الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَألْقِياهُ في العَذابِ الشَّدِيدِ﴾ .
فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ .
ثانِيها: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى: ﴿كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ .
ثالِثُها: أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ: ﴿ألْقِيا في جَهَنَّمَ﴾ كَأنَّهُ قالَ:”ألْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ“ أيْ والَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَألْقَياهُ بَعْدَما ألْقَيْتُمُوهُ في جَهَنَّمَ في عَذابٍ شَدِيدٍ مِن عَذابِ جَهَنَّمَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ .
وهُوَ جَوابٌ لِكَلامٍ مُقَدَّرٍ، كَأنَّ الكافِرَ حِينَما يُلْقى في النّارِ يَقُولُ: رَبَّنا أطْغانِي شَيْطانِي، فَيَقُولُ الشَّيْطانُ: رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ هَذا ﴿قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ [ق: ٢٨] الِاخْتِصامُ يَسْتَدْعِي كَلامًا مِنَ الجانِبَيْنِ وحِينَئِذٍ هَذا، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ السُّورَةِ وفي ص: ﴿قالُوا بَلْ أنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ [ص: ٦٠] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا رَبَّنا مَن قَدَّمَ لَنا هَذا فَزِدْهُ﴾ [ص:٦١] إلى أنْ قالَ: ﴿إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أهْلِ النّارِ﴾ [ص: ٦٤] وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المُرادُ بِالقَرِينِ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ هو الشَّيْطانُ لا المَلَكُ الَّذِي هو شَهِيدٌ وقَعِيدٌ، واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِهَذا. وقالَ غَيْرُهُ، المُرادُ المَلَكُ لا الشَّيْطانُ، وهَذا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِمَن قالَ ذَلِكَ، وبَيانُهُ هو أنَّهُ في الأوَّلِ لَوْ كانَ المُرادُ الشَّيْطانَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿هَذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ مَعْناهُ هَذا الشَّخْصُ عِنْدِي عَتِيدٌ مُعْتَدٌ لِلنّارِ أعْتَدْتُهُ بِإغْوائِي، فَإنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ صَرَّحَ في تَفْسِيرِ تِلْكَ بِهَذِهِ، وعَلى هَذا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ [ق: ٢٧] مُناقِضًا لِقَوْلِهِ (أعْتَدْتُهُ) .
ولِلزَّمَخْشَرِيِّ أنْ يَقُولَ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَقُولَ إنَّ الشَّيْطانَ يَقُولُ (أعْتَدْتُهُ) بِمَعْنى زَيَّنْتُ لَهُ الأمْرَ وما ألْجَأْتُهُ فَيَصِحُّ القَوْلانِ مِنَ الشَّيْطانِ.
وثانِيهِما: أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى حالَيْنِ: فَفي الحالَةِ الأُولى إنَّما فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ إظْهارًا لِلِانْتِقامِ مِن بَنِي آدَمَ، وتَصْحِيحًا لِما قالَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ ثُمَّ إذا رَأى العَذابَ وأنَّهُ مَعَهُ مُشْتَرِكٌ ولَهُ عَلى الإغْواءِ عَذابٌ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فالحَقُّ والحَقَّ أقُولُ﴾ ﴿لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ﴾ [ص: ٨٥] فَيَقُولُ ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ فَيَرْجِعُ عَنْ مَقالَتِهِ عِنْدَ ظُهُورِ العَذابِ.
(p-١٤٥)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ هَهُنا: ﴿قالَ قَرِينُهُ﴾ مِن غَيْرِ واوٍ، وقالَ في الآيَةِ الأُولى: ﴿وقالَ قَرِينُهُ﴾ بِالواوِ العاطِفَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ في الأوَّلِ الإشارَةَ وقَعَتْ إلى مَعْنَيَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ، وأنَّ كُلَّ نَفْسٍ في ذَلِكَ الوَقْتِ تَجِيءُ ومَعَها سائِقٌ، ويَقُولُ الشَّهِيدُ ذَلِكَ القَوْلَ، وفي الثّانِي لَمْ يُوجَدْ هُناكَ مَعْنَيانِ مُجْتَمِعانِ حَتّى يُذْكَرَ بِالواوِ، والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فَألْقِياهُ في العَذابِ﴾ لا يُناسِبُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ مُناسَبَةً مُقْتَضِيَةً لِلْعَطْفِ بِالواوِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: القائِلُ هَهُنا واحِدٌ، وقالَ: (رَبَّنا) ولَمْ يَقُلْ رَبِّ، وفي كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ مَعَ كَوْنِ القائِلِ واحِدًا، قالَ رَبِّ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿قالَ رَبِّ أرِنِي أنْظُرْ إلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] وقَوْلِ نُوحٍ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ [ ص: ٣٥] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا في الجَنَّةِ﴾ [التحريم: ١١] إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ فَأنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص: ٧٩] نَقُولُ في جَمِيعِ تِلْكَ المَواضِعِ القائِلُ طالِبٌ، ولا يَحْسُنُ أنْ يَقُولَ الطّالِبُ: يا رَبِّ عَمِّرْنِي واخْصُصْنِي وأعْطِنِي كَذا، وإنَّما يَقُولُ: أعْطِنا لِأنَّ كَوْنَهُ رَبًّا لا يُناسِبُ تَخْصِيصَ الطّالِبِ، وأمّا هَذا المَوْضِعُ فَمَوْضِعُ الهَيْبَةِ والعَظَمَةِ وعَرْضِ الحالِ دُونَ الطَّلَبِ فَقالَ: ﴿رَبَّنا ما أطْغَيْتُهُ﴾ .
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ .
يَعْنِي أنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِإطْغائِهِ، وإنَّما كانَ ضالًّا مُتَغَلْغِلًا في الضَّلالِ فَطَغى، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ما الوَجْهُ في اتِّصافِ الضَّلالِ بِالبَعِيدِ ؟ نَقُولُ الضّالُّ يَكُونُ أكْثَرَ ضَلالًا عَنِ الطَّرِيقِ، فَإذا تَمادى في الضَّلالِ وبَقِيَ فِيهِ مُدَّةً يَبْعُدُ عَنِ المَقْصِدِ كَثِيرًا، وإذا عَلِمَ الضَّلالَ قَصَّرَ في الطَّرِيقِ مِن قَرِيبٍ فَلا يَبْعُدُ عَنِ المَقْصِدِ كَثِيرًا، فَقَوْلُهُ: ﴿ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ وصْفُ المَصْدَرِ بِما يُوصَفُ بِهِ الفاعِلُ، كَما يُقالُ كَلامٌ صادِقٌ وعِيشَةٌ راضِيَةٌ أيْ ضَلالٌ ذُو بُعْدٍ، والضَّلالُ إذا بَعُدَ مَداهُ، وامْتَدَّ الضّالُّ فِيهِ يَصِيرُ بَيِّنًا ويَظْهَرُ الضَّلالُ؛ لِأنَّ مَن حادَ عَنِ الطَّرِيقِ وأبْعَدَ عَنْهُ تَتَغَيَّرَ عَلَيْهِ السِّماتُ والجِهاتُ ولا يَرى عَيْنَ المَقْصِدِ ويَتَبَيَّنُ لَهُ أنَّهُ ضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ، ورُبَّما يَقَعُ في أوْدِيَةٍ ومَفاوِزَ ويَظْهَرُ لَهُ أماراتُ الضَّلالِ بِخِلافِ مَن حادَ قَلِيلًا، فالضَّلالُ وصَفَهُ اللَّهُ تَعالى بِالوَصْفَيْنِ في كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ، فَقالَ تارَةً في ضَلالٍ مُبِينٍ، وأُخْرى قالَ: ﴿فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَكِنْ كانَ في ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ إشارَةٌ إلى قَوْلِهِ ﴿إلّا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٤٠] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ﴾ [الحجر: ٤٢] أيْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ العِبادِ، فَجَعَلَهم أهْلَ العِنادِ، ولَوْ كانَ لَهم في سَبِيلِكَ قَدَمُ صِدْقٍ لَما كانَ لِي عَلَيْهِمْ مِن يَدٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: كَيْفَ قالَ ما أطْغَيْتُهُ مَعَ أنَّهُ قالَ: ﴿لَأُغْوِيَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٣٩] ؟ قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: وجْهانِ قَدْ تَقَدَّما في الِاعْتِذارِ عَمّا قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، والثّالِثُ هو أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ أيْ لَأُدِيمَنَّهم عَلى الغَوايَةِ كَما أنَّ الضّالَّ إذا قالَ لَهُ شَخْصٌ أنْتَ عَلى الجادَّةِ، فَلا تَتْرُكْها، يُقالُ أنَّهُ يُضِلُّهُ كَذَلِكَ هَهُنا، وقَوْلُهُ: ﴿ما أطْغَيْتُهُ﴾ أيْ ما كانَ ابْتِداءُ الإطْغاءِ مِنِّي.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["ٱلَّذِی جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِیَاهُ فِی ٱلۡعَذَابِ ٱلشَّدِیدِ","۞ قَالَ قَرِینُهُۥ رَبَّنَا مَاۤ أَطۡغَیۡتُهُۥ وَلَـٰكِن كَانَ فِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدࣲ"],"ayah":"۞ قَالَ قَرِینُهُۥ رَبَّنَا مَاۤ أَطۡغَیۡتُهُۥ وَلَـٰكِن كَانَ فِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











