الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: لِلْحِفْظِ فَيُمْكِنُ حِفْظُهُ ويَسْهُلُ، ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِن كُتُبِ اللَّهِ تَعالى يُحْفَظُ عَلى ظَهْرِ القَلْبِ غَيْرَ القُرْآنِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ أيْ: هَلْ مَن يَحْفَظُ ويَتْلُوهُ. الثّانِي: سَهَّلْناهُ لِلِاتِّعاظِ حَيْثُ أتَيْنا فِيهِ بِكُلِّ حِكْمَةٍ. الثّالِثُ: جَعَلْناهُ بِحَيْثُ يَعْلَقُ بِالقُلُوبِ ويُسْتَلَذُّ سَماعُهُ، ومَن لا يَفْهَمُ يَتَفَهَّمُهُ ولا يَسْأمُ مِن سَمْعِهِ وفَهْمِهِ (p-٣٩)ولا يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ فَلا أسْمَعُهُ بَلْ كُلَّ ساعَةٍ يَزْدادُ مِنهُ لَذَّةً وعِلْمًا. الرّابِعُ: وهو الأظْهَرُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا ذُكِّرَ بِحالِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وكانَ لَهُ مُعْجِزَةٌ قِيلَ لَهُ: إنَّ مُعْجِزَتَكَ القُرْآنُ ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ تَذْكِرَةً لِكُلِّ أحَدٍ وتَتَحَدّى بِهِ في العالَمِ ويَبْقى عَلى مُرُورِ الدُّهُورِ، ولا يَحْتاجُ كُلُّ مَن يَحْضُرُكَ إلى دُعاءٍ ومَسْألَةٍ في إظْهارِ مُعْجِزَةٍ، وبَعْدَكَ لا يُنْكِرُ أحَدٌ وُقُوعَ ما وقَعَ كَما يُنْكِرُ البَعْضُ انْشِقاقَ القَمَرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ أيْ: مُتَذَكِّرٍ؛ لِأنَّ الِافْتِعالَ والتَّفَعُّلَ كَثِيرًا ما يَجِيءُ بِمَعْنًى، وعَلى هَذا فَلَوْ قالَ قائِلٌ: هَذا يَقْتَضِي وُجُودَ أمْرٍ سابِقٍ فَنَسِيَ، نَقُولُ: ما في الفِطْرَةِ مِنَ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ هو كالمَنسِيِّ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ يَرْجِعُ إلى ما فُطِرَ عَلَيْهِ وقِيلَ: فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ أيْ: حافِظٍ أوْ مُتَّعِظٍ عَلى ما فَسَّرْنا بِهِ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ وقَوْلَهُ: ﴿فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ وعَلى قَوْلِنا المُرادُ مُتَذَكِّرٌ إشارَةً إلى ظُهُورِ الأمْرِ فَكَأنَّهُ لا يَحْتاجُ إلى نُكُرٍ، بَلْ هو أمْرٌ حاصِلٌ عِنْدَهُ لا يَحْتاجُ إلى مُعاوَدَةِ ما عِنْدَ غَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب