الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أفَسِحْرٌ هَذا أمْ أنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ تَحْقِيقًا لِلْأمْرِ، وذَلِكَ لِأنَّ مَن يَرى شَيْئًا ولا يَكُونُ الأمْرُ عَلى ما يَراهُ، فَذَلِكَ الخَطَأُ يَكُونُ لِأجْلِ أحَدِ أمْرَيْنِ إمّا لِأمْرٍ عائِدٍ إلى المَرْئِيِّ وإمّا لِأمْرٍ عائِدٍ إلى الرّائِي، فَقَوْلُهُ ﴿أفَسِحْرٌ هَذا﴾ أيْ هَلْ في المَرْئِيِّ شَكٌّ أمْ هَلْ في بَصَرِكم خَلَلٌ ؟ اسْتِفْهامُ إنْكارٍ، أيْ لا واحِدَ مِنهُما ثابِتٌ، فالَّذِي تَرَوْنَهُ حَقٌّ وقَدْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ إنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ، وإنَّما قالَ: ﴿أفَسِحْرٌ﴾ وذَلِكَ أنَّهم كانُوا يَنْسُبُونَ المَرْئِيّاتِ إلى السِّحْرِ فَكانُوا يَقُولُونَ بِأنَّ انْشِقاقَ القَمَرِ وأمْثالَهُ سِحْرٌ وفي ذَلِكَ اليَوْمِ لَمّا تَعَلَّقَ بِهِمْ مَعَ البَصَرِ الألَمُ المُدْرَكُ بِحِسِّ اللَّمْسِ وبَلَغَ الإيلامُ الغايَةَ لَمْ يُمْكِنْهم أنْ يَقُولُوا هَذا سِحْرٌ، وإلّا لَما صَحَّ مِنهم طَلَبُ الخَلاصِ مِنَ النّارِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿اصْلَوْها فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكم إنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أيْ إذا لَمْ يُمْكِنْكم إنْكارُها وتُحُقِّقَ أنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ ولا خَلَلٍ في أبْصارِكم فاصَلَوْها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا﴾ فِيهِ فائِدَتانِ إحْداهُما: بَيانُ عَدَمِ الخَلاصِ وانْتِفاءِ المَناصِ فَإنَّ مَن لا يَصْبِرُ يَدْفَعُ الشَّيْءَ عَنْ نَفْسِهِ إمّا بِأنْ يَدْفَعَ المُعَذِّبَ فَيَمْنَعَهُ وإمّا بِأنْ يُغْضِبَهُ فَيَقْتُلَهُ ويُرِيحَهُ ولا شَيْءَ مِن ذَلِكَ يُفِيدُ في عَذابِ الآخِرَةِ فَإنَّ مَن لا يَغْلِبُ المُعَذِّبَ فَيَدْفَعُهُ ولا يَتَخَلَّصُ بِالإعْدامِ فَإنَّهُ لا يُقْضى عَلَيْهِ فَيَمُوتُ، فَإذَنِ الصَّبْرُ كَعَدَمِهِ، لِأنَّ مَن يَصْبِرُ يَدُومُ فِيهِ، ومَن لا يَصْبِرُ يَدُومُ فِيهِ. الثّانِيَةُ: بَيانُ ما يَتَفاوَتُ بِهِ عَذابُ الآخِرَةِ عَنْ عَذابِ الدُّنْيا، فَإنَّ المُعَذَّبَ في الدُّنْيا إنْ صَبَرَ رُبَّما انْتَفَعَ بِالصَّبْرِ إمّا بِالجَزاءِ في الآخِرَةِ، وإمّا بِالحَمْدِ في الدُّنْيا، فَيُقالُ لَهُ ما أشْجَعَهُ وما أقْوى قَلْبَهُ، وإنْ جَزِعَ يُذَمُّ، فَيُقالُ يَجْزَعُ كالصِّبْيانِ والنِّسْوانِ، وأمّا في الآخِرَةِ لا مَدْحَ ولا ثَوابَ عَلى الصَّبْرِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ﴾ (سَواءٌ) خَبَرٌ، ومُبْتَدَؤُهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿فاصْبِرُوا أوْ لا تَصْبِرُوا﴾ كَأنَّهُ يَقُولُ: الصَّبْرُ وعَدَمُهُ سَواءٌ، فَإنْ قِيلَ يَلْزَمُ الزِّيادَةُ في التَّعْذِيبِ، ويَلْزَمُ التَّعْذِيبُ عَلى المَنوِيِّ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْهُ، نَقُولُ فِيهِ لَطِيفَةٌ، وهي أنَّ المُؤْمِنَ بِإيمانِهِ اسْتَفادَ أنَّ الخَيْرَ الَّذِي يَنْوِيهِ يُثابُ عَلَيْهِ، والشَّرَّ الَّذِي يَنْوِيهِ ولا يُحَقِّقُهُ لا يُعاقَبُ عَلَيْهِ، والكافِرُ بِكُفْرِهِ صارَ عَلى الضِّدِّ، فالخَيْرُ الَّذِي يَنْوِيهِ ولا يَعْمَلُهُ لا يُثابُ عَلَيْهِ، والشَّرُّ الَّذِي يَقْصِدُهُ ولا يَقَعُ مِنهُ يُعاقَبُ عَلَيْهِ ولا ظُلْمَ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى أخْبَرَهُ بِهِ، وهو اخْتارَ ذَلِكَ ودَخَلَ فِيهِ بِاخْتِيارِهِ، كَأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: فَإنَّ مَن كَفَرَ وماتَ كافِرًا أُعَذِّبُهُ أبَدًا فاحْذَرُوا، ومَن آمَنَ أُثِيبُهُ دائِمًا، فَمَنِ ارْتَكَبَ الكُفْرَ ودامَ عَلَيْهِ بَعْدَما (p-٢١٣)سَمِعَ ذَلِكَ، فَإذا عاقَبَهُ المُعاقِبُ دائِمًا تَحْقِيقًا لِما أوْعَدَهُ بِهِ لا يَكُونُ ظالِمًا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ﴾ عَلى ما هو عادَةُ القُرْآنِ مِن بَيانِ حالِ المُؤْمِنِ بَعْدَ بَيانِ حالِ الكافِرِ، وذِكْرُ الثَّوابِ عَقِيبَ ذِكْرِ العِقابِ لِيَتِمَّ أمْرُ التَّرْهِيبِ والتَّرْغِيبِ، وقَدْ ذَكَرْنا تَفْسِيرَ المُتَّقِينَ في مَواضِعَ، والجَنَّةُ وإنْ كانَتْ مَوْضِعَ السُّرُورِ، لَكِنَّ النّاطُورَ قَدْ يَكُونُ في البُسْتانِ الَّذِي هو غايَةُ الطِّيبَةِ وهو غَيْرُ مُتَنَعِّمٍ، فَقَوْلُهُ ﴿ونَعِيمٍ﴾ يُفِيدُ أنَّهم فِيها يَتَنَعَّمُونَ، كَما يَكُونُ المُتَفَرِّجُ لا كَما يَكُونُ النّاطُورُ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["أَفَسِحۡرٌ هَـٰذَاۤ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ","ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوۤا۟ أَوۡ لَا تَصۡبِرُوا۟ سَوَاۤءٌ عَلَیۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَنَعِیمࣲ"],"ayah":"أَفَسِحۡرٌ هَـٰذَاۤ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











