الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ادْخُلُوها بِسَلامٍ﴾ .
فالضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الجَنَّةِ الَّتِي في ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ﴾ أيْ لَمّا تَكامَلَ حُسْنُها وقُرْبُها وقِيلَ لَهم إنَّها مَنزِلُكم بِقَوْلِهِ: ﴿هَذا ما تُوعَدُونَ﴾ أُذِنَ لَهم في دُخُولِها وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الخِطابُ مَعَ مَن ؟ نَقُولُ: إنْ قُرِئَ: ”ما تُوعَدُونَ“ بِالتّاءِ فَهو ظاهِرٌ إذْ لا يَخْفى أنَّ الخِطابَ مَعَ المَوْعُودِينَ، وإنْ قُرِئَ بِالياءِ فالخِطابُ مَعَ المُتَّقِينَ أيْ يُقالُ لِلْمُتَّقِينَ ادْخُلُوها.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلى الإذْنِ، وفِيهِ مِنَ الِانْتِظارِ ما لا يَلِيقُ بِالإكْرامِ، نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإنَّ مَن دَعا مُكْرَمًا إلى بُسْتانِهِ يَفْتَحُ لَهُ البابَ ويَجْلِسُ في مَوْضِعِهِ، ولا يَقِفُ عَلى البابِ مَن (p-١٥٥)يُرَحِّبُهُ، ويَقُولُ إذا بَلَغْتَ بُسْتانِي فادْخُلْهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ أحَدٌ يَكُونُ قَدْ أخَلَّ بِإكْرامِهِ بِخِلافِ مَن يَقِفُ عَلى بابِ قَوْمٍ يَقُولُونَ: ادْخُلْ بِاسْمِ اللَّهِ، يَدُلُّ عَلى الإكْرامِ قَوْلُهُ تَعالى: (بِسَلامٍ) كَما يَقُولُ المُضِيفُ: ادْخُلْ مُصاحَبًا بِالسَّلامَةِ والسَّعادَةِ والكَرامَةِ، والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ في مَعْنى الحالِ، أيْ سالِمِينَ مَقْرُونِينَ بِالسَّلامَةِ، أوْ مَعْناهُ ادْخُلُوها مُسَلَّمًا عَلَيْكم، ويُسَلِّمُ اللَّهُ ومَلائِكَتُهُ عَلَيْكم، ويَحْتَمِلُ عِنْدِي وجْهًا آخَرَ، وهو أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إرْشادًا لِلْمُؤْمِنِينَ إلى مَكارِمِ الأخْلاقِ في ذَلِكَ اليَوْمِ كَما أُرْشِدُوا إلَيْها في الدُّنْيا، حَيْثُ قالَ تَعالى: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكم حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وتُسَلِّمُوا عَلى أهْلِها﴾ [النور: ٢٧] فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: هَذِهِ دارُكم ومَنزِلُكم، ولَكِنْ لا تَتْرُكُوا حَسَنَ عادَتِكم، ولا تُخِلُّوا بِمَكارِمِ أخْلاقِكم، فادْخُلُوها بِسَلامٍ، ويَصِيحُونَ سَلامًا عَلى مَن فِيها، ويُسَلِّمُ مِن فِيها عَلَيْهِمْ، ويَقُولُونَ: السَّلامُ عَلَيْكم، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة: ٢٦] أيْ يُسَلِّمُونَ عَلى مَن فِيها، ويُسَلِّمُ مَن فِيها عَلَيْهِمْ، وهَذا الوَجْهُ إنْ كانَ مَنقُولًا فَنِعْمَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مَنقُولًا فَهو مُناسِبٌ مَعْقُولٌ أيَّدَهُ دَلِيلٌ مَنقُولٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ﴾ .
حَتّى لا يَدْخُلَ في قَلْبِهِمْ أنَّ ذَلِكَ رُبَّما يَنْقَطِعُ عَنْهم فَتَبْقى في قَلْبِهِمْ حَسْرَتُهُ، فَإنْ قِيلَ المُؤْمِنُ قَدْ عَلِمَ أنَّهُ إذا دَخَلَ الجَنَّةَ خُلِّدَ فِيها، فَما الفائِدَةُ في التَّذْكِيرِ ؟ والجَوابُ: عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ﴾ قَوْلٌ قالَهُ اللَّهُ في الدُّنْيا إعْلامًا وإخْبارًا، ولَيْسَ ذَلِكَ قَوْلًا يَقُولُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: (ادْخُلُوها) فَكَأنَّهُ تَعالى أخْبَرَنا في يَوْمِنا أنَّ ذَلِكَ اليَوْمَ ﴿يَوْمُ الخُلُودِ﴾ .
ثانِيهِما: اطْمِئْنانُ القَلْبِ بِالقَوْلِ أكْثَرُ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿يَوْمُ الخُلُودِ﴾ إضْمارٌ تَقْدِيرُهُ: ذَلِكَ يَوْمُ تَقْدِيرِ الخُلُودِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ اليَوْمُ يُذَكَّرُ، ويُرادُ الزَّمانُ المُطْلَقُ سَواءٌ كانَ يَوْمًا أوْ لَيْلًا، نَقُولُ: يَوْمَ يُولَدُ لِفُلانٍ ابْنٌ يَكُونُ السُّرُورُ العَظِيمُ، ولَوْ وُلِدَ لَهُ بِاللَّيْلِ لَكانَ السُّرُورُ حاصِلًا، فَتُرِيدُ بِهِ الزَّمانَ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: ذَلِكَ زَمانٌ الإقامَةِ الدّائِمَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لَهم ما يَشاءُونَ فِيها ولَدَيْنا مَزِيدٌ﴾ .
وفِي الآيَةِ تَرْتِيبٌ في غايَةِ الحُسْنِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى بَدَأ بِبَيانِ إكْرامِهِمْ حَيْثُ قالَ: ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: قُرِّبَ المُتَّقُونَ مِنَ الجَنَّةِ بَيانًا لِلْإكْرامِ حَيْثُ جَعَلَهم مِمَّنْ تُنْقَلُ إلَيْهِمُ الجِنانُ بِما فِيها مِنَ الحِسانِ، ثُمَّ قالَ لَهم هَذا لَكم، بِقَوْلِهِ: ﴿هَذا ما تُوعَدُونَ﴾ ثُمَّ بَيَّنَ أنَّهُ أجْرُ أعْمالِهِمُ الصّالِحَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أوّابٍ حَفِيظٍ﴾ قَوْلُهُ: ﴿مَن خَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ فَإنَّ تَصَرُّفَ المالِكِ الَّذِي مَلَكَ شَيْئًا بِعِوَضٍ أتَمُّ فِيهِ مِن تَصَرُّفِ مَن مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، لِإمْكانِ الرُّجُوعِ في التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، ثُمَّ زادَ في الإكْرامِ بِقَوْلِهِ: (ادْخُلُوها) كَما بَيَّنّا أنَّ ذَلِكَ إكْرامٌ؛ لِأنَّ مَن فَتَحَ بابَهُ لِلنّاسِ، ولَمْ يَقِفْ بِبابِهِ مَن يُرَحِّبُ الدّاخِلِينَ، لا يَكُونُ قَدْ أتى بِالإكْرامِ التّامِّ، ثُمَّ قالَ: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ﴾ أيْ لا تَخافُوا ما لَحِقَكم مِن قَبْلُ حَيْثُ أخْرَجَ أبَوَيْكم مِنها، فَهَذا دُخُولٌ لا خُرُوجَ بَعْدَهُ مِنها.
ثُمَّ لَمّا بَيَّنَ أنَّهم (فِيها خالِدُونَ) قالَ: لا تَخافُوا انْقِطاعَ أرْزاقِكم وبَقاءَكم في حاجَةٍ، كَما كُنْتُمْ في الدُّنْيا مَن كانَ يُعَمَّرُ يُنَكَّسُ ويَحْتاجُ، بَلْ لَكُمُ الخُلُودُ، ولا يَنْفَدُ ما تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فَلَكم ما تَشاءُونَ في أيِّ وقْتٍ تَشاءُونَ، وإلى اللَّهِ المُنْتَهى، وعِنْدَ الوُصُولِ إلَيْهِ، والمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلا يُوَصَفُ ما لَدَيْهِ، ولا يَطَّلِعُ أحَدٌ عَلَيْهِ، وعَظَمَةُ مَن عِنْدَهُ تَدُلُّكَ عَلى فَضِيلَةِ ما عِنْدَهُ، هَذا هو التَّرْتِيبُ، وأمّا التَّفْسِيرُ، فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
(p-١٥٦)المَسْألَةُ الأُولى: قالَ تَعالى: ﴿ادْخُلُوها بِسَلامٍ﴾ عَلى سَبِيلِ المُخاطَبَةِ، ثُمَّ قالَ: (لَهم) ولَمْ يَقُلْ لَكم ما الحِكْمَةُ فِيهِ ؟ الجَوابُ: عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: هو أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (ادْخُلُوها) مُقَدَّرٌ فِيهِ يُقالُ لَهم، أيْ يُقالُ لَهم: (ادْخُلُوها) فَلا يَكُونُ عَلى هَذا التِفاتًا.
الثّانِي: هو أنَّهُ مِن بابِ الِالتِفاتِ والحِكْمَةِ الجَمْعُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: أكْرَمَهم بِهِ في حُضُورِهِمْ، فَفي حُضُورِهِمُ الحُبُورُ، وفي غَيْبَتِهِمُ الحُورُ والقُصُورُ.
والثّالِثُ: هو أنْ يُقالَ قَوْلُهُ تَعالى: (لَهم) جازَ أنْ يَكُونَ كَلامًا مَعَ المَلائِكَةِ، يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: تَوَكَّلُوا بِخِدْمَتِهِمْ، واعْلَمُوا أنَّ لَهم ما يَشاءُونَ فِيها، فَأحْضِرُوا بَيْنَ أيْدِيهِمْ ما يَشاءُونَ، وأمّا أنا فَعِنْدِي ما لا يَخْطُرُ بِبالِهِمْ، ولا تَقْدِرُونَ أنْتُمْ عَلَيْهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنا أنَّ لَفْظَ ﴿مَزِيدٌ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ الزِّيادَةَ، فَيَكُونُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المَفْعُولِ، أيْ عِنْدِنا ما نَزِيدُهُ عَلى ما يَرْجُونَ وما يَكُونُ مِمّا يَشْتَهُونَ:
{"ayahs_start":34,"ayahs":["ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰمࣲۖ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ","لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ فِیهَا وَلَدَیۡنَا مَزِیدࣱ"],"ayah":"ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَـٰمࣲۖ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق