الباحث القرآني

(p-٢٦)(سُورَةُ القَمَرِ) خَمْسٌ وخَمْسُونَ آيَةً مَكِّيَّةً ﷽ ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ﴾ ﴿وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ ﷽ ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ﴾ أوَّلُ السُّورَةِ مُناسِبٌ لِآخِرِ ما قَبْلَها، وهو قَوْلُهُ: ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ [النجم: ٥٧] فَكَأنَّهُ أعادَ ذَلِكَ مَعَ الدَّلِيلِ، وقالَ قُلْتُ: ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ وهو حَقٌّ؛ إذِ القَمَرُ انْشَقَّ، والمُفَسِّرُونَ بِأسْرِهِمْ عَلى أنَّ المُرادَ أنَّ القَمَرَ انْشَقَّ، وحَصَلَ فِيهِ الِانْشِقاقُ، ودَلَّتِ الأخْبارُ عَلى حَدِيثِ الِانْشِقاقِ، وفي الصَّحِيحِ خَبَرٌ مَشْهُورٌ رَواهُ جَمْعٌ مِنَ الصَّحابَةِ، وقالُوا: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آيَةَ الِانْشِقاقِ بِعَيْنِها مُعْجِزَةً، فَسَألَ رَبَّهُ فَشَقَّهُ ومَضى، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: المُرادُ سَيَنْشَقُّ، وهو بَعِيدٌ ولا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّ مَن مَنَعَ ذَلِكَ وهو الفَلْسَفِيُّ يَمْنَعُهُ في الماضِي والمُسْتَقْبَلِ، ومَن يُجَوِّزُهُ لا حاجَةَ إلى التَّأْوِيلِ، وإنَّما ذَهَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ الذّاهِبُ؛ لِأنَّ الِانْشِقاقَ أمْرٌ هائِلٌ، فَلَوْ وقَعَ لَعَمَّ وجْهَ الأرْضِ فَكانَ يَنْبَغِي أنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّواتُرِ، نَقُولُ: النَّبِيُّ ﷺ لَمّا كانَ يَتَحَدّى بِالقُرْآنِ، وكانُوا يَقُولُونَ: إنّا نَأْتِي بِأفْصَحِ ما يَكُونُ مِنَ الكَلامِ، وعَجَزُوا عَنْهُ، فَكانَ القُرْآنُ مُعْجِزَةً باقِيَةً إلى قِيامِ القِيامَةِ لا يَتَمَسَّكُ بِمُعْجِزَةٍ أُخْرى فَلَمْ يَنْقُلْهُ العُلَماءُ بِحَيْثُ يَبْلُغُ حَدَّ التَّواتُرِ. وأمّا المُؤَرِّخُونَ فَتَرَكُوهُ؛ لِأنَّ التَّوارِيخَ في أكْثَرِ الأمْرِ يَسْتَعْمِلُها المُنَجِّمُ، وهو لَمّا وقَعَ الأمْرُ قالُوا بِأنَّهُ مِثْلُ خُسُوفِ القَمَرِ، وظُهُورِ شَيْءٍ في الجَوِّ عَلى شَكْلِ نِصْفِ القَمَرِ في مَوْضِعٍ آخَرَ فَتَرَكُوا حِكايَتَهُ في تَوارِيخِهِمْ، والقُرْآنُ أدَلُّ دَلِيلٍ وأقْوى مُثْبِتٍ لَهُ، وإمْكانُهُ لا يُشَكُّ فِيهِ، وقَدْ أخْبَرَ عَنْهُ الصّادِقُ، فَيَجِبُ اعْتِقادُ وُقُوعِهِ، وحَدِيثُ امْتِناعِ الخَرْقِ والِالتِئامِ حَدِيثُ اللِّئامِ، وقَدْ ثَبَتَ جَوازُ الخَرْقِ والتَّخْرِيبِ عَلى السَّماواتِ، وذَكَرْناهُ مِرارًا فَلا نُعِيدُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ تَقْدِيرُهُ: وبَعْدَ هَذا إنْ يَرَوْا آيَةً يَقُولُوا سِحْرٌ، فَإنَّهم رَأوْا آياتٍ أرْضِيَّةً، وآياتٍ سَماوِيَّةً، ولَمْ يُؤْمِنُوا، ولَمْ يَتْرُكُوا عِنادَهم، فَإنْ يَرَوْا ما يَرَوْنَ بَعْدَ هَذا لا يُؤْمِنُونَ، وفِيهِ وجْهٌ آخَرُ وهو أنْ يُقالَ: المَعْنى أنَّ عادَتَهم أنَّهم إنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا، فَلَمّا رَأوُا انْشِقاقَ القَمَرِ أعْرَضُوا لِتِلْكَ العادَةِ، وفِيهِ مَسائِلُ: الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿آيَةً﴾ ماذا ؟ نَقُولُ آيَةُ اقْتِرابِ السّاعَةِ، فَإنَّ انْشِقاقَ القَمَرِ مِن آياتِهِ، وقَدْ رَدُّوا وكَذَّبُوا، فَإنْ يَرَوْا غَيْرَها أيْضًا يُعْرِضُوا، أوْ آيَةُ الِانْشِقاقِ فَإنَّها مُعْجِزَةٌ، أمّا كَوْنُها مُعْجِزَةً فَفي غايَةِ الظُّهُورِ، وأمّا كَوْنُها آيَةَ (p-٢٧)السّاعَةِ، فَلِأنَّ مُنْكِرَ رَبِّ العالَمِ يُنْكِرُ انْشِقاقَ السَّماءِ وانْفِطارِها وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: في كُلِّ جِسْمٍ سَماوِيٍّ مِنَ الكَواكِبِ، فَإذا انْشَقَّ بَعْضُها ثَبَتَ خِلافَ ما يَقُولُ بِهِ، وبانَ جَوازُ خَرابِ العالَمِ، وقالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: مَعْناهُ أنَّ مِن عَلاماتِ قِيامِ السّاعَةِ انْشِقاقُ القَمَرِ عَنْ قَرِيبٍ، وهَذا ضَعِيفٌ حَمَلَهم عَلى هَذا القَوْلِ ضِيقُ المَكانِ، وخَفاءُ الأمْرِ عَلى الأذْهانِ، وبَيانُ ضَعْفِهِ هو أنَّ اللَّهَ تَعالى لَوْ أخْبَرَ في كِتابِهِ أنَّ القَمَرَ يَنْشَقُّ، وهو عَلّامَةُ قِيامِ السّاعَةِ، لَكانَ ذَلِكَ أمْرًا لا بُدَّ مِن وُقُوعِهِ مِثْلَ خُرُوجِ دابَّةِ الأرْضِ، وطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ المَغْرِبِ، فَلا يَكُونُ مُعْجِزَةَ النَّبِيِّ ﷺ، كَما أنَّ هَذِهِ الأشْياءَ عَجائِبُ، ولَيْسَتْ بِمُعْجِزَةٍ لِلنَّبِيِّ، لا يُقالُ: الإخْبارُ عَنْها قَبْلَ وُقُوعِها مُعْجِزَةٌ؛ لِأنّا نَقُولُ: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذا مِن قَبِيلِ الإخْبارِ عَنِ الغُيُوبِ، فَلا يَكُونُ هو مُعْجِزَةً بِرَأْسِهِ وذَلِكَ فاسِدٌ، ولا يُقالُ: بِأنَّ ذَلِكَ كانَ مُعْجِزَةً وعَلامَةً، فَأخْبَرَ اللَّهُ في الصُّحُفِ والكُتُبِ السّالِفَةِ أنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ وتَكُونُ السّاعَةُ قَرِيبَةً حِينَئِذٍ، وذَلِكَ لِأنَّ بَعْثَةَ النَّبِيِّ ﷺ عَلامَةٌ كائِنَةٌ حَيْثُ قالَ: ”«بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ» “ ولِهَذا يُحْكى عَنْ سَطِيحٍ أنَّهُ لَمّا أُخْبِرَ بِوُجُودِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ عَنْ أُمُورٍ تَكُونُ، فَكانَ وُجُودُهُ دَلِيلَ أُمُورٍ، وأيْضًا القَمَرُ لَمّا انْشَقَّ كانَ انْشِقاقُهُ عِنْدَ اسْتِدْلالِ النَّبِيِّ ﷺ عَلى المُشْرِكِينَ، وهم كانُوا غافِلِينَ عَمّا في الكُتُبِ، وأمّا أصْحابُ الكُتُبِ فَلَمْ يَفْتَقِرُوا إلى بَيانِ عَلامَةِ السّاعَةِ؛ لِأنَّهم كانُوا يَقُولُونَ بِها وبِقُرْبِها، فَهي إذَنْ آيَةٌ دالَّةٌ عَلى جَوازِ تَخْرِيبِ السَّماواتِ وهو العُمْدَةُ الكُبْرى؛ لِأنَّ السَّماواتَ إذا طُوِيَتْ وجُوِّزَ ذَلِكَ، فالأرْضُ ومَن عَلَيْها لا يُسْتَبْعَدُ فَناؤُهُما، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: مَعْنى ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في العُقُولِ والأذْهانِ، يَقُولُ: مَن يَسْمَعْ أمْرًا لا يَقَعُ هَذا بَعِيدٌ مُسْتَبْعَدٌ، وهَذا وجْهٌ حَسَنٌ، وإنْ كانَ بَعْضُ ضُعَفاءِ الأذْهانِ يُنْكِرُهُ، وذَلِكَ لِأنَّ حَمْلَهُ عَلى قُرْبِ الوُقُوعِ زَمانًا لا إمْكانًا يُمَكِّنُ الكافِرَ مِن مُجادَلَةٍ فاسِدَةٍ، فَيَقُولُ: قالَ اللَّهُ تَعالى في زَمانِ النَّبِيَّ ﷺ: ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ . ويَقُولُونَ بِأنَّ مِن قَبْلُ أيْضًا في الكُتُبِ [السّابِقَةِ] كانَ يَقُولُ: ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ﴾ [الأنبياء: ٩٧] ثُمَّ مَضى مِائَةُ سَنَةٍ ولَمْ يَقَعْ، ولا يَبْعُدْ أنْ يَمْضِيَ ألْفٌ آخَرُ ولا يَقَعُ، ولَوْ صَحَّ إطْلاقُ لَفْظِ القُرْبِ زَمانًا عَلى مِثْلِ هَذا لا يَبْقى وُثُوقٌ بِالإخْباراتِ، وأيْضًا قَوْلُهُ: ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ لِانْتِهازِ الفُرْصَةِ والإيمانِ قَبْلَ أنْ لا يَصِحَّ الإيمانُ، فَلِلْكافِرِ أنْ يَقُولَ: إذا كانَ القُرْبُ بِهَذا المَعْنى فَلا خَوْفَ مِنها؛ لِأنَّها لا تُدْرِكُنِي، ولا تُدْرِكُ أوْلادِي، ولا أوْلادَ أوْلادِي، وإذا كانَ إمْكانُها قَرِيبًا في العُقُولِ يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا بالِغًا عَلى المُشْرِكِينَ والفَلاسِفَةِ، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أوَّلَ ما كَلَّفَ الِاعْتِرافَ بِالوَحْدانِيَّةِ واليَوْمِ الآخِرِ، وقالَ: اعْلَمُوا أنَّ الحَشْرَ كائِنٌ فَخالَفَ المُشْرِكُ والفَلْسَفِيُّ، ولَمْ يَقْنَعْ بِمُجَرَّدِ إنْكارِ ما ورَدَ الشَّرْعُ بِبَيانِهِ، ولَمْ يَقُلْ: لا يَقَعُ أوْ لَيْسَ بِكائِنٍ، بَلْ قالَ: ذَلِكَ بَعِيدٌ، ولَمْ يَقْنَعْ بِهَذا أيْضًا، بَلْ قالَ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، ولَمْ يَقْنَعْ بِهِ أيْضًا، بَلْ قالَ فَإنَّ امْتِناعَهُ ضَرُورِيٌّ، فَإنَّ مَذْهَبَهم أنَّ إعادَةَ المَعْدُومِ وإحْياءَ المَوْتى مُحالٌ بِالضَّرُورَةِ، ولِهَذا قالُوا: ﴿أئِذا مِتْنا﴾ [المؤمنون: ٨٢] ﴿أئِذا كُنّا عِظامًا﴾ [النازعات: ١١] ﴿أئِذا ضَلَلْنا في الأرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] بِلَفْظِ الِاسْتِفْهامِ بِمَعْنى الإنْكارِ مَعَ ظُهُورِ الأمْرِ، فَلَمّا اسْتَبْعَدُوا لَمْ يَكْتَفِ اللَّهُ ورَسُولُهُ بِبَيانِ وُقُوعِهِ، بَلْ قالَ: ﴿إنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها﴾ [الحج: ٧] ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ بَلْ قالَ: ﴿وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣] ولَمْ يَتْرُكْها حَتّى قالَ: ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ﴾ ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٧] ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١] اقْتِرابًا عَقْلِيًّا لا يَجُوزُ أنْ يُنْكَرَ ما يَقَعُ في زَمانٍ طَرْفَةَ عَيْنٍ؛ لِأنَّهُ عَلى اللَّهِ يَسِيرُ، كَما أنَّ تَقْلِيبَ الحَدَقَةِ عَلَيْنا يَسِيرٌ، بَلْ هو أقْرَبُ مِنهُ بِكَثِيرٍ، والَّذِي يُقَوِّيهِ قَوْلُ العامَّةِ: إنَّ زَمانَ وُجُودِ العالَمِ زَمانٌ مَدِيدٌ، والباقِي بِالنِّسْبَةِ إلى الماضِي شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَلِهَذا قالَ: ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ﴾ . (p-٢٨) وأمّا قَوْلُهُ ﷺ: ”«بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ» “ فَمَعْناهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي فَإنَّ زَمانِي يَمْتَدُّ إلى قِيامِ السّاعَةِ، فَزَمانِي والسّاعَةُ مُتَلاصِقانِ كَهاتَيْنِ، ولا شَكَّ أنَّ الزَّمانَ زَمانُ النَّبِيِّ ﷺ، وما دامَتْ أوامِرُهُ نافِذَةً فالزَّمانُ زَمانُهُ وإنْ كانَ لَيْسَ هو فِيهِ، كَما أنَّ المَكانَ الَّذِي تَنْفُذُ فِيهِ أوامِرُ المَلِكِ مَكانُ المَلِكِ يُقالُ لَهُ بِلادُ فُلانٍ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلى القُرْبِ بِالمَعْقُولِ مَعَ أنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ ؟ قُلْتُ: كَما صَحَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣] فَإنَّ لَعَلَّ لِلتَّرَجِّي والأمْرُ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومٌ، وفائِدَتُهُ أنَّ قِيامَ السّاعَةِ مُمْكِنٌ لا إمْكانًا بَعِيدًا عَنِ العاداتِ كَحَمْلِ الآدَمِيِّ في زَمانِنا حِمْلًا في غايَةِ الثِّقَلِ، أوْ قَطْعِهِ مَسافَةً بَعِيدَةً في زَمانٍ يَسِيرٍ، فَإنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ إمْكانًا بَعِيدًا، وأمّا تَقْلِيبُ الحَدَقَةِ فَمُمْكِنٌ إمْكانًا في غايَةِ القُرْبِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الجَمْعُ الَّذِينَ تَكُونُ الواوُ ضَمِيرَهم في قَوْلِهِ: ﴿يَرَوْا﴾ و﴿يُعْرِضُوا﴾ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَمَن هم ؟ نَقُولُ: هم مَعْلُومُونَ وهُمُ الكُفّارُ، تَقْدِيرُهُ: وهَؤُلاءِ الكُفّارُ إنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: التَّنْكِيرُ في الآيَةِ لِلتَّعْظِيمِ أيْ: إنْ يَرَوْا آيَةً قَوِيَّةً أوْ عَظِيمَةً يُعْرِضُوا. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ ما الفائِدَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ: فائِدَتُهُ بَيانُ كَوْنِ الآيَةِ خالِيَةً عَنْ شَوائِبَ الشَّبَهِ، وأنَّ الِاعْتِرافَ لَزِمَهم لِأنَّهم لَمْ يَقْدِرُوا أنْ يَقُولُوا: نَحْنُ نَأْتِي بِمِثْلِها وبَيانُ كَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ لا إعْراضَ مَعْذُورٍ، فَإنَّ مَن يُعْرِضُ إعْراضَ مَشْغُولٍ بِأمْرٍ مُهِمٍّ فَلَمْ يَنْظُرْ في الآيَةِ لا يُسْتَقْبَحُ مِنهُ الإعْراضُ مِثْلَ ما يُسْتَقْبَحُ لِمَن يَنْظُرُ إلى آخِرِها ويَعْجَزُ عَنْ نِسْبَتِها إلى أحَدٍ ودَعْوى الإتْيانِ بِمِثْلِها، ثُمَّ يَقُولُ: هَذا لَيْسَ بِشَيْءٍ هَذا سِحْرٌ؛ لِأنَّ ما مِن آيَةٍ إلّا ويُمْكِنُ المُعانِدُ أنْ يَقُولَ فِيها هَذا القَوْلَ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: ما المُسْتَمِرُّ ؟ نَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: دائِمٌ فَإنَّ مُحَمَّدًا ﷺ كانَ يَأْتِي كُلُّ زَمانٍ بِمُعْجِزَةٍ قَوْلِيَّةٍ أوْ فِعْلِيَّةٍ أرْضِيَّةٍ أوْ سَماوِيَّةٍ، فَقالُوا: هَذا ﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ دائِمٌ لا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِخِلافِ سِحْرِ السَّحَرَةِ، فَإنَّ بَعْضَهم يَقْدِرُ عَلى أمْرٍ وأمْرَيْنِ وثَلاثَةٍ، ويَعْجَزُ عَنْ غَيْرِها وهو قادِرٌ عَلى الكُلِّ. وثانِيها: مُسْتَمِرٌّ أيْ: قَوِيٌّ مِن حَبْلٍ مَرِيرِ الفَتْلِ مِنَ المِرَّةِ وهي الشِّدَّةُ. وثالِثُها: مِنَ المَرارَةِ أيْ: سِحْرٌ مُرٌّ مُسْتَبْشَعٌ. ورابِعُها: مُسْتَمِرٌّ أيْ: مارٍّ ذاهِبٍ، فَإنَّ السِّحْرَ لا بَقاءَ لَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب