الباحث القرآني

ثُمَّ ذَكَرَ وعْدَ المُؤْمِنِينَ فَقالَ تَعالى: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فالمَغْفِرَةُ إسْقاطُ السَّيِّئاتِ كَما قالَ ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ (الفُرْقانِ: ٧٠) والأجْرُ العَظِيمُ إيصالُ الثَّوابِ، وقَوْلُهُ: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّهُ قالَ أوَّلًا ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ: وأيُّ شَيْءٍ وعَدَهم ؟ فَقالَ: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ . الثّانِي: التَّقْدِيرُ كَأنَّهُ قالَ: وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقالَ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ. والثّالِثُ: أجْرى قَوْلَهُ: (وعَدَ) مَجْرى قالَ، والتَّقْدِيرُ: قالَ اللَّهُ في الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ. والرّابِعُ: أنْ يَكُونَ (وعَدَ) واقِعًا عَلى جُمْلَةِ ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ وعَدَهم بِهَذا المَجْمُوعِ. فَإنْ قِيلَ: لِمَ أخْبَرَ عَنْ هَذا الوَعْدِ مَعَ أنَّهُ لَوْ أخْبَرَ بِالمَوْعُودِ بِهِ كانَ ذَلِكَ أقْوى ؟ قُلْنا: بَلِ الإخْبارُ عَنْ كَوْنِ هَذا الوَعْدِ وعْدَ اللَّهِ أقْوى؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ أضافَ هَذا الوَعْدَ إلى اللَّهِ تَعالى فَقالَ: ﴿وعَدَ اللَّهُ﴾ والإلَهُ هو الَّذِي يَكُونُ قادِرًا عَلى جَمِيعِ المَقْدُوراتِ عالِمًا بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ غَنِيًّا عَنْ كُلِّ الحاجاتِ، وهَذا يَمْتَنِعُ الخُلْفُ في وعْدِهِ؛ لِأنَّ دُخُولَ الخُلْفِ إنَّما يَكُونُ إمّا لِلْجَهْلِ حَيْثُ يَنْسى وعْدَهُ، وإمّا لِلْعَجْزِ حَيْثُ لا يَقْدِرُ عَلى الوَفاءِ بِوَعْدِهِ، وإمّا لِلْبُخْلِ حَيْثُ يَمْنَعُهُ البُخْلُ عَنِ الوَفاءِ بِالوَعْدِ، وإمّا لِلْحاجَةِ، فَإذا كانَ الإلَهُ هو الَّذِي يَكُونُ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ هَذِهِ الوُجُوهِ كانَ دُخُولُ الخُلْفِ في وعْدِهِ مُحالًا، فَكانَ الإخْبارُ عَنْ (p-١٤٤)هَذا الوَعْدِ أوْكَدَ وأقْوى مِن نَفْسِ الإخْبارِ عَنِ المَوْعُودِ بِهِ، وأيْضًا فَلِأنَّ هَذا الوَعْدَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ المَوْتِ فَيُفِيدُهُ السُّرُورَ عِنْدَ سَكَراتِ المَوْتِ فَتَسْهُلُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الشَّدائِدُ، وبَعْدَ المَوْتِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ البَقاءُ في ظُلْمَةِ القَبْرِ وفي عَرْصَةِ القِيامَةِ عِنْدَ مُشاهَدَةِ تِلْكَ الأهْوالِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وعِيدَ الكُفّارِ فَقالَ: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ نَصٌّ قاطِعٌ في أنَّ الخُلُودَ لَيْسَ إلّا لِلْكُفّارِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ يُفِيدُ الحَصْرَ، والمُصاحَبَةُ تَقْتَضِي المُلازَمَةَ كَما يُقالُ: أصْحابُ الصَّحْراءِ، أيِ المُلازِمُونَ لَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب