الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ياأهْلَ الكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا أنْ آمَنّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنا وما أُنْزِلَ مِن قَبْلُ وأنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ وجْهَ النَّظْمِ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْهم أنَّهُمُ اتَّخَذُوا دِينَ الإسْلامِ هُزُوًا ولَعِبًا قالَ لَهم: ما الَّذِي تَنْقِمُونَ مِن هَذا الدِّينِ ؟ وما الَّذِي تَجِدُونَ فِيهِ مِمّا يُوجِبُ اتِّخاذَهُ هُزُوًا ولَعِبًا ؟ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ الحَسَنُ (هَلْ تَنْقَمُونَ) بِفَتْحِ القافِ، والفَصِيحُ كَسْرُها، يُقالُ: نَقِمْتُ الشَّيْءَ ونَقَمْتُهُ بِكَسْرِ القافِ وفَتْحِها إذا أنْكَرْتَهُ، ولِلْمُفَسِّرِينَ عِباراتٌ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا: هَلْ تَعِيبُونَ ؟ هَلْ تُنْكِرُونَ ؟ هَلْ (p-٣٠)تَكْرَهُونَ ؟ قالَ بَعْضُهم: سُمِّيَ العِقابُ نِقْمَةً؛ لِأنَّهُ يَجِبُ عَلى ما يُنْكَرُ مِنَ الفِعْلِ.
وقالَ آخَرُونَ: الكَراهَةُ الَّتِي يَتْبَعُها سُخْطٌ مِنَ الكارِهِ تُسَمّى نِقْمَةً؛ لِأنَّها تَتْبَعُها النِّقْمَةُ الَّتِي هي العَذابُ فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ لَفْظُ النِّقْمَةِ مَوْضُوعٌ أوَّلًا لِلْمَكْرُوهِ، ثُمَّ سُمِّيَ العَذابُ نِقْمَةً لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا، وعَلى القَوْلِ الثّانِي لَفْظُ النِّقْمَةِ مَوْضُوعٌ لِلْعَذابِ، ثُمَّ سَمِّيَ المُنْكَرُ والمَكْرُوهُ نِقْمَةً؛ لِأنَّهُ يَتْبَعُهُ العَذابُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: مَعْنى الآيَةِ أنَّهُ يَقُولُ لِأهْلِ الكِتابِ: لِمَ اتَّخَذْتُمْ هَذا الدِّينَ هُزُوًا ولَعِبًا، ثُمَّ قالَ عَلى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ: هَلْ تَجِدُونَ في هَذا الدِّينِ إلّا الإيمانَ بِاللَّهِ والإيمانَ بِما أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ، والإيمانَ بِجَمِيعِ الأنْبِياءِ الَّذِينَ كانُوا قَبْلَ مُحَمَّدٍ ؟ يَعْنِي أنَّ هَذا لَيْسَ مِمّا يُنْقَمُ، أمّا الإيمانُ بِاللَّهِ فَهو رَأْسُ جَمِيعِ الطّاعاتِ، وأمّا الإيمانُ بِمُحَمَّدٍ وبِجَمِيعِ الأنْبِياءِ فَهو الحَقُّ والصِّدْقُ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ الطَّرِيقُ إلى تَصْدِيقِ بَعْضِ الأنْبِياءِ في ادِّعاءِ الرِّسالَةِ والنُّبُوَّةِ هو المُعْجِزُ، ثُمَّ رَأيْنا أنَّ المُعْجِزَ حَصَلَ عَلى يَدِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وجَبَ الإقْرارُ بِكَوْنِهِ رَسُولًا، فَأمّا الإقْرارُ بِالبَعْضِ وإنْكارُ البَعْضِ فَذَلِكَ كَلامٌ مُتَناقِضٌ، ومَذْهَبٌ باطِلٌ، فَثَبَتَ أنَّ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ هو الدِّينُ الحَقُّ والطَّرِيقُ المُسْتَقِيمُ، فَلِمَ تَنْقِمُونَهُ عَلَيْنا ؟ «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ نَفَرًا مِنَ اليَهُودِ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَألُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقالَ: أُومِنُ بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ عَلَيْنا وما أُنْزِلَ عَلى إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ إلى قَوْلِهِ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَلَمّا ذَكَرَ عِيسى جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وقالُوا: واللَّهِ ما نَعْلَمُ أهْلَ دِينٍ أقَلَّ حَظًّا في الدُّنْيا والآخِرَةِ مِنكم ولا دِينًا شَرًّا مِن دِينِكم، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ وما بَعْدَها» .
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وأنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ﴾ فالقِراءَةُ العامَّةُ (أنَّ) بِفَتْحِ الألِفِ، وقَرَأ نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ (إنَّ) بِالكَسْرِ، وفي الآيَةِ سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: كَيْفَ يَنْقِمُ اليَهُودُ عَلى المُسْلِمِينَ مَعَ كَوْنِ أكْثَرِ اليَهُودِ فاسِقِينَ ؟
والجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿وأنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ﴾ تَخْصِيصٌ لَهم بِالفِسْقِ، فَيَدُلُّ عَلى سَبِيلِ التَّعْرِيضِ أنَّهم لَمْ يَتَبِّعُوهم عَلى فِسْقِهِمْ، فَكانَ المَعْنى: وما تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا أنْ آمَنّا، وما فَسَقْنا مِثْلَكم.
الثّانِي: لَمّا ذَكَرَ تَعالى ما يَنْقِمُ اليَهُودُ عَلَيْهِمْ مِنَ الإيمانِ بِجَمِيعِ الرُّسُلِ ولَيْسَ ذَلِكَ مِمّا يُنْقَمُ، ذَكَرَ في مُقابِلِهِ فِسْقَهم، وهو مِمّا يُنْقَمُ، ومِثْلُ هَذا حَسَنٌ في الِازْدِواجِ، يَقُولُ القائِلُ: هَلْ تَنْقِمُ مِنِّي إلّا أنِّي عَفِيفٌ وأنَّكَ فاجِرٌ، وأنِّي غَنِيٌّ وأنْتَ فَقِيرٌ، فَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِإتْمامِ المَعْنى عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ.
والثّالِثُ: أنْ يَكُونَ الواوُ بِمَعْنى (مَعَ) أيْ وما تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا الإيمانَ بِاللَّهِ مَعَ أنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ، فَإنَّ أحَدَ الخَصْمَيْنِ إذا كانَ مَوْصُوفًا بِالصِّفاتِ الذَّمِيمَةِ واكْتَسَبَ الثّانِي شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الصِّفاتِ الحَمِيدَةِ، كانَ اكْتِسابُهُ لِلصِّفاتِ الحَمِيدَةِ مَعَ كَوْنِ خَصْمِهِ مُكْتَسِبًا لِلصِّفاتِ الذَّمِيمَةِ أشَدَّ تَأْثِيرًا في وُقُوعِ البُغْضِ والحَسَدِ في قَلْبِ الخَصْمِ.
والرّابِعُ: أنْ يَكُونَ عَلى تَقْدِيرِ حَذْفِ المُضافِ، أيْ واعْتِقادُ أنَّكم فاسِقُونَ.
الخامِسُ: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وما تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا بِأنْ آمَنّا بِاللَّهِ وبِأنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ، يَعْنِي بِسَبَبِ فِسْقِكم نَقَمْتُمُ الإيمانَ عَلَيْنا.
السّادِسُ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مَعْطُوفًا عَلى تَعْلِيلٍ مَحْذُوفٍ كَأنَّهُ قِيلَ: وما تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا الإيمانَ لِقِلَّةِ إنْصافِكم، ولِأجْلِ أنَّ أكْثَرَكم فاسِقُونَ.
السُّؤالُ الثّانِي: اليَهُودُ كُلُّهم فُسّاقٌ وكُفّارٌ، فَلِمَ خَصَّ الأكْثَرَ بِوَصْفِ الفِسْقِ ؟
والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: يَعْنِي أنَّ أكْثَرَكم إنَّما يَقُولُونَ ما يَقُولُونَ، ويَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ طَلَبًا لِلرِّياسَةِ والجاهِ وأخْذِ الرِّشْوَةِ والتَّقَرُّبِ إلى المُلُوكِ، فَأنْتُمْ في دِينِكم فُسّاقٌ لا عُدُولٌ، فَإنَّ الكافِرَ والمُبْتَدِعَ قَدْ (p-٣١)يَكُونُ عَدْلَ دِينِهِ، وقَدْ يَكُونُ فاسِقَ دِينِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ كُلَّهم ما كانُوا كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ خُصَّ أكْثَرُهم بِهَذا الحُكْمِ.
والثّانِي: ذُكِرَ أكْثَرُهم لِئَلّا يُظَنَّ أنَّ مَن آمَنَ مِنهم داخِلٌ في ذَلِكَ.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّاۤ إِلَّاۤ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











