الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
الأُولى: قالَ في قَوْمِ نُوحٍ: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ [الشعراء: ١٠٥] ولَمْ يَقُلْ في عادٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ هُودٍ؛ وذَلِكَ لِأنَّ التَّعْرِيفَ كُلَّما أمْكَنَ أنْ يُؤْتى بِهِ عَلى وجْهٍ أبْلَغَ فالأوْلى أنْ يُؤْتى بِهِ، والتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ العَلَمِ أوْلى مِنَ التَّعْرِيفِ بِالإضافَةِ إلَيْهِ، فَإنَّكَ إذا قُلْتَ: بَيْتُ اللَّهِ لا يُفِيدُ ما يُفِيدُ قَوْلُكَ الكَعْبَةُ، فَكَذَلِكَ إذا قُلْتَ: رَسُولُ اللَّهِ لا يُفِيدُ ما يُفِيدُ قَوْلُكَ مُحَمَّدٌ فَعادٌ اسْمُ عَلَمٍ لِلْقَوْمِ، لا يُقالُ قَوْمُ هُودٍ أعْرَفُ لِوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَ عادًا بِقَوْمِ هُودٍ حَيْثُ قالَ: ﴿ألا بُعْدًا لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود: ٦٠] ولا يُوصَفُ الأظْهَرُ بِالأخْفى، والأخَصُّ بِالأعَمِّ.
ثانِيهِما: أنَّ قَوْمَ هُودٍ واحِدٌ وعادٌ، قِيلَ: إنَّهُ لَفْظٌ يَقَعُ عَلى أقْوامٍ ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿عادًا الأُولى﴾ [النجم: ٥٠] لِأنّا نَقُولُ: أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ فَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةً وإنَّما هو بَدَلٌ، ويَجُوزُ في البَدَلِ أنْ يَكُونَ دُونَ المُبْدَلِ في المَعْرِفَةِ، ويَجُوزُ أنْ يُبْدَلَ عَنِ المَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ، وأمّا ”عادًا الأُولى“ فَقَدْ قَدَّمْنا أنَّ ذَلِكَ لِبَيانِ تَقَدُّمِهِمْ، أيْ عادًا الَّذِينَ تَقَدَّمُوا ولَيْسَ ذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ والتَّعْرِيفِ كَما تَقُولُ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ شَفِيعِي واللَّهُ الكَرِيمُ رَبِّي ورَبُّ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ؛ لِبَيانِ الشَّرَفِ لا لِبَيانِها وتَعْرِيفِها كَما تَقُولُ: دَخَلْتُ الدّارَ المَعْمُورَةَ مِنَ الدّارَيْنِ وخَدَمْتُ الرَّجُلَ الزّاهِدَ مِنَ الرَّجُلَيْنِ، فَتَبَيَّنَ المَقْصُودُ بِالوَصْفِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لَمْ يَقُلْ كَذَّبُوا هُودًا كَما قالَ: ﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنا﴾ [القمر: ٩] وذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ تَكْذِيبَ نُوحٍ كانَ أبْلَغَ وأشَدَّ حَيْثُ دَعاهم قَرِيبًا مِن ألْفِ سَنَةٍ وأصَرُّوا عَلى التَّكْذِيبِ، ولِهَذا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى تَكْذِيبَ نُوحٍ في مَواضِعَ ولَمْ يَذْكُرْ تَكْذِيبَ غَيْرِ نُوحٍ صَرِيحًا، وإنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ في واحِدٍ مِنها في الأعْرافِ قالَ: ﴿فَنَجَّيْناهُ ومَن مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ [يونس: ٧٣] وقالَ حِكايَةً عَنْ نُوحٍ: ﴿قالَ رَبِّ إنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ [الشعراء: ١١٧] وقالَ: ﴿إنَّهم عَصَوْنِي﴾ [نوح: ٢١] وفي هَذِهِ المَواضِعِ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَكْذِيبِ قَوْمِ غَيْرِهِ مِنهم إلّا قَلِيلًا ولِذَلِكَ قالَ تَعالى في مَواضِعِ ذِكْرِ شُعَيْبٍ ”فَكَذَّبُوهُ“: وقالَ ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا﴾ [الأعراف: ٩٢] وقالَ تَعالى عَنْ قَوْمِهِ: ﴿وإنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦] لِأنَّهُ دَعا قَوْمَهُ زَمانًا مَدِيدًا.
وثانِيهِما: أنَّ حِكايَةَ عادٍ مَذْكُورَةٌ هاهُنا عَلى سَبِيلِ الِاخْتِصارِ فَلَمْ يَذْكُرْ إلّا تَكْذِيبَهم وتَعْذِيبَهم فَقالَ: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ﴾ كَما قالَ: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ ولَمْ يَذْكُرْ (p-٤٠)دُعاءَهُ عَلَيْهِمْ وإجابَتَهُ كَما قالَ في نُوحٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ قَبْلَ أنْ بَيَّنَ العَذابَ. وفي حِكايَةِ نُوحٍ بَيَّنَ العَذابَ، ثُمَّ قالَ: ﴿فَكَيْفَ كانَ﴾ فَما الحِكْمَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ: الِاسْتِفْهامُ الَّذِي ذَكَرَهُ في حِكايَةِ نُوحٍ مَذْكُورٌ هاهُنا، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ كَما قالَ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ في حِكايَةِ ثَمُودَ غَيْرَ أنَّهُ تَعالى حَكى في حِكايَةِ عادٍ ”فَكَيْفَ كانَ“ مَرَّتَيْنِ، المَرَّةُ الأُولى اسْتَفْهَمَ لِيُبَيِّنَ كَما يَقُولُ المُعَلِّمُ لِمَن لا يَعْرِفُ كَيْفَ المَسْألَةُ الفُلانِيَّةُ لِيَصِيرَ المَسْئُولُ سائِلًا، فَيَقُولُ: كَيْفَ هي فَيَقُولُ: إنَّها كَذا وكَذا فَكَذَلِكَ هاهُنا قالَ: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي﴾ فَقالَ السّامِعُ: بَيِّنْ أنْتَ فَإنِّي لا أعْلَمُ فَقالَ: (إنّا أرْسَلْنا) وأمّا المَرَّةُ الثّانِيَةُ فاسْتَفْهَمَ لِلتَّعْظِيمِ كَما يَقُولُ القائِلُ لِلْعارِفِ المُشاهِدِ كَيْفَ فَعَلْتَ وصَنَعْتَ فَيَقُولُ: نِعْمَ ما فَعَلْتَ، ويَقُولُ: أتَيْتُ بِعَجِيبَةٍ فَيُحَقِّقُ عَظَمَةَ الفِعْلِ بِالِاسْتِفْهامِ، وإنَّما ذَكَرَ هاهُنا المَرَّةَ الأُولى ولَمْ يَذْكُرْ في مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لِأنَّ الحِكايَةَ ذَكَرَها مُخْتَصَرَةً فَكانَ يُفَوِّتُ الِاعْتِبارَ بِسَبَبِ الِاخْتِصارِ فَقالَ: ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي﴾ حَثًّا عَلى التَّدَبُّرِ والتَّفَكُّرِ، وأمّا الِاخْتِصارُ في حِكايَتِهِمْ فَلِأنَّ أكْثَرَ أمْرِهِمُ الِاسْتِكْبارُ والِاعْتِمادُ عَلى القُوَّةِ وعَدَمُ الِالتِفاتِ إلى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ، ويَدُلُّ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأمّا عادٌ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وقالُوا مَن أشَدُّ مِنّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] وذَكَرَ اسْتِكْبارَهم كَثِيرًا، وما كانَ قَوْمُ مُحَمَّدٍ ﷺ مُبالِغِينَ في الِاسْتِكْبارِ وإنَّما كانَتْ مُبالَغَتُهم في التَّكْذِيبِ ونِسْبَتِهِ إلى الجُنُونِ، وذَكَرَ حالَةَ نُوحٍ عَلى التَّفْصِيلِ فَإنَّ قَوْمَهُ جَمَعُوا بَيْنَ التَّكْذِيبِ والِاسْتِكْبارِ، وكَذَلِكَ حالُ صالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ذَكَرَها عَلى التَّفْصِيلِ لِشِدَّةِ مُناسَبَتِها بِحالِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
{"ayah":"كَذَّبَتۡ عَادࣱ فَكَیۡفَ كَانَ عَذَابِی وَنُذُرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











