بَيانِ نِعَمِ الآخِرَةِ.
الرّابِعُ: هو أنَّ أبْوابَ النّارِ سَبْعَةٌ واللَّهُ تَعالى ذَكَرَ سَبْعَ آياتٍ تَتَعَلَّقُ بِالتَّخْوِيفِ مِنَ النّارِ، مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكم أيُّها الثَّقَلانِ﴾ [الرحمن: ٣١]، إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤] ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَنَّتَيْنِ حَيْثُ قالَ: ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] ولِكُلِّ جَنَّةٍ ثَمانِيَةُ أبْوابٍ تُفْتَحُ كُلُّها لِلْمُتَّقِينَ، وذَكَرَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى ما ذَكَرْنا مِن آياتِ التَّخْوِيفِ ثَمانِيَ مَرّاتٍ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ سَبْعَ مَرّاتٍ لِلتَّقْرِيرِ بِالتَّكْرِيرِ اسْتِيفاءً لِلْعَدَدِ الكَثِيرِ الَّذِي هو سَبْعَةٌ، وقَدْ بَيَّنّا سَبَبَ اخْتِصاصِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿سَبْعَةُ أبْحُرٍ﴾ وسَنُعِيدُ مِنهُ طَرَفًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، فَصارَ المَجْمُوعُ ثَلاثِينَ مَرَّةً المَرَّةُ الواحِدَةُ الَّتِي هي عَقِيبَ النِّعَمِ الكَثِيرَةِ لِبَيانِ المَعْنى وهو الأصْلُ والتَّكْثِيرُ تَكْرارٌ فَصارَ إحْدى وثَلاثِينَ مَرَّةً.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّیۡحَانُ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق