الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ قِيلَ: هَذا أيْضًا مِمّا في الصُّحُفِ، وقِيلَ: هو ابْتِداءُ كَلامٍ والخِطابُ عامٌّ، كَأنَّهُ يَقُولُ: بِأيِّ النِّعَمِ أيُّها السّامِعُ تَشُكُّ أوْ تُجادِلُ، وقِيلَ: هو خِطابٌ مَعَ الكافِرِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ولا يُقالُ: كَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَقُولَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ﴿تَتَمارى﴾ لِأنّا نَقُولُ هو مِن بابِ: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] يَعْنِي لَمْ يَبْقَ فِيهِ إمْكانُ الشَّكِّ، حَتّى أنَّ فارِضًا لَوْ فُرِضَ النَّبِيُّ ﷺ مِمَّنْ يَشُكُّ أوْ يُجادِلُ في بَعْضِ الأُمُورِ الخَفِيَّةِ لَما كانَ يُمْكِنُهُ المِراءُ في نِعَمِ اللَّهِ، والعُمُومُ هو الصَّحِيحُ كَأنَّهُ يَقُولُ: بِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى أيُّها الإنْسانُ، كَما قالَ: ﴿ياأيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦] وقالَ تَعالى: ﴿وكانَ الإنْسانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤] فَإنْ قِيلَ: المَذْكُورُ مِن قَبْلُ نِعَمٌ والآلاءُ نِعَمٌ، فَكَيْفَ آلاءُ رَبِّكَ ؟ نَقُولُ: لَمّا عَدَّ مِن قَبْلُ النِّعَمَ وهو الخَلْقُ مِنَ النُّطْفَةِ ونَفْخُ الرُّوحِ الشَّرِيفَةِ فِيهِ والإغْناءُ والإقْناءُ، وذَكَرَ أنَّ الكافِرَ بِنِعَمِهِ أُهْلِكَ قالَ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ فَيُصِيبُكَ مِثْلَ ما أصابَ الَّذِينَ تَمارَوْا مِن قَبْلُ، أوْ تَقُولُ: لَمّا ذُكِرَ الإهْلاكُ، قالَ لِلشّاكِّ: أنْتَ ما أصابَكَ الَّذِي أصابَهم وذَلِكَ بِحِفْظِ اللَّهِ إيّاكَ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ وسَنَزِيدُهُ بَيانًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ في مَواضِعَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿هَذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولى﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: المُشارُ إلَيْهِ بِهَذا ماذا ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: مُحَمَّدٌ ﷺ مِن جِنْسِ النُّذُرِ الأُولى.
ثانِيها: القُرْآنُ.
ثالِثُها: ما ذَكَرَهُ مِن أخْبارِ المُهْلَكِينَ، ومَعْناهُ حِينَئِذٍ هَذا بَعْضُ الأُمُورِ الَّتِي هي مُنْذِرَةٌ، وعَلى قَوْلِنا: المُرادُ مُحَمَّدٌ ﷺ فالنَّذِيرُ هو المُنْذِرُ وهو لِبَيانِ الجِنْسِ، وعَلى قَوْلِنا المُرادُ هو القُرْآنُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ النَّذِيرُ بِمَعْنى المَصْدَرِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الفاعِلِ، وكَوْنُ الإشارَةِ إلى القُرْآنِ بَعِيدٌ لَفْظًا ومَعْنًى، أمّا مَعْنًى: فَلِأنَّ القُرْآنَ لَيْسَ مِن جِنْسِ الصُّحُفِ الأُولى؛ لِأنَّهُ مُعْجِزٌ وتِلْكَ لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةً؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ الوَحْدانِيَّةِ وقالَ: ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ قالَ: ﴿هَذا نَذِيرٌ﴾ إشارَةً إلى مُحَمَّدٍ ﷺ وإثْباتًا لِلرِّسالَةِ، وقالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ إشارَةً إلى القِيامَةِ؛ لِيَكُونَ في الآياتِ الثَّلاثِ المُرَتَّبَةِ إثْباتُ أُصُولٍ ثَلاثٍ مُرَتَّبَةٍ، فَإنَّ الأصْلَ الأوَّلَ هو اللَّهُ ووَحْدانِيَّتُهُ ثُمَّ الرَّسُولُ ورِسالَتُهُ ثُمَّ الحَشْرُ والقِيامَةُ، وأمّا لَفْظًا فَلِأنَّ النَّذِيرَ إنْ كانَ كامِلًا، فَما ذَكَرَهُ مِن حِكايَةِ المُهْلَكِينَ أوْلى؛ لِأنَّهُ أقْرَبُ ويَكُونُ عَلى هَذا ”مِن“ بَقِيَ عَلى حَقِيقَةِ التَّبْعِيضِ، أيْ: هَذا الَّذِي ذَكَرْنا بَعْضَ ما جَرى ونُبَذٌ مِمّا وقَعَ، أوْ يَكُونُ لِابْتِداءِ الغايَةِ، بِمَعْنى هَذا إنْذارٌ مِنَ المُنْذِرِينَ المُتَقَدِّمِينَ، يُقالُ: هَذا الكِتابُ، وهَذا الكَلامُ مِن فُلانٍ. وعَلى الأقْوالِ كُلِّها لَيْسَ ذِكْرُ الأُولى لِبَيانِ المَوْصُوفِ بِالوَصْفِ وتَمْيِيزِهِ عَنِ النُّذُرِ الآخِرَةِ كَما يُقالُ: الفِرْقَةُ الأُولى احْتِرازًا عَنِ الفِرْقَةِ الأخِيرَةِ، وإنَّما هو لِبَيانِ الوَصْفِ لِلْمَوْصُوفِ، كَما يُقالُ: زَيْدٌ العالِمُ جاءَنِي. فَيَذْكُرُ العالِمَ إمّا لِبَيانِ أنَّ زَيْدًا عالِمٌ غَيْرَ أنَّكَ لا تَذْكُرُهُ بِلَفْظِ الخَبَرِ فَتَأْتِي بِهِ عَلى طَرِيقَةِ الوَصْفِ، وإمّا لِمَدْحِ زَيْدٍ بِهِ، وإمّا لِأمْرٍ آخَرَ، والأوْلى عَلى العَوْدِ إلى لَفْظِ الجَمْعِ وهو النُّذُرُ ولَوْ كانَ (p-٢٤)لِمَعْنى الجَمْعِ لَقالَ: مِنَ النُّذُرِ الأوَّلِينَ يُقالُ: مِنَ الأقْوامِ المُتَقَدِّمَةِ والمُتَقَدِّمِينَ عَلى اللَّفْظِ والمَعْنى.
{"ayahs_start":55,"ayahs":["فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ","هَـٰذَا نَذِیرࣱ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰۤ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق