الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أنِّي مَغْلُوبٌ فانْتَصِرْ﴾ تَرْتِيبًا في غايَةِ الحُسْنِ؛ لِأنَّهم لَمّا زَجَرُوهُ وانْزَجَرَ هو عَنْ دُعائِهِمْ دَعا رَبَّهُ أنِّي مَغْلُوبٌ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قُرِئَ ”إنِّي“ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ دُعاءٌ، فَكَأنَّهُ قالَ: إنِّي مَغْلُوبٌ، وبِالفَتْحِ عَلى مَعْنى بِأنِّي.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ما مَعْنى مَغْلُوبٌ ؟ نَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: غَلَبَنِي الكُفّارُ فانْتَصِرْ لِي مِنهم.
الثّانِي: غَلَبَتْنِي نَفْسِي وحَمَلَتْنِي عَلى الدُّعاءِ عَلَيْهِمْ فانْتَصِرْ لِي مِن نَفْسِي، وهَذا الوَجْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وهو ضَعِيفٌ.
الثّالِثُ: وجْهٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الوَجْهَيْنِ وهو أحْسَنُ مِنهُما، وهو أنْ يُقالَ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ لا يَدْعُو عَلى قَوْمِهِ ما دامَ في نَفْسِهِ احْتِمالٌ وحِلْمٌ، واحْتِمالُ نَفْسِهِ يَمْتَدُّ ما دامَ الإيمانُ مِنهم مُحْتَمَلًا، ثُمَّ إنَّ بَأْسَهُ يَحْصُلُ والِاحْتِمالَ يَفِرُّ بَعْدَ اليَأْسِ بِمُدَّةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ﴾ [الشعراء: ٣]، ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ﴾ [فاطر: ٨] وقالَ تَعالى: ﴿ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [المؤمنون: ٢٧] فَقالَ نُوحٌ: يا إلَهِي إنَّ نَفْسِي غَلَبَتْنِي وقَدْ أمَرَتْنِي بِالدُّعاءِ عَلَيْهِمْ فَأهْلِكْهم. فَيَكُونُ مَعْناهُ [إنِّي] مَغْلُوبٌ بِحُكْمِ البَشَرِيَّةِ أيْ غُلِبْتُ وعِيلَ صَبْرِي فانْتَصِرْ لِي مِنهم لا مِن نَفْسِي.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ”فانْتَصِرْ“ مَعْناهُ انْتَصِرْ لِي أوْ لِنَفْسِكَ فَإنَّهم كَفَرُوا بِكَ وفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: فانْتَصِرْ لِي مُناسِبٌ لِقَوْلِهِ مَغْلُوبٌ.
ثانِيها: فانْتَصِرْ لَكَ ولِدِينِكَ فَإنِّي غُلِبْتُ وعَجَزْتُ عَنِ الِانْتِصارِ لِدِينِكَ.
ثالِثُها: فانْتَصِرْ لِلْحَقِّ ولا يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُهُ ولا ذِكْرُ رَبِّهِ، وهَذا يَقُولُهُ قَوِيُّ النَّفْسِ بِكَوْنِ الحَقِّ مَعَهُ، يَقُولُ القائِلُ: اللَّهُمَّ أهْلِكِ الكاذِبَ مِنّا، وانْصُرِ المُحِقَّ مِنّا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَفَتَحْنا أبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ عَقِيبَ دُعائِهِ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: المُرادُ مِنَ الفَتْحِ والأبْوابِ والسَّماءِ حَقائِقُها أوْ هو مَجازٌ ؟ نَقُولُ: فِيهِ قَوْلانِ أحَدُهُما: حَقائِقُها ولِلسَّماءِ أبْوابٌ تُفْتَحُ وتُغْلَقُ ولا اسْتِبْعادَ فِيهِ. وثانِيهِما: هو عَلى طَرِيقِ الِاسْتِعارَةِ، فَإنَّ الظّاهِرَ أنَّ الماءَ كانَ مِنَ السَّحابِ، وعَلى هَذا فَهو كَما يَقُولُ القائِلُ في المَطَرِ الوابِلِ جَرَتْ مَيازِيبُ السَّماءِ، وفُتِحَ أفْواهُ القِرَبِ أيْ: كَأنَّهُ ذَلِكَ، فالمَطَرُ في الطُّوفانِ كانَ بِحَيْثُ يَقُولُ القائِلَ: فُتِحَتْ أبْوابُ السَّماءِ، ولا شَكَّ أنَّ المَطَرَ مِن فَوْقُ كانَ في غايَةِ الهَطَلانِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَفَتَحْنا﴾ بَيانُ أنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ مِنهم وانْتَقَمَ بِماءٍ لا بِجُنْدٍ أنْزَلَهُ، كَما قالَ (p-٣٤)تَعالى: ﴿وما أنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وما كُنّا مُنْزِلِينَ﴾ ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً﴾ [يس: ٢٨، ٢٩] بَيانًا لِكَمالِ القُدْرَةِ، ومِنَ العَجِيبِ أنَّهم كانُوا يَطْلُبُونَ المَطَرَ سِنِينَ فَأهْلَكَهم بِمَطْلُوبِهِمْ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الباءُ في قَوْلِهِ: ﴿بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ ما وجْهُهُ، وكَيْفَ مَوْقِعُهُ ؟ نَقُولُ: فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: كَما هي في قَوْلِ القائِلِ: فَتَحْتُ البابَ بِالمِفْتاحِ وتَقْدِيرُهُ هو أنْ يَجْعَلَ كَأنَّ الماءَ جاءَ وفَتَحَ البابَ، وعَلى هَذا تَفْسِيرُ قَوْلِ مَن يَقُولُ: يَفْتَحُ اللَّهُ لَكِ بِخَيْرٍ، أيْ يُقَدِّرُ خَيْرًا يَأْتِي ويَفْتَحُ البابَ، وعَلى هَذا فَفِيهِ لَطِيفَةٌ وهي مِن بَدائِعِ المَعانِي، وهي أنْ يُجْعَلَ المَقْصُودُ مُقَدَّمًا في الوُجُودِ، ويَقُولُ: كَأنَّ مَقْصُودَكَ جاءَ إلى بابٍ مُغْلَقٍ فَفَتَحَهُ وجاءَكَ، وكَذَلِكَ قَوْلُ القائِلِ: لَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ بِرِزْقٍ، أيْ يُقَدِّرُ رِزْقًا يَأْتِي إلى البابِ الَّذِي كالمُغْلَقِ فَيَدْفَعُهُ ويَفْتَحُهُ، فَيَكُونُ اللَّهُ قَدْ فَتَحَهُ بِالرِّزْقِ.
ثانِيهُما: ﴿فَفَتَحْنا أبْوابَ السَّماءِ﴾ مَقْرُونَةٌ ﴿بِماءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ والِانْهِمارُ الِانْسِكابُ والِانْصِبابُ صَبًّا شَدِيدًا، والتَّحْقِيقُ فِيهِ أنَّ المَطَرَ يَخْرُجُ مِنَ السَّماءِ الَّتِي هي السَّحابُ خُرُوجَ مُتَرَشِّحٍ مِن ظَرْفِهِ، وفي ذَلِكَ اليَوْمِ كانَ يَخْرُجُ خُرُوجَ مُرْسَلٍ خارِجٍ مِن بابٍ.
{"ayah":"فَفَتَحۡنَاۤ أَبۡوَ ٰبَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَاۤءࣲ مُّنۡهَمِرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











