الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ هَذا أيْضًا مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَهُ، والمُرادُ حَثُّهم عَلى الِانْقِيادِ لِتَكالِيفِ اللَّهِ تَعالى.
واعْلَمْ أنَّ التَّكالِيفَ وإنْ كَثُرَتْ إلّا أنَّها مَحْصُورَةٌ في نَوْعَيْنِ: التَّعْظِيمُ لِأمْرِ اللَّهِ تَعالى، والشَّفَقَةُ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، فَقَوْلُهُ: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ﴾ إشارَةٌ إلى النَّوْعِ الأوَّلِ وهو التَّعْظِيمُ لِأمْرِ اللَّهِ، ومَعْنى القِيامِ لِلَّهِ هو أنْ يَقُومَ لِلَّهِ بِالحَقِّ في كُلِّ ما يَلْزَمُهُ القِيامُ بِهِ مِن إظْهارِ العُبُودِيَّةِ وتَعْظِيمِ الرُّبُوبِيَّةِ، وقَوْلُهُ: ﴿شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ إشارَةٌ إلى الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ وفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: قالَ عَطاءٌ: يَقُولُ لا تُحابِ في شَهادَتِكَ أهْلَ وُدِّكَ وقَرابَتَكَ، ولا تَمْنَعْ شَهادَتَكَ أعْداءَكَ وأضْدادَكَ.
الثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى تُبَيِّنُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، لِأنَّ الشّاهِدَ يُبَيِّنُ ما يَشْهَدُ عَلَيْهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى ألّا تَعْدِلُوا﴾ أيْ لا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ عَلى أنْ لا تَعْدِلُوا، وأرادَ أنْ لا تَعْدِلُوا فِيهِمْ لَكِنَّهُ حُذِفَ لِلْعِلْمِ، وفي الآيَةِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّها عامَّةٌ والمَعْنى لا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ عَلى أنْ تَجُورُوا عَلَيْهِمْ وتُجاوِزُوا الحَدَّ فِيهِمْ، بَلِ اعْدِلُوا فِيهِمْ وإنْ أساءُوا إلَيْكم، وأحْسِنُوا إلَيْهِمْ (p-١٤٣)وإنْ بالَغُوا في إيحاشِكم، فَهَذا خِطابٌ عامٌّ، ومَعْناهُ: أمَرَ اللَّهُ تَعالى جَمِيعَ الخَلْقِ بِأنْ لا يُعامِلُوا أحَدًا إلّا عَلى سَبِيلِ العَدْلِ والإنْصافِ، وتَرْكِ المَيْلِ والظُّلْمِ والِاعْتِسافِ.
والثّانِي: أنَّها مُخْتَصَّةٌ بِالكُفّارِ فَإنَّها نَزَلَتْ في قُرَيْشٍ لَمّا صَدُّوا المُسْلِمِينَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ.
فَإنْ قِيلَ: فَعَلى هَذا القَوْلِ كَيْفَ يُعْقَلُ ظُلْمُ المُشْرِكِينَ مَعَ أنَّ المُسْلِمِينَ أُمِرُوا بِقَتْلِهِمْ وسَبْيِ ذَرارِيهِمْ وأخْذِ أمْوالِهِمْ ؟
قُلْنا: يُمْكِنُ ظُلْمُهم أيْضًا مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: مِنها أنَّهم إذا أظْهَرُوا الإسْلامَ لا يَقْبَلُونَهُ مِنهم، ومِنها قَتْلُ أوْلادِهِمُ الأطْفالِ لِاغْتِمامِ الآباءِ، ومِنها إيقاعُ المُثْلَةِ بِهِمْ، ومِنها نَقْضُ عُهُودِهِمْ، والقَوْلُ الأوَّلُ أوْلى.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ فَنَهاهم أوَّلًا عَنْ أنْ يَحْمِلَهُمُ البَغْضاءُ عَلى تَرْكِ العَدْلِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَصَرَّحَ لَهم بِالأمْرِ بِالعَدْلِ تَأْكِيدًا وتَشْدِيدًا، ثُمَّ ذَكَرَ لَهم عِلَّةَ الأمْرِ بِالعَدْلِ وهو قَوْلُهُ: ﴿هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وأنْ تَعْفُوا أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ (البَقَرَةِ: ٢٣٧) أيْ هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى، وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: هو أقْرَبُ إلى الِاتِّقاءِ مِن مَعاصِي اللَّهِ تَعالى.
والثّانِي: هو أقْرَبُ إلى الِاتِّقاءِ مِن عَذابِ اللَّهِ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلى وُجُوبِ العَدْلِ مَعَ الكُفّارِ الَّذِينَ هم أعْداءُ اللَّهِ تَعالى، فَما الظَّنُّ بِوُجُوبِهِ مَعَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هم أوْلِياؤُهُ وأحِبّاؤُهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ الكَلامَ الَّذِي يَكُونُ وعْدًا مَعَ المُطِيعِينَ ووَعِيدًا لِلْمُذْنِبِينَ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ يَعْنِي أنَّهُ عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن أحْوالِكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق