الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ مَتاعًا لَكم ولِلسَّيّارَةِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: المُرادُ بِالصَّيْدِ المَصِيدُ، وجُمْلَةُ ما يُصادُ مِنَ البَحْرِ ثَلاثَةُ أجْناسٍ: الحِيتانُ وجَمِيعُ أنْواعِها حَلالٌ، والضَّفادِعُ وجَمِيعُ أنْواعِها حَرامٌ، واخْتَلَفُوا فِيما سِوى هَذَيْنِ. فَقالَأبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّهُ حَرامٌ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى والأكْثَرُونَ: إنَّهُ حَلالٌ، وتَمَسَّكُوا فِيهِ بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ، والمُرادُ بِالبَحْرِ جَمِيعُ المِياهِ والأنْهارِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ تَعالى عَطَفَ طَعامَ البَحْرِ عَلى صَيْدِهِ والعَطْفُ يَقْتَضِي المُغايَرَةَ وذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
الأوَّلُ وهو الأحْسَنُ: ما ذَكَرَهُ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ الصَّيْدَ ما صِيدَ بِالحِيلَةِ حالَ حَياتِهِ، والطَّعامُ ما يُوجَدُ مِمّا لَفَظَهُ البَحْرُ أوْ نَضَبَ عَنْهُ الماءُ مِن غَيْرِ مُعالَجَةٍ في أخْذِهِ، هَذا هو الأصَحُّ مِمّا قِيلَ في هَذا المَوْضِعِ.
والوَجْهُ الثّانِي: أنَّ صَيْدَ البَحْرِ هو الطَّرِيُّ، وأمّا طَعامُ البَحْرِ فَهو الَّذِي جُعِلَ مُمَلَّحًا؛ لِأنَّهُ لَمّا صارَ عَتِيقًا سَقَطَ اسْمُ الصَّيْدِ عَنْهُ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ ومُقاتِلٍ والنَّخَعِيِّ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّ الَّذِي صارَ مالِحًا فَقَدْ كانَ طَرِيًّا وصَيْدًا في أوَّلِ الأمْرِ فَيَلْزَمُ التَّكْرارُ.
والثّالِثُ: أنَّ الِاصْطِيادَ قَدْ يَكُونُ لِلْأكْلِ وقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ مِثْلُ اصْطِيادِ الصَّدَفِ لِأجْلِ اللُّؤْلُؤِ، واصْطِيادِ بَعْضِ الحَيَواناتِ البَحْرِيَّةِ لِأجْلِ عِظامِها وأسْنانِها، فَقَدْ حَصَلَ التَّغايُرُ بَيْنَ الِاصْطِيادِ مِنَ البَحْرِ وبَيْنَ الأكْلِ مِن طَعامِ البَحْرِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّمَكَةُ الطّافِيَةُ في البَحْرِ مُحَلَّلَةٌ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مُحَرَّمَةٌ، حُجَّةُ الشّافِعِيِّ القُرْآنُ والخَبَرُ، أمّا القُرْآنُ فَهو أنَّهُ يُمْكِنُ أكْلُهُ فَيَكُونُ طَعامًا فَوَجَبَ أنْ يَحِلَّ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ وطَعامُهُ﴾ وأمّا الخَبَرُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في البَحْرِ: ”«هُوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ» “ .
(p-٨٢)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: (ولِلسَّيّارَةِ) يَعْنِي أُحِلَّ لَكم صَيْدُ البَحْرِ لِلْمُقِيمِ والمُسافِرِ، فالطَّرِيُّ لِلْمُقِيمِ، والمالِحُ لِلْمُسافِرِ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: في انْتِصابِ قَوْلِهِ: ﴿مَتاعًا لَكُمْ﴾ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ الزَّجّاجُ انْتَصَبَ لِكَوْنِهِ مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا، إلّا أنَّهُ لَمّا قِيلَ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ كانَ دَلِيلًا عَلى أنَّهُ مُنْعَمٌ بِهِ، كَما أنَّهُ لَمّا قِيلَ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ [النِّساءِ: ٢٣] كانَ دَلِيلًا عَلى أنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقالَ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكم.
الثّانِي: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: انْتَصَبَ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا لَهُ، أيْ أُحِلَّ لَكم تَمْتِيعًا لَكم.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ .
وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ عَلى المُحْرِمِ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ، مِن قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ ومِن قَوْلِهِ: ﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: صَيْدُ البَحْرِ هو الَّذِي لا يَعِيشُ إلّا في الماءِ، أمّا الَّذِي لا يَعِيشُ إلّا في البَرِّ والَّذِي يُمْكِنُهُ أنْ يَعِيشَ في البَرِّ تارَةً وفي البَحْرِ أُخْرى، فَذاكَ كُلُّهُ صَيْدُ البَرِّ، فَعَلى هَذا السُّلَحْفاةُ والسَّرَطانُ والضِّفْدَعُ وطَيْرُ الماءِ، كُلُّ ذَلِكَ مِن صَيْدِ البَرِّ، ويَجِبُ عَلى قاتِلِهِ الجَزاءُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ المُحْرِمَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ، واخْتَلَفُوا في الصَّيْدِ الَّذِي يَصِيدُهُ الحَلالُ هَلْ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ ؟ فِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ، الأوَّلُ: وهو قَوْلُ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وطاوُسٍ، وذَكَرَهُ الثَّوْرِيُّ وإسْحاقُ؛ أنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حالٍ، وعَوَّلُوا فِيهِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وحُرِّمَ عَلَيْكم صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ وذَلِكَ لِأنَّ صَيْدَ البَرِّ يَدْخُلُ فِيهِ ما اصْطادَهُ المُحْرِمُ وما اصْطادَهُ الحَلالُ، وكُلُّ ذَلِكَ صَيْدُ البَرِّ، ورَوى أبُو داوُدَ في سُنَنِهِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ إسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارِثِ عَنْ أبِيهِ قالَ: «كانَ الحارِثُ خَلِيفَةَ عُثْمانَ عَلى الطّائِفِ فَصَنَعَ لِعُثْمانَ طَعامًا، وصَنَعَ فِيهِ الحَجَلَ واليَعاقِيبَ ولُحُومَ الوَحْشِ، فَبَعَثَ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَجاءَهُ الرَّسُولُ فَجاءَ، فَقالُوا لَهُ: كُلْ، فَقالَ عَلِيٌّ: أطْعِمُونا قُوتًا حَلالًا فَإنّا حُرُمٌ، ثُمَّ قالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: أنْشُدُ اللَّهَ مَن كانَ هاهُنا مِن أشْجَعَ، أتَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ أهْدى إلَيْهِ رَجُلٌ حِمارَ وحْشٍ وهو مُحْرِمٌ فَأبى أنْ يَأْكُلَهُ ؟ فَقالُوا: نَعَمْ» .
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ مُباحٌ لِلْمُحْرِمِ بِشَرْطِ أنْ لا يَصْطادَهُ المُحْرِمُ ولا يُصْطادَ لَهُ، وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، والحُجَّةُ فِيهِ ما رَوى أبُو داوُدَ في سُنَنِهِ عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «صَيْدُ البَرِّ لَكم حَلالٌ ما لَمْ تَصِيدُوهُ أوْ يُصَدْ لَكم» .
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّهُ إذا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ بِغَيْرِ إعانَتِهِ وإشارَتِهِ حَلَّ لَهُ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، رُوِيَ «عَنْ أبِي قَتادَةَ أنَّهُ اصْطادَ حِمارَ وحْشٍ وهو حَلالٌ في أصْحابٍ مُحْرِمِينَ لَهُ، فَسَألُوا الرَّسُولَ ﷺ عَنْهُ فَقالَ: هَلْ أشَرْتُمْ، هَلْ أعَنْتُمْ ؟ فَقالُوا: لا. فَقالَ: هَلْ بَقِيَ مِن لَحْمِهِ شَيْءٌ» ؟ أوْجَبَ الإباحَةَ عِنْدَ عَدَمِ الإشارَةِ والإعانَةِ مِن غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
(p-٨٣)واعْلَمْ أنَّ هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ مُفَرَّعانِ عَلى تَخْصِيصِ عُمُومِ القُرْآنِ بِخَبَرِ الواحِدِ.
والثّانِي في غايَةِ الضَّعْفِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ والمَقْصُودُ مِنهُ التَّهْدِيدُ لِيَكُونَ المَرْءُ مُواظِبًا عَلى الطّاعَةِ مُحْتَرِزًا عَنِ المَعْصِيَةِ.
{"ayah":"أُحِلَّ لَكُمۡ صَیۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَـٰعࣰا لَّكُمۡ وَلِلسَّیَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَیۡكُمۡ صَیۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمࣰاۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِیۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











