الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهم كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ أيْ: مَقْسُومٌ، وصْفٌ بِالمَصْدَرِ مُرادٌ بِهِ المُشْتَقُّ مِنهُ كَقَوْلِهِ: ”ماءٌ مِلْحٌ“، و”قَوْلٌ زُورٌ“ وفِيهِ ضَرْبٌ مِنَ المُبالَغَةِ، يُقالُ لِلْكَرِيمِ: كَرَمٌ كَأنَّهُ هو عَيْنُ الكَرَمِ، ويُقالُ: فُلانٌ لُطْفٌ مَحْضٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ القِسْمَةُ وقَعَتْ بَيْنَهُما؛ لِأنَّ النّاقَةَ كانَتْ عَظِيمَةً وكانَتْ حَيَواناتُ القَوْمِ تَنْفِرُ مِنها ولا تَرِدُ الماءَ وهي عَلى الماءِ، فَصَعُبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَجُعِلَ الماءُ بَيْنَهُما؛ يَوْمًا لِلنّاقَةِ ويَوْمًا لِلْقَوْمِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِقِلَّةِ الماءِ، فَشِرْبُهُ يَوْمًا لِلنّاقَةِ ويَوْمًا لِلْحَيَواناتِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الماءُ كانَ بَيْنَهم قِسْمَةً يَوْمًا لِقَوْمٍ ويَوْمًا لِقَوْمٍ، ولَمّا خَلَقَ اللَّهُ النّاقَةَ كانَتْ تَرِدُ الماءَ يَوْمًا يَوْمًا، فَكانَ الَّذِينَ لَهُمُ الماءُ في غَيْرِ يَوْمِ وُرُودِها يَقُولُونَ: الماءُ كُلُّهُ لَنا في هَذا اليَوْمِ ويَوْمُكم كانَ أمْسِ، والنّاقَةُ ما أخَّرَتْ شَيْئًا فَلا نُمَكِّنُكم مِنَ الوُرُودِ أيْضًا في هَذا اليَوْمِ، فَيَكُونُ النُّقْصانُ وارِدًا عَلى الكُلِّ، وكانَتِ النّاقَةُ تَشْرَبُ الماءَ بِأسْرِهِ وهَذا أيْضًا ظاهِرٌ ومَنقُولٌ، والمَشْهُورُ هُنا الوَجْهُ الأوْسَطُ، ونَقُولُ: إنَّ قَوْمًا كانُوا يَكْتَفُونَ بِلَبَنِها يَوْمَ وُرُودِها الماءَ، والكُلُّ مُمْكِنٌ ولَمْ يَرِدْ في شَيْءٍ خَبَرٌ مُتَواتِرٌ. والثّالِثُ: قِطَعٌ وهو مِنَ القِسْمَةِ؛ لِأنَّها مُثْبَتَةٌ بِكِتابِ اللَّهِ تَعالى أمّا كَيْفِيَّةُ القِسْمَةِ والسَّبَبُ فَلا وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ مِمّا يُؤَيِّدُ الوَجْهَ الثّالِثَ أيْ: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ لِلْقَوْمِ بِأسْرِهِمْ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ ذَلِكَ لِبَيانِ كَوْنِ الشِّرْبِ مُحْتَضَرًا لِلْقَوْمِ أوِ النّاقَةِ فَهو مَعْلُومٌ؛ لَأنَّ الماءَ ما كانَ يُتْرَكُ مِن غَيْرِ حُضُورٍ، وإنْ كانَ لِبَيانِ أنَّهُ تَحْضُرُهُ النّاقَةُ يَوْمًا والقَوْمُ يَوْمًا فَلا دَلالَةَ في اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وأمّا إذا كانَتِ العادَةُ قَبْلَ النّاقَةِ عَلى أنْ يَرِدَ الماءَ قَوْمٌ في يَوْمٍ وآخَرُونَ في يَوْمٍ آخَرَ، ثُمَّ لَمّا خُلِقَتِ النّاقَةُ كانَتْ تَنْقُصُ شِرْبَ البَعْضِ، وتَتْرُكُ شِرْبَ الباقِينَ مِن غَيْرِ نُقْصانٍ، فَقالَ: ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ كم أيُّها القَوْمُ فَرِدُوا كُلَّ يَوْمٍ الماءَ، وكُلُّ شِرْبٍ ناقِصٍ تَقاسَمُوهُ، وكُلُّ شِرْبٍ كامِلٍ تَقاسَمُوهُ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿فَنادَوْا صاحِبَهُمْ﴾ نِداءَ المُسْتَغِيثِ كَأنَّهم قالُوا: يا لَقُدارٍ لِلْقَوْمِ، كَما يَقُولُ القائِلُ بِاللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ وصاحِبُهم قُدارٌ، وكانَ أشْجَعَ وأهْجَمَ عَلى الأُمُورِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ رَئِيسَهم. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَعاطى فَعَقَرَ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: الأوَّلُ: تَعاطى آلَةَ العَقْرِ فَعَقَرَ. الثّانِي: تَعاطى النّاقَةَ فَعَقَرَها وهو أضْعَفُ. الثّالِثُ: التَّعاطِي يُطْلَقُ ويُرادُ بِهِ الإقْدامُ عَلى الفِعْلِ العَظِيمِ، والتَّحْقِيقُ هو أنَّ الفِعْلَ العَظِيمَ يَقْدُمُ كُلُّ أحَدٍ فِيهِ صاحِبَهُ، ويُبْرِئُ نَفْسَهُ مِنهُ فَمَن يَقْبَلُهُ ويُقْدِمُ عَلَيْهِ، يُقالُ: تَعاطاهُ كَأنَّهُ كانَ فِيهِ تَدافُعٌ فَأخَذَهُ هو بَعْدَ التَّدافُعِ. الرّابِعُ: أنَّ القَوْمَ جَعَلُوا لَهُ عَلى عَمَلِهِ جُعْلًا فَتَعاطاهُ وعَقَرَ النّاقَةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب