الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِي المُنادِي مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ .
هَذا إشارَةٌ إلى بَيانِ غايَةِ التَّسْبِيحِ، يَعْنِي اشْتَغِلْ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ وانْتَظِرِ المُنادِي كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: ٩٩] وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ما الَّذِي يَسْتَمِعُهُ ؟ قُلْنا: يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلاثَةً.
أحَدُها: أنْ يَتْرُكَ مَفْعُولَهُ رَأْسًا ويَكُونُ المَقْصُودُ كُنْ مُسْتَمِعًا، ولا تَكُنْ مِثْلَ هَؤُلاءِ المُعْرِضِينَ الغافِلِينَ، يُقالُ هو رَجُلٌ سَمِيعٌ مُطِيعٌ ولا يُرادُ مَسْمُوعٌ بِعَيْنِهِ كَما يُقالُ فُلانٌ وكّاسٌ، وفُلانٌ يُعْطِي ويَمْنَعُ.
ثانِيها: اسْتَمِعْ لِما يُوحى إلَيْكَ.
ثالِثُها: اسْتَمَعَ نِداءَ المُنادِي.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿يَوْمَ يُنادِي المُنادِي﴾ مَنصُوبٌ بِأيِّ فِعْلٍ ؟ نَقُولُ: هو مَبْنِيٌّ عَلى المَسْألَةِ الأُولى، إنْ قُلْنا اسْتَمِعْ لا مَفْعُولَ لَهُ فَعامِلُهُ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمُ الخُرُوجِ﴾ [ق: ٤٢] تَقْدِيرُهُ: يَخْرُجُونَ يَوْمَ يُنادِي المُنادِي، وإنْ قُلْنا مَفْعُولُهُ لِما يُوحى فَتَقْدِيرُهُ ﴿واسْتَمِعْ﴾ لِما يُوحى ﴿يَوْمَ يُنادِي﴾ ويَحْتَمِلُ ما ذَكَرْنا وجْهًا آخَرَ، وهو ما يُوحى أيْ ما يُوحى ﴿يَوْمَ يُنادِي المُنادِي﴾ اسْمَعْهُ، فَإنْ قِيلَ: اسْتَمِعْ عَطْفٌ عَلى فاصْبِرْ وسَبِّحْ وهو في الدُّنْيا، والِاسْتِماعُ يَكُونُ في الدُّنْيا، وما يُوحى ﴿يَوْمَ يُنادِي المُنادِي﴾ لا يُسْتَمَعُ في الدُّنْيا، نَقُولُ لَيْسَ بِلازِمٍ ذَلِكَ لِجَوازِ أنْ يُقالَ صَلِّ وادْخُلِ الجَنَّةَ أيْ صَلِّ في الدُّنْيا وادْخُلِ الجَنَّةَ في العُقْبى، فَكَذَلِكَ هَهُنا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ بِأنَّ اسْتَمِعْ بِمَعْنى انْتَظِرْ فَيُحْتَمَلُ الجَمْعُ في الدُّنْيا، وإنْ قُلْنا اسْتَمِعِ الصَّيْحَةَ وهو نِداءُ المُنادِي: يا عِظامُ انْتَشِرِي، والسُّؤالُ الَّذِي ذَكَرَهُ عُلِمَ الجَوابُ مِنهُ، وجَوابٌ آخَرُ نَقُولُهُ حِينَئِذٍ وهو أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: ٦٨] قُلْنا: إنَّ (p-١٦٢)مَن شاءَ اللَّهُ هُمُ الَّذِينَ عَلِمُوا وُقُوعَ الصَّيْحَةِ، واسْتَيْقَظُوا لَها فَلَمْ تُزْعِجْهم كَمَن يَرى بَرْقًا أوْمَضَ، وعَلِمَ أنَّ عَقِيبَهُ يَكُونُ رَعْدٌ قَوِيٌّ فَيَنْظُرُهُ ويَسْتَمِعُ لَهُ، وآخَرُ غافِلٌ، فَإذا رَعَدَ بِقُوَّةٍ رُبَّما يُغْشى عَلى الغافِلِ ولا يَتَأثَّرُ مِنهُ المُسْتَمِعُ، فَقالَ: (اسْتَمِعْ) ذَلِكَ كَيْ لا تَكُونَ مِمَّنْ يُصْعَقُ في ذَلِكَ اليَوْمِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ما الَّذِي يُنادِي المُنادِيَ ؟ فِيهِ وُجُوهٌ مُحْتَمَلَةٌ مَنقُولَةٌ مَعْقُولَةٌ وحَصْرُها بِأنْ نَقُولَ المُنادِي إمّا أنْ يَكُونَ هو اللَّهَ تَعالى أوِ المَلائِكَةَ أوْ غَيْرَهُما وهُمُ المُكَلَّفُونَ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ في الظّاهِرِ، وغَيْرُهم لا يُنادِي، فَإنْ قُلْنا هو تَعالى فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: يُنادِي: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهُمْ﴾ [الصافات: ٢٢] .
ثانِيها: يُنادِي ﴿ألْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ [ق: ٢٤] مَعَ قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوها بِسَلامٍ﴾ ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) [الحاقة: ٣٠] يَدُلُّ عَلى هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُنادِي المُنادِي مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ وقالَ: ﴿وأُخِذُوا مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١] .
ثالِثُها: غَيْرُهُما لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُنادِيهِمْ أيْنَ شُرَكائِي﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٧] وغَيْرِ ذَلِكَ، وأمّا عَلى قَوْلِنا المُنادِي غَيْرُ اللَّهِ فَفِيهِ وُجُوهٌ أيْضًا.
أحَدُها: قَوْلُ إسْرافِيلَ: أيَّتُها العِظامُ البالِيَةُ اجْتَمِعُوا لِلْوَصْلِ واسْتَمِعُوا لِلْفَصْلِ.
ثانِيها: النِّداءُ مَعَ النَّفْسِ يُقالُ لِلنَّفْسِ ﴿ارْجِعِي إلى رَبِّكِ﴾ [الفَجْرِ: ٢٨] لِتَدْخُلِي مَكانَكِ مِنَ الجَنَّةِ أوِ النّارِ.
ثالِثُها: يُنادِي مُنادٍ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ وهَؤُلاءِ لِلنّارِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] . وعَلى قَوْلِنا المُنادِي هو المُكَلَّفُ فَيُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ هو ما بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى في قَوْلِهِ: ﴿ونادَوْا يامالِكُ﴾ [الزخرف: ٧٧] أوْ غَيْرُ ذَلِكَ إلّا أنَّ الظّاهِرَ أنَّ المُرادَ أحَدُ الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ المُنادِي لِلتَّعْرِيفِ وكَوْنُ المَلَكِ في ذَلِكَ اليَوْمِ مُنادِيًا مَعْرُوفٌ عُرِفَ حالُهُ وإنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ، فَيُقالُ: قالَ ﷺ وإنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وأمّا أنَّ اللَّهَ تَعالى مُنادٍ فَقَدْ سَبَقَ في هَذِهِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ألْقِيا﴾ وهَذا نِداءٌ، وقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ﴾ وهو نِداءٌ، وأمّا المُكَلَّفُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ الصَّوْتَ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ بَلْ يَسْتَوِي في اسْتِماعِهِ كُلُّ أحَدٍ وعَلى هَذا فَلا يَبْعُدُ حَمْلُ المُنادِي عَلى اللَّهِ تَعالى إذْ لَيْسَ المُرادُ مِنَ المَكانِ القَرِيبِ نَفْسَ المَكانِ بَلْ ظُهُورَ النِّداءِ وهو مِنَ اللَّهِ تَعالى أقْرَبُ، وهَذا كَما قالَ في هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ ولَيْسَ ذَلِكَ بِالمَكانِ.
{"ayah":"وَٱسۡتَمِعۡ یَوۡمَ یُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانࣲ قَرِیبࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











