الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ ﴿فالتَقى الماءُ عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ وفِيهِ مِنَ البَلاغَةِ ما لَيْسَ في قَوْلِ القائِلِ: وفَجَّرْنا عُيُونَ الأرْضِ، وهَذا بَيانُ التَّمْيِيزِ في كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ، إذا قُلْتَ: ضاقَ زَيْدٌ ذَرْعًا، أثْبَتَ ما لا يُثْبِتُهُ قَوْلُكَ ضاقَ ذَرْعُ زَيْدٍ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ ولَمْ يَقُلْ فَفَتَحْنا السَّماءَ أبْوابًا؛ لِأنَّ السَّماءَ أعْظَمُ مِنَ الأرْضِ وهي لِلْمُبالَغَةِ، ولِهَذا قالَ: ﴿أبْوابَ السَّماءِ﴾ ولَمْ يَقُلْ: أنابِيبُ ولا مَنافِذُ ولا مَجارِي أوْ غَيْرُها.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ فَهو أبْلَغُ مِن قَوْلِهِ: وفَجَّرْنا عُيُونَ الأرْضِ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ حَقِيقَةً لا مُبالَغَةَ فِيهِ، ويَكْفِي في صِحَّةِ ذَلِكَ القَوْلِ أنْ يَجْعَلَ في الأرْضِ عُيُونًا ثَلاثَةً، ولا يَصْلُحُ مَعَ هَذا في السَّماءِ إلّا قَوْلُ القائِلِ: فَأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً أوْ مِياهًا، ومِثْلُ هَذا الَّذِي ذَكَرْناهُ في المَعْنى لا في المُعْجِزَةِ، والحِكْمَةُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ﴾ [الزمر: ٢١] حَيْثُ لا مُبالَغَةَ فِيهِ، وكَلامُهُ لا يُماثِلُ كَلامَ اللَّهِ ولا يَقْرُبُ مِنهُ، غَيْرَ أنِّي ذَكَرْتُهُ مَثَلًا: ﴿ولِلَّهِ المَثَلُ الأعْلى﴾ [النحل: ٦٠] .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: العُيُونُ في عُيُونِ الماءِ حَقِيقَةٌ أوْ مَجازٌ ؟ نَقُولُ: المَشْهُورُ أنَّ لَفْظَ العَيْنِ مُشْتَرَكٌ، والظّاهِرُ أنَّها حَقِيقَةٌ في العَيْنِ الَّتِي هي آلَةُ الإبْصارِ ومَجازٌ في غَيْرِها، أمّا في عُيُونِ الماءِ فَلِأنَّها تُشْبِهُ العَيْنَ الباصِرَةَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنها الدَّمْعُ، أوْ لِأنَّ الماءَ الَّذِي في العَيْنِ كالنُّورِ الَّذِي في العَيْنِ غَيْرَ أنَّها مَجازٌ مَشْهُورٌ صارَ غالِبًا حَتّى لا يَفْتَقِرَ إلى القَرِينَةِ عِنْدَ الِاسْتِعْمالِ إلّا لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ العَيْنَيْنِ، فَكَما لا يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلى العَيْنِ الباصِرَةِ إلّا بِقَرِينَةٍ، كَذَلِكَ لا يُحْمَلُ عَلى الفَوّارَةِ إلّا بِقَرِينَةٍ مِثْلِ: شَرِبْتُ مِنَ العَيْنِ واغْتَسَلْتُ مِنها وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تُوجَدُ في اليَنْبُوعِ، ويُقالُ: عانَهُ يَعِينُهُ إذا أصابَهُ بِالعَيْنِ، وعَيَّنَهُ تَعْيِينًا، حَقِيقَتُهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهِ العَيْنُ، وعايَنَهُ مُعايِنَةً وعِيانًا، وعَيَّنَ أيْ صارَ بِحَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهِ العَيْنُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فالتَقى الماءُ﴾ قُرِئَ ”فالتَقى الماءانِ“ أيِ النَّوْعانِ مِنهُ: ماءُ السَّماءِ وماءُ (p-٣٥)الأرْضِ، فَتُثَنّى أسْماءُ الأجْناسِ عَلى تَأْوِيلِ صِنْفٍ، وتُجْمَعُ أيْضًا، يُقالُ: عِنْدِي تَمْرانِ وتُمُورٌ وأتْمارٌ عَلى تَأْوِيلِ نَوْعَيْنِ وأنْواعٍ مِنهُ. والصَّحِيحُ المَشْهُورُ: ﴿فالتَقى الماءُ﴾ ولَهُ مَعْنًى لَطِيفٌ، وذَلِكَ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿فَفَتَحْنا أبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ ذَكَرَ الماءَ وذَكَرَ الِانْهِمارَ وهو النُّزُولُ بِقُوَّةٍ، فَلَمّا قالَ: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ كانَ مِنَ الحُسْنِ البَدِيعِ أنْ يَقُولَ: ما يُفِيدُ أنَّ الماءَ نَبَعَ مِنها بِقُوَّةٍ، فَقالَ: ﴿فالتَقى الماءُ﴾ أيْ: فارَ الماءُ مِنَ العَيْنِ بِقُوَّةٍ حَتّى ارْتَفَعَ والتَقى بِماءِ السَّماءِ، ولَوْ جَرى جَرْيًا ضَعِيفًا لَما كانَ هو يَلْتَقِي مَعَ ماءِ السَّماءِ بَلْ كانَ ماءُ السَّماءِ يَرِدُ عَلَيْهِ ويَتَّصِلُ بِهِ، ولَعَلَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿وفارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] مَثَلُ هَذا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: عَلى حالٍ قَدْ قَدَّرَها اللَّهُ تَعالى كَما شاءَ.
الثّانِي: عَلى حالِ قَدَّرَ أحَدَ الماءَيْنِ بِقَدْرِ الآخَرِ.
الثّالِثُ: عَلى سائِرِ المَقادِيرِ، وذَلِكَ لِأنَّ النّاسَ اخْتَلَفُوا، فَمِنهم مَن قالَ: ماءُ السَّماءِ كانَ أكْثَرَ، ومِنهم مَن قالَ: ماءُ الأرْضِ، ومِنهم مَن قالَ: كانا مُتَساوِيَيْنِ، فَقالَ: عَلى أيِّ مِقْدارٍ كانَ، والأوَّلُ إشارَةٌ إلى عَظَمَةِ أمْرِ الطُّوفانِ، فَإنَّ تَنْكِيرَ الأمْرِ يُفِيدُ ذَلِكَ، يَقُولُ القائِلُ: جَرى عَلى فُلانٍ شَيْءٌ لا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ، إشارَةً إلى عَظَمَتِهِ، وفِيهِ احْتِمالٌ آخَرُ، وهو أنْ يُقالَ: التَقى الماءُ، أيِ اجْتَمَعَ عَلى أمْرِ هَلاكِهِمْ، وهو كانَ مَقْدُورًا مُقَدَّرًا، وفِيهِ رَدٌّ عَلى المُنَجِّمِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الطُّوفانَ كانَ بِسَبَبِ اجْتِماعِ الكَواكِبِ السَّبْعَةِ حَوْلَ بُرْجٍ مائِيٍّ، والغَرَقُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالذّاتِ، وإنَّما ذَلِكَ أمْرٌ لَزِمَ مِنَ الطُّوفانِ الواجِبِ وُقُوعُهُ، فَقالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلّا لِأمْرٍ قَدْ قُدِرَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحى إلى نُوحٍ بِأنَّهم مِنَ المُغْرَقِينَ.
{"ayah":"وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُیُونࣰا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَاۤءُ عَلَىٰۤ أَمۡرࣲ قَدۡ قُدِرَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











