الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: عَلى قَوْلِ مَن قالَ: ﴿ولَقَدْ جاءَهم مِنَ الأنْباءِ﴾ المُرادُ مِنهُ القُرْآنُ، قالَ: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ بَدَلٌ كَأنَّهُ قالَ: ولَقَدْ جاءَهم حِكْمَةٌ بالِغَةٌ.
ثانِيها: أنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ .
الثّانِي: ”حِكْمَةٌ بالِغَةٌ“ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ، والإشارَةُ حِينَئِذٍ تَحْتَمِلُ وُجُوهًا.
أحَدُها: هَذا التَّرْتِيبُ الَّذِي في إرْسالِ الرَّسُولِ وإيضاحِ الدَّلِيلِ والإنْذارِ بِمَن مَضى مِنَ القُرُونِ وانْقَضى حِكْمَةٌ بالِغَةٌ.
ثانِيها: إنْزالُ ما فِيهِ الأنْباءُ: ﴿حِكْمَةٌ بالِغَةٌ﴾ .
ثالِثُها: هَذِهِ السّاعَةُ المُقْتَرِبَةُ والآيَةُ الدّالَّةُ عَلَيْها حِكْمَةٌ.
الثّالِثُ: قُرِئَ بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ حالًا وذُو الحالِ ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾ أيْ جاءَكم ذَلِكَ حِكْمَةً، فَإنْ قِيلَ: إنْ كانَ ”ما“ مَوْصُولَةً تَكُونُ مُعَرَّفَةً فَيَحْسُنُ كَوْنُهُ ذا الحالِ، فَأمّا إنْ كانَتْ بِمَعْنى جاءَهم مِنَ الأنْباءِ شَيْءٌ فِيهِ ازْدِجارٌ يَكُونُ مُنَكَّرًا وتَنْكِيرُ ذِي الحالِ قَبِيحٌ نَقُولُ: كَوْنُهُ مَوْصُوفًا يَحْسُنُ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَما تُغْنِ النُّذُرُ﴾ فِيهِ وجْهانِ.
أحَدُهُما: أنْ ”ما“ نافِيَةٌ، ومَعْناهُ أنَّ النُّذُرَ لَمْ يُبْعَثُوا لِيُغْنُوا ويُلْجِئُوا قَوْمَهم إلى الحَقِّ، وإنَّما أُرْسِلُوا مُبَلِّغِينَ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [الشورى: ٤٨] ويُؤَيِّدُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أيْ لَيْسَ عَلَيْكَ ولا عَلى الأنْبِياءِ الإغْناءُ والإلْجاءُ، فَإذا بَلَّغَتْ فَقَدْ (p-٣٠)أتَيْتَ بِما عَلَيْكَ مِنَ الحِكْمَةِ البالِغَةِ الَّتِي أُمِرْتَ بِها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥] وتَوَلَّ إذا لَمْ تَقْدِرْ.
ثانِيهِما: ”ما“ اسْتِفْهامِيَّةٌ، ومَعْنى الآياتِ حِينَئِذٍ أنَّكَ أتَيْتَ بِما عَلَيْكَ مِنَ الدَّعْوى وإظْهارِ الآيَةِ عَلَيْها، وكَذَّبُوا فَأنْذَرْتَهم بِما جَرى عَلى المُكَذِّبِينَ فَلَمْ يُفِدْهم، فَهَذِهِ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ وما الَّذِي تُغْنِي النُّذُرُ غَيْرَ هَذا فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْكَ شَيْءٌ آخَرُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ قَدْ ذَكَرْنا أنَّ المُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ إنَّ قَوْلَهُ: ( تَوَلَّ) مَنسُوخٌ ولَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ المُرادُ مِنهُ لا تُناظِرْهم بِالكَلامِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُو الدّاعِي إلى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ قَدْ ذَكَرْنا أيْضًا أنَّ مَن يَنْصَحْ شَخْصًا ولا يُؤَثِّرْ فِيهِ النُّصْحُ يُعْرِضْ عَنْهُ، ويَقُولُ مَعَ غَيْرِهِ ما فِيهِ نُصْحُ المُعْرِضِ عَنْهُ، ويَكُونُ فِيهِ قَصْدُ إرْشادِهِ أيْضًا فَقالَ بَعْدَما قالَ: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهم يَوْمَ يَدْعُو الدّاعِي﴾ ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ﴾ [القمر: ٧] لِلتَّخْوِيفِ، والعامِلُ في: ﴿يَوْمَ﴾ هو ما بَعْدَهُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ﴾ والدّاعِي مُعَرَّفٌ كالمُنادِي في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُنادِي المُنادِي﴾ [ق: ٤١] لِأنَّهُ مَعْلُومٌ قَدْ أخْبَرَ عَنْهُ، فَقِيلَ: إنَّ مُنادِيًا يُنادِي وداعِيًا يَدْعُو، وفي الدّاعِي وُجُوهٌ:
أحَدُها أنَّهُ إسْرافِيلُ.
وثانِيها: أنَّهُ جِبْرِيلُ.
وثالِثُها: أنَّهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِذَلِكَ، والتَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ لا يَقْطَعُ حَدَّ العِلْمِيَّةِ، وإنَّما يَكُونُ ذَلِكَ كَقَوْلِنا: جاءَ رَجُلٌ فَقالَ: الرَّجُلُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ أيْ: مُنْكَرٍ وهو يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: إلى شَيْءٍ نُكُرٍ في يَوْمِنا هَذا لِأنَّهم أنْكَرُوهُ أيْ: يَوْمَ يَدْعُو الدّاعِي إلى الشَّيْءِ الَّذِي أنْكَرُوهُ يَخْرُجُونَ.
ثانِيها: ”نُكُرٍ“ أيْ: مُنْكَرٍ يَقُولُ: ذَلِكَ القائِلُ كانَ يَنْبَغِي أنْ لا يَكُونَ أيْ: مِن شَأْنِهِ أنْ لا يُوجَدَ، يُقالُ: فُلانٌ يَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، وعَلى هَذا فَهو عِنْدَهم كانَ يَنْبَغِي أنْ لا يَقَعَ؛ لِأنَّهُ يُرْدِيهِمْ في الهاوِيَةِ، فَإنْ قِيلَ: ما ذَلِكَ الشَّيْءُ النُّكُرُ ؟ نَقُولُ: الحِسابُ أوِ الجَمْعُ لَهُ أوِ النَّشْرُ لِلْجَمْعِ، وهَذا أقْرَبُ، فَإنْ قِيلَ: النَّشْرُ لا يَكُونُ مُنْكَرًا فَإنَّهُ إحْياءٌ؛ ولِأنَّ الكافِرَ مِن أيْنَ يَعْرِفُ وقْتَ النَّشْرِ وما يَجْرِي عَلَيْهِ لِيُنْكِرَهُ ؟ نَقُولُ: يَعْرِفُ ويَعْلَمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى عَنْهم: ﴿ياوَيْلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا﴾ [يس: ٥٢] .
{"ayahs_start":5,"ayahs":["حِكۡمَةُۢ بَـٰلِغَةࣱۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ","فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ یَوۡمَ یَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَیۡءࣲ نُّكُرٍ"],"ayah":"حِكۡمَةُۢ بَـٰلِغَةࣱۖ فَمَا تُغۡنِ ٱلنُّذُرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق