الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ﴾ ﴿ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ .
إشارَةٌ إلى المُقْسَمِ عَلَيْهِ، وفِيهِ مَباحِثُ: الأوَّلُ: في حَرْفِ (إنَّ) وفِيهِ مَقاماتٌ الأوَّلُ: هي تَنْصِبُ الِاسْمَ وتَرْفَعُ الخَبَرَ؛ والسَّبَبُ فِيهِ هو أنَّها شُبِّهَتْ بِالفِعْلِ مِن حَيْثُ اللَّفْظُ والمَعْنى، أمّا اللَّفْظُ فَلِكَوْنِ الفَتْحِ لازِمًا فِيها واخْتِصاصِها بِالدُّخُولِ عَلى الأسْماءِ، والمَنصُوبُ مِنها عَلى وزْنِ إنَّ أنِينًا، وأمّا المَعْنى فَنَقُولُ: اعْلَمْ أنَّ الجُمْلَةَ الإثْباتِيَّةَ قَبْلَ الجُمْلَةِ الِانْتِفائِيَّةِ، ولِهَذا اسْتَغْنَوْا عَنْ حَرْفٍ يَدُلُّ عَلى الإثْباتِ، فَإذا قالُوا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ فُهِمَ مِنهُ إرادَةُ إثْباتِ الِانْطِلاقِ لِزَيْدٍ، والِانْتِفائِيَّةُ لَمّا كانَتْ بَعْدَ المُثْبَتَةِ زِيدَ فِيها حَرْفٌ يُغَيِّرُها عَنِ الأصْلِ وهو الإثْباتُ فَقِيلَ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، فَصارَ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا بَعْدَ قَوْلِ القائِلِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَ القائِلِ إنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ مُسْتَنْبَطٌ مِن قَوْلِهِ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، كَأنَّ الواضِعَ لَمّا وضَعَ أوَّلًا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ لِلْإثْباتِ، وعِنْدَ النَّفْيِ يَحْتاجُ إلى ما يُغَيِّرُهُ أتى بِلَفْظٍ مُغَيِّرٍ وهو فِعْلٌ مِن وجْهٍ لِأنَّكَ قَدْ تُبْقِي مَكانَهُ ما النّافِيَةَ؛ ولِهَذا قِيلَ لَسْتُ ولَيْسُوا، فَأُلْحِقَ بِهِ ضَمِيرُ الفاعِلِ، ولَوْلا أنَّهُ فَعَلَ لَما جازَ ذَلِكَ، ثُمَّ أرادَ أنْ يَضَعَ في مُقابَلَةِ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا جُمْلَةً إثْباتِيَّةً فِيها لَفْظُ الإثْباتِ، كَما أنَّ في النّافِيَةِ لَفْظَ النَّفْيِ فَقالَ (إنَّ) ولَمْ يَقْصِدْ أنَّ (إنَّ) فِعْلٌ لِأنَّ لَيْسَ يُشَبَّهُ بِالفِعْلِ لِما فِيهِ مِن مَعْنى الفِعْلِ وهو التَّغْيِيرُ، فَإنَّها غَيَّرَتِ الجُمْلَةَ مِن أصْلِها الَّذِي هو الإثْباتُ، وأمّا (إنَّ) فَلَمْ تُغَيِّرْهُ، فالجُمْلَةُ عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ إثْباتِيَّةٌ فَصارَتْ مُشَبَّهَةً بِالمُشَبَّهَةِ بِالفِعْلِ وهي (لَيْسَ)، وهَذا ما يَقُولُهُ النَّحْوِيُّونَ في إنَّ وأنَّ وكَأنَّ ولَيْتَ ولَعَلَّ إنَّها حُرُوفٌ مُشَبَّهَةٌ بِالأفْعالِ، إذا عَلِمْتَ هَذا فَنَقُولُ كَما أنَّ (لَيْسَ) لَها اسْمٌ كالفاعِلِ وخَبَرٌ كالمَفْعُولِ، تَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ لَئِيمًا بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ كَما تَقُولُ باتَ زَيْدٌ كَرِيمًا، فَكَذَلِكَ إنَّ لَها اسْمٌ وخَبَرٌ، لَكِنَّ اسْمَها يُخالِفُ اسْمَ لَيْسَ وخَبَرَها خَبَرَها فَإنَّ اسْمَ إنَّ مَنصُوبٌ وخَبَرَها مَرْفُوعٌ، لِأنَّ إنَّ لَمّا كانَتْ زِيادَةً عَلى خِلافِ الأصْلِ لِأنَّها لا تُفِيدُ إلّا الإثْباتَ الَّذِي كانَ مُسْتَفادًا مِن غَيْرِ حَرْفٍ، و(لَيْسَ) لَمّا كانَتْ زِيادَةً عَلى الأصْلِ لِأنَّها تُغَيِّرُ الأصْلَ، ولَوْلاها لَما حَصَلَ المَقْصُودُ، جُعِلَ المَرْفُوعُ والمَنصُوبُ في لَيْسَ عَلى الأصْلِ، لِأنَّ الأصْلَ تَقْدِيمُ الفاعِلِ، وفي إنَّ جُعِلَ ذَلِكَ عَلى خِلافِ الأصْلِ وقُدِّمَ المُشَبَّهُ بِالمَفْعُولِ عَلى المُشَبَّهِ بِالفاعِلِ تَقْدِيمًا لازِمًا، فَلا يَجُوزُ أنْ يُقالَ إنَّ مُنْطَلِقٌ زَيْدًا وهو في لَيْسَ مُنْطَلِقًا زَيْدٌ جائِزٌ كَما في الفِعْلِ لِأنَّها فِعْلٌ.
المَقامُ الثّانِي: هي لِمَ تُكْسَرُ تارَةً وتُفْتَحُ أُخْرى ؟ نَقُولُ: الأصْلُ فِيها الكَسْرَةُ والعارِضُ وإنْ كانَ هَذا في الظّاهِرِ يُخالِفُ قَوْلَ النُّحاةِ لَكِنَّ في الحَقِيقَةِ هي كَذَلِكَ.
(p-٢٠٨)المَقامُ الثّالِثُ: لِمَ تَدْخُلُ اللّامُ عَلى خَبَرِ إنَّ المَكْسُورَةِ دُونَ المَفْتُوحَةِ ؟ قُلْنا قَدْ خَرَجَ مِمّا سَبَقَ أنَّ قَوْلَ القائِلِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ أصْلٌ، لِأنَّ المُثْبَتاتِ هي المُحْتاجَةُ إلى الإخْبارِ عَنْها فَإنَّ التَّغَيُّرَ في ذَلِكَ، وأمّا العَدَمِيّاتُ فَعَلى أُصُولِها مُسْتَمِرَّةٌ، ولِهَذا يُقالُ الأصْلُ في الأشْياءِ البَقاءُ ثُمَّ إنَّ السّامِعَ لَهُ قَدْ يَحْتاجُ إلى الرَّدِّ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا فَيَقُولُ هو إنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ فَيَقُولُ هو رَدًّا عَلَيْهِ لَيْسَ زَيْدٌ بِمُنْطَلِقٍ فَيَقُولُ رَدًّا عَلَيْهِ إنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ و(أنَّ) لَيْسَتْ في مُقابَلَةِ (لَيْسَ) وإنَّما هي مُتَفَرِّعَةٌ عَنِ المَكْسُورَةِ.
المَبْحَثُ الثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَذابَ رَبِّكَ﴾ فِيهِ لَطِيفَةٌ عَزِيزَةٌ وهي أنَّهُ تَعالى لَوْ قالَ إنَّ عَذابَ اللَّهِ لَواقِعٌ، واللَّهُ اسْمٌ مُنْبِئٌ عَنِ العَظَمَةِ والهَيْبَةِ كانَ يَخافُ المُؤْمِنُ بَلِ النَّبِيُّ ﷺ مِن أنْ يَلْحَقَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ تَعالى مُسْتَغْنِيًا عَنِ العالَمِ بِأسْرِهِ، فَضْلًا عَنْ واحِدٍ فِيهِ فَآمَنُهُ بِقَوْلِهِ (رَبِّكَ) فَإنَّهُ حِينَ يَسْمَعُ لَفْظَ الرَّبِّ يَأْمَنُ.
المَبْحَثُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ ﴿لَواقِعٌ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى الشِّدَّةِ، فَإنَّ الواقِعَ والوُقُوعَ مِن بابٍ واحِدٍ، فالواقِعُ أدَلُّ عَلى الشِّدَّةِ مِنَ الكائِنِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ والبَحْثُ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ فُصِّلَتْ: ٤٦] وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ قَوْلَهُ ﴿والطُّورِ﴾ ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى عَدَمِ الدّافِعِ، فَإنَّ مَن يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ عَذابًا قَدْ يَدْفَعُ بِالتَّحَصُّنِ بِقُلَلِ الجِبالِ ولُجَجِ البِحارِ، ولا يَنْفَعُ ذَلِكَ بَلِ الوُصُولُ إلى السَّقْفِ المَرْفُوعِ ودُخُولِ البَيْتِ المَعْمُورِ لا يَدْفَعُ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِعࣱ","مَّا لَهُۥ مِن دَافِعࣲ"],"ayah":"إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَ ٰقِعࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











